العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 16-01-2009, 09:29 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي ( مجندة بالإكراه ) باقر عبدالوهاب الرستم

مجندة بالإكراه


في ريفٍ من أرياف القرية الهادئة ، وفي بيتٍ متواضعٍ ، وفي أسرة محافظة تعيش فاطمة التي ينشرح صدرها كلما نوديت باسمها الذي تتشرف به ؛ لأنه اسم " فاطمة الزهراء " (ع) سيدة النساء .

عُرِف عنها أنها مثقفة حتى النخاع .. محتشمة من رأسها إلى أخمص قدميها ، وقد وهبها الله من الجمال ما هو خلاصة جمال بنات حواء .. منطقها يحكي عن لسان الحكماء ، وثوبها ودبيب مشيها يحكيان عن عفة مريم والزهراء (ع) .. حماسها حماس أم وهب " نصيرة الإمام الحسين (ع) " في كربلاء .

لا تزال تدعو ليل نهار بـ " اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم " حتى أصبحت مثالاً صالحاً تقتدي به مثيلاتها .

جلست ذات يومٍ إلى والدها وقالت له : يا أبي هل لي من نصيحة أتقوى بها على نفس وهواي .

فقال لها : يا بنية .. بارك الله فيكِ ، ووفقكِ لم يحب : اسمعي ما أقول وعيه : لكل جوادٍ كبوةٍ ولكل لسانٍ هفوةٍ ، ولا تستحي إذا سئلتِ ولم تعلمِ أن تقولي لا أعلم ، ولا تتركي مجلس الذكر والوعظ .. ففيها تحي القلوب وتذكِّر الإنسان بنما نساه من حقوق وواجبات ، ولا أزيد .

شكرتْ والدها وانحنت عليه تلثم جبينه ويده ، ومن ثم توجهت إلى غرفة منامها ومجلسها الذي تأنس به لتقضي باقي ليلتها بنفسٍ مطمئنةٍ ، وقلب ملئه الأمل بفضل الله سبحانه وتعالى .

بعد سويعات من استرخاءٍ وشرود ذهنٍ طرق الباب طارق .

تكررت الطرقات عدة مرات ، ولم تتوقف ، ( دلالة على أن الطارق لم يجب )

عندها توجهت إلى الباب ، وخاطبت من خلفه : من الطارق ؟ .

فأجاب الطارق : افتحي فاطمة ، أنا صفية .

فاطمة : صفية أهلاً … - وتفتح الباب وتقول – أهلاً .. تفضلي .

فقالت صفية : لا مجال للحديث .. هناك محاضرة في قاعة المحاضرة في نادي طيبة للخطيب الشيخ تقي …

فاطمة : حقاً يا صفية .

صفية : صدقيني يا فاطمة .

فاطمة : وما عنوان المحاضرة ؟ .

صفية : الحجاب " سترٌ وغطاء " .

فاطمة : العنوان مشجع ، ويهمني أن أذهب ، ولكن الآن ليل وطريقنا إلى القاعة مظلم .

صفية : لا عليك ، غيرنا من الجيران سيحضر وسيرافقنا في الطريق .

لبست فاطمة ملابس العفة والاحتشام ، وخرجت بصحبة صفية ، وقد رافقهما بعض من عَزَمَ الحضور في المحاضرة من بنات الجيران .

وصل الجميع إلى القاعة ، والشيخ يستهل محاضرته بالآية الشريفة ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعرف .. ) وواصل حديثه ، وقد أعجبت فاطمة بمحاضرته ، ولكن .. ولكن ماذا ؟ في منتصف المحاضرة روى حديثاً يقول : المرأة جند من جنود إبليس .. كان هذا الحديث بمثابة الشرخ الذي أعاب عليها جهاز الاستقبال ، وأعاب أيضاً جهاز تحليل وتأويل النصوص .

انتهت المحاضرة .. وفاطمة لا تزال شارة الذهن ، ثائرة الأعصاب وقد توجهت نحو الباب ناسية خلفها زميلتها وأمامها وحشة الطريق المظلم … وهي تردد : أحقاً أنا من جنود إبليس ؟! أيرضى الله الذي لا يظلم مثقال ذرة ، وهو الذي " لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " وقد وعد " من زكاها " وتوعد من " دساها " ونسب ذلك كله إلى اختيار الإنسان بعدها يكون قدري مجندة بالقهر والإكراه لعدوي إبليس اللعين ؟؟!! .

أخذت تضرب أخماساً في أسداس ، وهي تعبث بيديها وكأنها ترسم لوحةً تعبر عن حالة التخبط وعدم التوازن اللذان تعيشهما .

كان بجانب الطريق الذي يؤدي بها إلى البيت أحد المتسكعين الذين استعبدتهم شعواتهم .

ارتاح كثيراً لمرورها بجانبه ، والطريق خالٍ من المارة ، فقام يلوِّحُ لها بالتقصير مرةً بالتصفيق ومرة يساومها على عفتها ، لكنها لشدة دهشتها لم تلفت إليه ولم تستطع بعد السيطرة على نفسها . وكأنها – وكما مرَّ – ماسكة بريشة رسمٍ وترسم على لوحة التهريج ، لماذا هذا يحدث ؟!! .. كلا لا يقول أحدٌ بهذا .. الدين لايستهين بالمرأة .. وحالة الانفعال والتخبط تثملهما يداها .

ظن ذلك المتسكع أن هذه الحالة التي اعترت فاطمة دليل استجابة ، ودعوة للهوى وكأنها تقول له : أنا صاحبتك ، وفي الظلام ولا أحد وقد هيتُ لك .

تعقبها وهو يستحث خطاه ليقترب منها ، فعل ذلك وهي لا تشعر بها ، اغتنم فرصة الدلجة الشديدة الشديدة ، وفاجأها بضمها إلى صدرهِ وهو يقول : إلي ..تعالي إلي .. لا تخافِ لا تخافي ، صرخت من هول الحدث ونادت : إلحقوني . ثم وقعت مغشياً عليها .. ولى المتسكع هارباً ، وفزع إليها من سمعها .. وحملوها إلى منزلها ! .

استقبلتهم والدتها وهي تقول ما الأمر !! فقالوا لها : ابنتك .. رأيناها مغمىً عليها جراء جرأة أحد المتسكعين عليها .

قامت الأم تسبغ على ابنتها شآبيب تحنانها ورحمتها ورأفتها حتى هدأ روع ابنتها ..

في تلك الليلة لم تنم وحدها في غرفتها التي كانت تأنس بها ، بل قالت لأمها أماه : إني أخاف أن أنام وحدي ، فنامي هذه الليلة معي .. نامت الأم بجوار فاطمة ، ونام الأم وحده تلك الليلة .

عند الفجر جلست فاطمة للصلاة ، وبعد الصلاة المكتوبة جلست لتقرأ القرآن ، وكانت تتابع قراءتها ، وصادف ذلك الجزء الثاني عشر ، وهكذا بلغت سورة يوسف والآية الشريفة (22) : " وغلقت الأبواب وقالت هيتُ لك ، قال معاذ الله ، إنه ربي أحسن مثواي ، إنه لا يفلح الظالمون " .

فتوقفت عند الآية ، وبدأت تربط بين براءتها في حادثة البارحة وبراءة يوسف (ع) في الحادثة التي وقعت في بيت العزيز ... ما ذنب يوسف أن تحدث زوجة العزيز نفسها ، بل وتسعى جاهدة لتشبع رغبتها ، وذلك لأن جمال يوسف حرَّك رغباتها الجنسية تجاه يوسف وحده .. ويوسف وحده ولا أحد غيره .. فأرادت أن تشبع رغبتها ، وتلك النساء اللاتي قطَّعن أيديهن .. كان ذلك ليوسف وحده ولا غيره .

بعد مدة من التفكير استكملت خيوط الربط والتواصل .. عندها فهمت أن الحديث وصفاً لحالة وليس حُكماً لموضوع .. والمجند فيه ضحية ، ولا ذنب للضحية في التجنيد ما دامت هي لم تتعسكر له .

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 06:08 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد