العودة   منتديات الطرف > الواحات الأدبية > ~//| مطويات القصص والروايات |\\~




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 07-01-2016, 02:23 PM   رقم المشاركة : 1
ناقد
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية ناقد
 







افتراضي صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .

صـحـوة أنثـى
أيها المعبود القدسي..
خبرني من الذي يرفع عنك قيد نقابك..
وأنت يا طائر الجنة! حدثني من الذي يمدك بطعامك ومائك..
ولقد جفا النوم عيني وتقاسمتني الأفكار القاتلة، لِمَا أنا فيه من فكر يحرق الكبد..
حينما فكرت في الأحضان التي أصبحت منزلاً لأمنك ومقامك.
(حافظ الشيرازي)
دخلت طور الصحوة الأنثوية في الأربعين وتنبهت إلى وجودي الممزق بين مطالب أولادي التعجيزية وأنانية زوجي البخيل، وانطلقت من أعماقي صرخة تمرّد مزقّت أغلال ضعفي وأيقظت أحلام جنوني.
دعوني أعيش ما تبقى من عمري حتى الانغمار الشره في نشوة الحياة، فما منحته لزوجي البخيل وأولادي الأربعة كافٍ لأسترد شبابي الضائع هباءً، عشت حياة آلية تطحنها الرتابة والملل وألغيت كياني في خضم التضحيات ونسيت ذاتي أو تناسيتها في زحام الأيام، ها هم أولادي يستعدون للرحيل، وزوجي المحنط في طقوس الكهولة لا يدرك أني كائن أتنفس إلا حين تلسعه الحاجة، الحرمان يحفر داخلي بؤر متقيحة لن يستأصلها إلا جراح ماهر، لم أفهم أن الحياة في حراك دائم، مد وجزر، طريقاً معبّداً نحو الأمنيات البعيدة، فالتعتيم الذي مارسه زوجي على هذه المرئيات البديعة أوهمني أن الدنيا واقفة على أسرتي بأفرادها الخمس، فكل مظاهر النعيم محرّمة في قاموسه الخاص، المرأة المتفتحة تفتنها الزخارف، فاعزلها جبراً كي لا ترمح بأنوثتها الجامحة فتستقل، النزهات، السفر، المال، الزينة، مفاهيم تعني التبطر والانحلال، هكذا عشت محكومة بسياسة القمع الذكوري لأني عورة ينبغي أن تحبس في الحرملك حتى الموت، لكني أحبط حينما أكتشف اختلافي عن نساء العالم وقد انفتحن حتى كان لهن أروع حضور، العالم يقفز إلا أنا باقية في بيت بلا نوافذ ألمح ظل القمر على السطح النائي وأدرك أن الفجر بعيد.
شغل أولادي جل وقتي واستحوذوا كل نهاراتي، وفي قهر مساءاتي أستشهد بين يديه وأنا مغمضة العينين، ثعلب ماكر يظل يراوغ حينما يشتد به الولع.


السد صخري يحتجز الباقي من عمري في طقوس أمومة عارية عن كل خواص أنوثة بالطبع تعطلت بكبسة زر، هكذا قرر المجتمع الظالم، لم أدرك أني مطمورة بالإهمال إلا حينما صدمتني الصورة في المرآة يوم زفاف ابنتي (حنان) حينما سمحت لأصابع التجميل أن تصقل ملامحي الفتانة وتبرز ملاحتي بجرأة وإبهار، جئت بجمال إعجازي يكسف ضوء الشمس.
انبهر زوجي فانقبض قلبه، الصحوة الطارئة تعني استنزاف الجيب والتجدد المتعب، حاول إتلاف مكياجي واللعب على وتر التقاليد المنقرضة:

- الثوب لا يناسبك وسيعرضك للنقد!

لن يهزم ثقتي، فعبارات الإعجاب نبهت أجراس أنوثتي الغافلة، وزفاف حنان كان آخر محطة أسترد فيها عمري الضائع، انفصلت عنه بعد أن استنزفني حتى جفّ نبعي، دخل أولادي الجامعة وانتفت مبررات صبري فاشترط التنازل عن مؤخر صداقي وفعلت دون تردد:

- خذ مال قارون وهب لي بقية عمري..

ولأول مرة أشعر أني أتنفس، وبدأت أرمم الأجزاء المنخورة التي أتلفها الحرمان وهو يأكلني سنين طويلة فتجدد جلدي المعطوب وارتوى بندى الربيع الفياض، فجأة أطلت من أعماقي صبية نزقة تمرح في عنفوان آسر وتحطم قيد الكبت لتنطلق في فضاءات أرحب، حتى التقيته في تقاطع مذهل (موسى) ابن خالتي (مريم) التي تزوجت من (هيثم) واستقرت في لندن، وموسى وحيدها المدلل، كانوا يأتون إلينا في المواسم ويزرعون فينا الشوق ويرحلون، تعلّق قلبي بموسى وبادلني حباً بحب لكن طريقنا مسدود بحكم تقاليد الأسرة وإرثها المتعفن، فأنا من جنس ملائكة السماء بينما هو من شياطين الأرض!


في لندن وفي ساحة الحمام تحديداً وجدته يلاعب طفلة ويلتقط لها الصور مع سرب الحمام المكتظ، أحسست أني عدت مراهقة ومحاولاته الساذجة في استمالتي وأنا أتمنع خجلاً، تورد وجهي حينما شحذ كل مشاعره في نظرة مقتحمة:
- رباب!
صوت يافع ينبع من ماض مطمور:
- موسى!

شكراً لك أيها الحمام فقد عبّدت طريق حبي بسلام، ابتسامتي كانت بحجم السنين الجافة وكأنها عبرت عليها سنة بعد سنة لتصب فيها مطر الحياة، وجدته مقبلاً عليّ بكم هائل من التراكمات المختزنة، اختصرت الطريق:

- مُطلّقة ومُطلّقة من كل قيد أو شرط.
- وأنت؟
((سبحان الله، هل هو توقيت إلهي؟!)) فقد اجتمعنا بعدما تهيأت أسباب الوصال.
- أنا أيضاً مُطّلق ومُطلّق من كل قيد أو شرط.


دعاني على العشاء في إحدى مطاعم لندن العربية:
- هذا هو مطعمي المفضل.

قال لي وهو يمسح بعينيه حيطانه المزدانة بصور شجر الأرز ومعالم لبنان الأثرية.
- لبناني ومنحاز إلى....
- بل لأن الطعام اللبناني هو الخيار الأفضل لكل الأقوام.
كان محرجاً في الحديث أمام ابنته الصغيرة ومع ذلك استغرقتنا التفاصيل المفسرة للأجزاء الغامضة من فصول حياتنا.


خرجت من صحراء حياتي القاحلة ودخلت إلى واحته الغناء، الطعم العشبي لكلماته أدرك ظمأي العميق، نصحني أن أطوّر نفسي وأواصل مشوار تعليمي الذي انقطع بزواجي المفاجئ وأنا صغيرة، فقد عرف زوجي السابق كيف يوظف دماغي في سياق فكره المتحجر ويكرّس سذاجتي حتى يُسلب إرادتي، لم يدخر لكهولتي رصيداً من الأمن أو بعضاً من المال أستثمره في مشروع خاص كي لا أطير وأعلو فأخترق سقف الزنزانة بل أظل أسيرة زوج سجّان، وعلى نقيضه ظل موسى يرمم ثقتي المهزوزة بنفسي ويعزز الإيجابية في كل مفاهيمي ومعتقداتي حتى آمنت تماماً أني قوية، جذابة، ذكية، امرأة معطاء، تلاشت كل مسببات ضعفي برعايته الجمة وتهيأت لأن أكون له شريكة حياة ورديفة لرجل متميز.

بعد الاستشكاف العميق لخبايانا طلبني زوجة لكني ترددت في قبول العرض أمام واقع يحتم عليّ أن أضعه في صميم قراري، أولادي، الناس، المجتمع القاسي حينما يحكم على المطلقة بالإعدام.
يغضب لصمتي وأنا غارقة في التفكير معتقداً أني في حبه باردة وسلبية (كوني شجاعة وقرري يا رباب).

استشرت صديقتي المقربة فحرضتني على الزواج لأن الوحدة تفتك بالمرأة العزلاء التي لا تملك أسلحة الأمان المعروفة زوج محب وصبا مفعم يزرع فيها الأمل وحفنة من المال تكشف كربة اليوم الأسود.
مازلنا نتجاذب مصير علاقتنا على ضفاف الحيرة واللوعة:
- كيف أعيش في لندن وأترك بيتي وأولادي.
ولبثنا نفكر معاً في صوت عال كي نحسم الأمر المعلّق ونبحث عن مخرج لأزمة حبنا الكبير.
صمت طويلاً وهو يحدق في السماء الغائمة ثم انبرى يقول وقد فاضت دموعه:
- قضيت معكِ أياماً كالشهد المصفّى، أحسست فيها أني أتمرغ فوق تراب الجنة وأنهل من رحيق الفردوس.
ندت عنه آهة، ثم تابع:
- أخشى أن يطول غيابك يوماً فأظل أسير الأطلال.
رفعت رأسي المطرق وغرست في عينيه الباكيتين نظرة حنان:
- لنرضى بحل وسط.
انتبه وكأني انتشلته من هوة عميقة:
- اسعفيني به:
- نتزوج سراً، على أن أتردد عليك في لندن كلما سنحت لي الظروف.

وعدت هذه المرة مثمرة الأغصان، محملة بفاكهة الجنة، تلمع عيناي ببريق الحب ودفق الصبا السيال ينهمر فوق وجهي فينضح بالبشر.
ملاحظة ابنتي حنان جاءت في الصميم:
- تبدين باشة ونضرة يا أمي.

تتطفل علي دوماً لتكشف سري بيد أنها تخفق أمام توريتي الدقيقة وحياطتي الذكية، ومبررات سفري المقنعة لأولادي جاهزة في كل وقت ولهذا احتويت الموقف وتكيفت على الوضع المستجد فترة من الزمن لكن الشوق المتقد في صدري يفقدني التوازن ويؤزم نفسي الولهى فأحتد معه في الهاتف جزعة فيطالبني بلقاء عاجل، أطير إليه كفراشة عشق مجنونة تتخبط ملتاعة حتى تسقط فوق الزهرة صريعة فيلملمني بحنانه ويلفني بشرنقة الأمان وأشرب رحيق الجنة من نبعه المدرار..


سنوات ثلاث رسمت لوحة عشقي أنهاراً وجبالاً، أشجاراً وأزهاراً، أتذكر نهارات لندن الدافئة وأمسياتها الضبابية وطرقاتها الباردة وندف الثلج فوق غصون الأشجار، أجلس معه قرب الموقد نرتشف الشاي المعطر ونطل عبر النافذة إلى الفضاء الغائم في انعتاق وهيام ثم نخط أحرف اسمينا على زجاجها الندي، تتلامس أصابعنا الباردة نضحك بسذاجة طفلين شقيين، يشتد إليه ميلي ويعنف كلما انطوى يوم وانصرم شهر، أنام رغدة بعيدة عن يد الدهر الخؤون، فما نزفته من مرار قد تعوض شهداً في ختام العمر، لكن هاتفها المفاجئ ليلاً حطم حلمي وهوى بسعادتي في درك الجحيم.

صوتها اخترقني كجرس إنذار:
- ألا تخجلي.. تطاردين رجل متزوج؟
تلعثمت، ظننته كابوس، حاولت أن أستحضر وعيي المتهدم:
- عفواً من المتحدث؟
- زوجة موسى المغفلة!
انعقد لساني، تركتها تعربد بكلماتها السوقية وشتائمها المنحطة حتى انقطع الصوت، ولم أنتبه إلا على حقيقة مرّة وصفعة أيقظتني من الوهم.
- آسف لأني أخفيت الأمر عنكِ لئلا هجرتيني.
هكذا برر موسى..
استدرجني بحباله الناعمة حتى أوقعني في فخ الحب، عشت معه علاقة ملغومة، أغضب كلما تذكرت كذبه لعلي كنت نزوة مبررة بالشرع، هكذا أحسست.
حتى كان قراري الأخير..
انفصلنا وعدت قتيلة أنتظر النعش لأُقبر.

خولة القزويني

المصدر
http://www.khawlaalqazwini.com/Excit...l.aspx?aid=113

 

 

 توقيع ناقد :
صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .
صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .





والله الموفق
ناقد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08-01-2016, 02:17 AM   رقم المشاركة : 2
همس الكلام
مشرف سابق
 
الصورة الرمزية همس الكلام
 







افتراضي رد: صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .

لقد سبحتُ بقراءتي في القصة ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أقف على
شاطئ نهايتها ، لقد انسجمتُ كثيراً مع أحداث القصة واسترسلتُ
في قراءتها مستمتعاً ومتلذذاً بأحداثها .
لم استغرب حين عرفت أن القصة مذيلة باسم قصصي وروائي كبير
له ثقله في مجال السرد ، فالأستاذة خولة القزويني اسم لامع وبارع
في هذا المجال .
ألف شكر لك ناقد لهذه القصة الجميلة الإبداعية .

 

 

 توقيع همس الكلام :
همس الكلام غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-01-2016, 07:36 AM   رقم المشاركة : 3
ناقد
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية ناقد
 







افتراضي رد: صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .

اهلا بالأخ العزيز .. همس الكلام .

بلا شك ، الاستاذه السيده خولة القزويني .. لها باع في القصص و الروايات .. وقد شهدت روايتها ( رجل تكتبه الشمس ) جدلاً في الساحة حين صدورها .

تعالج القضايا الاجتماعية و بالاخص الزوجية بطريقة سلسة و جاذبة للقراء .

شرفني مرورك

 

 

 توقيع ناقد :
صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .
صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .





والله الموفق
ناقد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-01-2016, 10:06 AM   رقم المشاركة : 4
بو علي
طرفاوي طمـوح
 
الصورة الرمزية بو علي
 







افتراضي رد: صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .

الاخ ناقد .

أحسنت على هذا النقل الجميل حقا انها قصة جميلة ورائعة
ومفيدة وفيها الكثير من الحكم في إنتظار جديدك .

تقبلوا مني جميعا خالص تحيااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااااتي .

أ خ و ك م أب و ع ل ي .

 

 

 توقيع بو علي :

لاتأمن الأحمق والسيف بيده .
الشكر والتقدير والتحية والعرفان موصول للأخت طيف العمر لأهدائها لي التوقيع الجديد .
نوروا قلوبكم ومنتداكم بالصلاة على محمد وآله .
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد وآل محمد .
أدركنا يامهدينا لقد طال الانتظار !! متى الفرج يابن الحسن . ؟؟؟
بو علي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-01-2016, 02:47 PM   رقم المشاركة : 5
ناقد
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية ناقد
 







افتراضي رد: صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .

حياك الإله اخي ابو علي ..

كما نعلم بأن للقصص عبرة .

شرفني مرورك

 

 

 توقيع ناقد :
صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .
صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .





والله الموفق
ناقد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 11-01-2016, 06:01 PM   رقم المشاركة : 6
قلب الحنين
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية قلب الحنين
 






افتراضي رد: صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .



ناقد
أحسنت بارك الله فيك
على هذة القصه المفيدة
التي أحنوت على الكثر من الحكم
الجميله والتي نالت على أعجابي كثيرأ
وفقك الله لكل خير دائما


قلب الحنين

 

 

 توقيع قلب الحنين :
قلب الحنين غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 14-01-2016, 07:55 AM   رقم المشاركة : 7
ناقد
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية ناقد
 







افتراضي رد: صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .

اهلا اختي ، قلب الحنين ،

السيدة خولة مبدعة في هذا الجانب ، و لها عدة روايات و قصص قصيرة ، أنا شخصياً أنصح بقرائتها .

 

 

 توقيع ناقد :
صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .
صـحـوة أنثـى .. قصة قصيرة .





والله الموفق
ناقد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 10:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد