العودة   منتديات الطرف > الواحات الأدبية > ~//| مطويات القصص والروايات |\\~




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 11-01-2016, 12:32 PM   رقم المشاركة : 1
ناقد
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية ناقد
 







افتراضي وهل مازال في العمر بقية؟! ( ولدي الذي لم يعد ) .. قصة قصيرة

ولدي الذي لم يعد





كانت لا تبارح المسجد، معتكفة فيه ليل نهار، تكابد ألماً دفيناً وتسأل المصليات أن لا ينسينها في الدعاء، تجلس في زاوية نائية متكدرة ثم سرعان ما تأخذها نوبة بكاء تثير الشفقة، ما بها؟ ما قصتها؟
تطفلت إحداهن:
- خير يا حاجة، فضفضي عن كربك لعلك تستريحين.

تنهدت بحرقة فأفضت:
ولدي (فيصل) غاب عني منذ عشر سنوات ولم يعد، لازلت أذكره حينما أتاني ببشرى ابتعاثه إلى أمريكا دوناً عن أقرانه لأنه كان فائق الذكاء ينتظر ذلك اليوم الذي يحقق طموحاته وأحلامه في بلد كبير كأمريكا.


أطرقت (أم فيصل) وهي تسترجع مشاهد الماضي في الذاكرة:
برز نبوغه منذ الطفولة إذ كان يفكر بعقليه فذة وبرؤيا مستقبلية أذهلت كل المحيطين حوله، أذكر أنه انضم إلى النادي العلمي ذات صيف فأثار إعجاب المدرسين بابتكاراته المدهشة وقال لي أحدهم محذراً "احفظيه عن عيون الحساد فهو جوهرة ثمينة" إنه الوحيد الذي رزقت به في هذه الدنيا فقد هجرني والده إلى امرأة أخرى بدافع الحاجة إلى الذرية ولم أعترض لأني بعد غياب فيصل مات إحساسي بكل إنسان فلم أشعر بزوجي وهو يتلاشى من حياتي حتى اختفى.. وها هي السنين تمر وجراحي لم تبرء.. مذ أن حلقت الطائرة في سماء نائية وأنا أمور في غلوء اللوعة والبعد، التحق (فيصل) في جامعة (هارفارد) وفي البداية كان يهاتفني ويؤملني بعودته في الإجازات بيد أن اتصالاته أخذت تتباعد ويبرر ذلك بانشغاله الكبير في الدراسة حتى انقطع تماماً بعد السنة الخامسة، حاولت الاتصال به فيأتيني الرد من امرأة أجنبية لا أفهم ما تقول وحينما استعنت بأحد الجيران ليترجم لي ردها عرفت أنه ترك الشقة فاستأجرتها بعده ولبثت أنتظره على جمر الشوق وأتأمل عودته في إجازات رأس السنة كما يفعل كل الطلبة الذين يدرسون في الخارج، وبعد هذه السنوات استعلمت أخباره عن طريق السفارة وقيل لي أنه بخير ويعيش في أفضل حال لكنهم يهملون أمري ويحاولون اختزال قضيتي يهمشون معاناتي.


دهشت السائلة بينما استطردت أم فيصل بتفاصيل القضية:
وللأسف فإن أباه ترك الأمر معلقاً وهرب إلى نزوته مبرراً أنه ولد عاق، جاحد لا يستحق السؤال وبقيت أنوء بهذا العبء لوحدي.

تسألها المرأة
"ألم تفكري بالسفر إليه؟

وهل أستطيع أن أفعل ذلك لوحدي حاولت مع أبيه ترتيب الأمر يصرخ معنفاً من تنكر لوالديه غير جدير بالرعاية".
ما عدت أحتمل فراقه فصرت أسأل كل مسافر إلى أمريكا كالمجنونة وأتقصى عنه بشتى الطرق لعلي أصل إليه أو أصل إلى حتفي، مرضت في بعده فقد أنهكني التفكير وتركني حطام وها أنا أعتكف في بيت الله أدعوه متضرعة لعله سبحانه يعيد لي ولدي ثانية.

تستفسر المرأة:
"ما سبب عقوقه؟ هل تربى على القسوة والحرمان؟"

نفت أم فيصل بإشارة من رأسها وهي تقول:
"كيف نقسو على وحيدنا الذي رزقنا به على كبر".

"إذن ما السبب؟" تتساءل المرأة.

ابتلعت أم فيصل غصتها:
" لا أدري، فقد احترت في أمره"

تناهت إلى ذهن المرأة فكرة فانبرت تطمئن أم فيصل:
سأبذل قصارى جهدي لمساعدتك فإن لي قريب يدرس في مدينة كاليفورنيا وسأعطيه اسم ابنك ليتفقد أخباره ويعلمني بالأمر.

استبشرت أم فيصل
"حقيقة أنا ممتنة لك لا تصدقي كم أنا متفائلة بهذه المبادرة".


ربتت المرأة على كتفها وهي تنهض لتقف في الصف الأول لأداء صلاة الجماعة
"ثقي بالله يا حاجة فهو وحده مفرج الكروب"


وفور انتهاء الأذان وقفت النسوة في صفوف متراصة خلف الإمام وبعد فراغهن من الصلاة جلسن ليسمعن خطبة الجمعة والتي تضمنت تربية الأبناء إذا انتقد الخطيب النساء اللاتي يهملن جانب القيم العقائدية في تنشئة الأبناء وهذا ما يدفعهم إلى تقليد الغرب والتشبه بعاداته وسلوكياته فالأبناء يكبرون وهم فارغون فكرياً متذبذبون في أفكارهم لا ينطلقون في حراكهم من قاعدة ثابتة لها معايير محكمة لسلوكياتهم ولهذا يميلون بسرعة لأي تأثير خارجي.. لأنهم غير محصنين عقائدياً وهذه الحصانة هي مسؤولية الأبوين.

ارتعدت (أم فيصل) وكأنما صفعة قوية أيقظتها من غيبوبة وأخذت تستعرض طفولة (فيصل) بمعايير التربية التي تحدث عنها الشيخ هذه المرة، تعرف جيداً أنها تفانت في رعايته النفسية والصحية والعلمية لكنها لم تلتفت إلى الجانب العقائدي وأثره على الشخصية لظنها أنها أمور تفوق قابليات طفل صغير فكبر (فيصل) وهو مستخفاً بصلاته متهاوناً في تكاليفه الدينية إذ وجدها في نهاية المطاف عبئاً لا ضرورة له في حياته فما وجد الروادع والنواهي إلا بالمقدار الضئيل الذي رفده من البيئة حوله إذ كان والديه مشغولان في تحصيله العلمي وتفوقه دون تربيته القيمية والدينية فشب بلا هوية، لم يكن سوى عقل مبدع وذهن متوقد ونبوغ استثنائي أذهل الناس.


مرت الأيام وأم فيصل تجتر الذكريات بحسرة وألم وعيناها على باب الحجرة لعل تلك المرأة تأتيها بخبر عن فيصل، حتى كان ذلك اليوم الذي انفضح السر وانكشف الغطاء ،

قالت المرأة ملهوفة:
"ابنك لن يعود فقد تزوج أمريكية وأخذ الجنسية الأمريكية وأنجب طفله، يعيش في حي من أحياء نيويورك الراقية ويعمل باحثاً في إحدى مراكز الأبحاث الهامة.

بهتت (أم فيصل) غير مصدقة:
"وهل يستدعي الأمر أن ينساني، هل تنصل عن ماضية وانبتر عن جذوره؟"

انهمرت دموعها وهي تندب حظها:
"يا الله ما أتعسني وما أشقاني، كنت أهرب من واقع يلاحقني لكني يجب أن أتقبله بالرغم مني"

تهدئ المرأة من روعها
"تصبري يا حاجة فأنت مؤمنة بالله"

واستطردت وهي منهارة
يئست وأنا أسأل واستفسر فتأتيني ردوداً متناقضة ومبتورة تضاعف من قلقي ووساويس كانوا جميعاً متفقون على أنه بخير، المسئولون في السفارة، أبو فيصل، الناس الذين لهم تجربة مماثلة لتجربتي فقد كان قلبي يحدثني أن فيصل ليس بخير.

استدركت المرأة فجأة.
"ليس بخير؟!!" الحمد لله أنه في أفضل حال

لفظت أم فيصل أنفاسها المحرورة:
"نعم.. فأنا أعني ما أقول، ليس بخير، فولدي انتهى منذ أن تجرد من كينونته وهويته وألغاني من حياته وهجر وطنه وأهله واستأصل جذوره وانتمائه لقد تبدل تماماً فصار قاسياً، جحوداً إنسان بلا قلب وقد عرفه أبوه أكثر مني ولهذا أبى أن يستدر عطفه طالما كان معرضاً عنا نافراً منا وهاهم اشتروا عبقريته وكرامته بثمن بخس.

أشفقت عليها المرأة:
"ادعي له بالهداية يا حاجة لعله يثب إلى رشده"


شدت نفساً عميقاً وهي تستطرق باب المسجد
وهل مازال في العمر بقية؟!


المصدر
http://www.khawlaalqazwini.com/Excit...il.aspx?aid=58


الاثنين
30 ربيع الأول 1437 هـ

 

 

 توقيع ناقد :
وهل مازال في العمر بقية؟!  (  ولدي الذي لم يعد  ) .. قصة قصيرة
وهل مازال في العمر بقية؟!  (  ولدي الذي لم يعد  ) .. قصة قصيرة





والله الموفق
ناقد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-01-2016, 01:52 PM   رقم المشاركة : 2
يوسف الجوهر
طرفاوي جديد






افتراضي رد: وهل مازال في العمر بقية؟! ( ولدي الذي لم يعد ) .. قصة قصيرة

ماشاء الله عليك

 

 

يوسف الجوهر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-01-2016, 02:29 PM   رقم المشاركة : 3
ناقد
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية ناقد
 







افتراضي رد: وهل مازال في العمر بقية؟! ( ولدي الذي لم يعد ) .. قصة قصيرة

اهلا و مرحبا بالعضو الجديد ( يوسف الجوهر ) ..

ما شاء الله أول كتابة لك في هذا المنتدى كانت من نصيب موضوعي ..


تشرفنا بك . و ان شاء الله نستفيد من قلمك في هذا المنتدى . لا تحرمنا .

 

 

 توقيع ناقد :
وهل مازال في العمر بقية؟!  (  ولدي الذي لم يعد  ) .. قصة قصيرة
وهل مازال في العمر بقية؟!  (  ولدي الذي لم يعد  ) .. قصة قصيرة





والله الموفق
ناقد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 24-01-2016, 09:59 AM   رقم المشاركة : 4
الخجول
طرفاوي مشارك






افتراضي رد: وهل مازال في العمر بقية؟! ( ولدي الذي لم يعد ) .. قصة قصيرة

شكرا ناقد على هالقصة الهادفة

 

 

الخجول غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 10:28 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد