العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 01-04-2010, 09:58 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي البيوت في عصر ( الرِّيموت ) ــ حسن بن مبارك الربيح


• البنك العقاري ساهم في بناء 600 ألف وحدة سكنية على مدى 30 سنة بينما الحاجة مليون وحدة سكنية خلال 5 سنوات.

• 78% من السُّعوديِّين ما عندهم سكن و40% من المتقاعدين ساكنيين بالإيجار.

صديقي الممتلئ ضحكًا وهمًّا على عادته في كلِّ رسالة يبعثها عبر الجوَّال، بعث لي هذين الخبرين، وأنا أَعود إليهما مرَّة أخرى متصفِّحًا رسائل جوَّالي بعد سنتين تقريبًا، انقدح في ذهني أَن أَردَّ على هذا الضَّحك المهموم بشيءٍ يليق به، فكانت هذه الجولة السَّريعة في ميادين الأَدب.

كان البيت ولا يزال يشغل تفكير الإِنسان ويزداد هذا التَّفكير ويكون همًّا وعقدةً كلَّما تقدَّمت الحضارة الماديَّة، فأَبو الشَّمقمق هذا الشَّاعر الموغل في الصَّعلكة في زمن ترف الحضارة العبَّاسيَّة كان يقول:
برزتُ من المنازلِ والقبابِ،
.....................فلم يعسـر على أَحدٍ حجابي

فمنزلي الفضاءُ وسقف بيتي
.....................سماءُ اللهِ أو قطعُ السَّحابِ

فأنتَ إذا أردتَ دخلتَ بيتي
.....................عليَّ مسلِّمًا من غير بابِ

لأنِّيَ لم أجدْ مصـراعَ بابٍ
.....................يكونُ من السَّحابِ إلى التُّرابِ

أمَّا في عصر المماليك (1) فيبدو أنَّ مشاكل الفقر أخذت في التَّوسُّع والازدياد تماشيًا مع التَّوسُّع العمراني، ولا يجدي مع هذه المفارقة إلا السُّخرية، فهذا أبو حسن الجزَّار يصف داره الخربة الآيلة للسُّقوط:
ودارِ خرابٍ بها قد نزلتُ،
.....................ولكن نزلتُ إلى السَّابعةْ

طريق من الطُّرْق مسلوكةٌ
.....................محجَّتها للورَى شاسعةْ

فلا فرق ما بين أنِّي أكون
.....................بها، أو أكون على القارعةْ

وأخشى بها أن أقيم الصَّلاة
.....................فتسجد حيطانها الرَّاكعةْ

إذا ما قرأتُ « إذا زلزلت »
.....................خشيتُ بأن تقرأ « الواقعةْ »

وأبو حسن الجزَّار هذا هو القائل في معنًى طريف وساخر:
كيف لا أشكر الجزارة ما عشتُ،
.....................حفاظًا وأرفض الآدابا

وبها أضحتِ الكلابُ ترجِّيني
.....................وبالشِّعر كنتُ أرجو الكلابا

ويتبعه في ذلك العصر أيضا الشَّاعر ابن دانيال الَّذي يقول:

في منزلٍ كالقبرِ كم قد شاهدتْ،
.....................فيه نكيرًا، مقلتاي ومنكرا

لو لم يكن قبرًا لما أمسيت نسيًا
.....................فيه حتَّى أنَّني لم أذكرا

والقبرُ أهنأ مسكنًا، إذ لم يكن
.....................مع ضيق سكناه، أطالبُ بالكرى

لا فرق بين ذوي القبور وبين من
.....................لا رزقَ يرزقه سوى عيش الخرا

أفٍّ لعمرٍ صار في ريعانه
.....................مثلي يودُّ بأن يموت ويقبرا

في لحظةٍ ما قد أتساءل لماذا هذا التَّذمُّر الشَّديد؟، ألم يُسلِّ هؤُلاءِ الشُّعراء قولُ أبي العلاء المعرِّي:

الفتى ظاعن ويكيفه ظلُّ السِّدرِ
.....................ضربَ الأَطنابِ والأَوتادِ

ولكنِّني أعود متسائِلًا مرَّة أخرى .. هل قال المعرِّي هذا البيت ساخرًا من حرمان إنسان عصـره من البيوت، أَم جادًّا في إيمانه الرَّاسخ بالزُّهد؟؟.

دعنا من المعرِّي وعصره، ولننظر ما حال البيوت في عصر الرِّيموت؟.

لنقف عند الشَّاعر عبد الله البردوني نتلمَّس سخريته المفرطة من هذا البؤْس الَّذي يعيشه، إذ يروي لنا قصَّة لصٍّ لم يجد صعوبةً في اقتحام منزله:

شكرًا دخلت بلا إِثارةْ
................وبلا طفور، أو غَرارةْ

لما أغرت خنقت في
................رجليك ضوضاءَ الإِغارةْ

لم تسلبِ الطِّينَ السُّكونَ
................ولم تَرُعْ نومَ الحجارةْ

كالطَّيف جئت بلا خطًى
................وبلا صدًى وبلا إشارةْ

أرأيتَ هذا البيت قزمًا،
................لا يكلِّفك المهارةْ

فأتيته ترجو الغنائم
................وهو أعرَى من مغارةْ

ماذا وجدت سوى الفراغ
................وهرَّةً تشتمُّ فارةْ

ولهاث صعلوك الحروف
................يصوغ، من دمه العبارةْ

يطفي التَّوقُّد باللَّظَى
................ينسى المرارة، بالمرارةْ

لم يبقِ في كوب الأسَى
................شيئًا حساه إلى القرارةْ

ماذا؟ أتلقَى عند صعلوك
................الحروف، غِنَى الإمارةْ

يا لصُّ، عفوًا إن رجعت
................بدون ربح، أو خسارةْ

لم تلقَ الا خيبةً
................ونسيت صندوق السِّيجارةْ

شكرًا أتنوي أن تشـرِّفَنا
................بتكرار الزِّيارةْ؟!

في قصة (الدَّار) لجبير المليحان نقف عند ظاهرة البيوت المهجورة، وهذه مفارقة تدعو للتَّأَمُّل فثمَّة من يضيق به العيش للحصول على شقَّة، أو قطعة أرض تزداد في كلِّ يوم جشعًا مخيفًا، وثمَّة بيوت يسكنها الفراغ والصَّمت، يقول المليحان من مجموعته (الوجه الَّذي من ماء):

(دار الصَّمت حول البيت القديم عدَّة دورات، حطَّ، وعشعش هناك: ألقى بأغراضه الكثيرة دفعة واحدة، ثم أخذ يرتِّبها في غرف البيت النَّائم؛ أقام حفل عشائه، ثمَّ استلقى: مطمئنًّا، مبتسمًا، ساهرًا، ممتِّعًا نفسه بالظُّلمة، ورنين الهواء في الشَّبابيك الواسعة المفتوحة، وبعد أن فتنه الهدوء، مدَّ فراشه ونام.

عندما استيقظ البيت القديم، في صباح لا شمس له، عقدت لسانه الدَّهشة، وهو لم يجد غير الصَّمت ممدَّدًا في أرجائه كمسافر منهك أكله التَّعب فنام... فبعد أن ينام الصَّمت يبقى وحيدًا في اللَّيل، مفكِّرًا يراقب أشباح الأشجار الَّتي لا تنام.. ترى لو كان مقبرة هل سكن الصَّمت فيه؟ ).

إنَّ موضوعًا كهذا بحاجةٍ إلى حَفرٍ أكثر في التُّربة الاجتماعيَّة كما تحفر الأرض، وبحاجةٍ إلى وقتٍ أطول بطول بناء منزلٍ كامل، وجهدٍ كجهد عمَّال البناء، وصبرٍ كمن يصبر على مجيء القروض العقاريَّة.
غير أَنِّي سأسكن موضوعي هذا في شُقَّة للإيجار ريثما تنفرج الأَزمة.

ـــــــــــــــ
الهوامش:

( 1) الاستشهادات الشِّعريَّة لشعراء المماليك أخذتْ من دراسة منشورة في مجلَّة عالم الفكر ج 14، العدد 1، 2. بعنوان: « الشِّعر الشَّعبي السَّاخر في عصر المماليك » للدُّكتور محمَّد رجب النَّجَّار.

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 10:17 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد