العودة   منتديات الطرف > الواحات الأدبية > ~//| مطويات القصص والروايات |\\~




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 01-02-2016, 10:24 AM   رقم المشاركة : 1
ناقد
طرفاوي نشيط جداً
 
الصورة الرمزية ناقد
 







افتراضي رسالة من الله

رسالة من الله

همسة: من يثق بالله فهو حسبه

كم بقى له من أيام في هذه الدنيا؟ شهر؟ شهران؟ المدة قصيرة جداً ومحدودة، المهم أنه بانتظار الأجل، فليفكر الآن بمظالم العباد، بحقوق الناس، بعباداته، انقضى عمره وهو حبيس المشفى.
أقفل دفتر المذكرات الذي لازمه منذ فترة فور أن دخلت الممرضة..
"سيد حسام فلأفحص الحرارة والضغط".
قال ولسانه يقطر مرارة
"أنا جثة هامدة لا حرارة فيها ولا دم".
استنكرت
"أعوذ بالله، ضع ثقتك به سبحانه فهو مقدر الأعمار".
"وهل تعتقدين أن مصاباً بالسرطان مثلي له أمل في الحياة".
"لو كان عندك إرادة لهزمت الموت".
خرجت الممرضة وهي تدعوه قائلة
"يمكنك الآن أن تخرج إلى الحديقة لتتمشى".
"حسنٌ سأفعل".
تلفع حسام بالروب دي شامبر وهو يتحاشى النظر في المرآة فقد تجرد رأسه من الشعر ونحل جسده حتى تقلص إلى نصف حجمه، قطع ردهات المشفى الموغلة في العتمة حتى أدرك الباب الخارجي الذي يفضي إلى الحديقة.
كان الطقس مشمساً والنهار مبهجاً تنبعث أصداء الحياة في كل ركن وزاوية، العشب الأخضر المتناسق في المساحات الممتدة، الزهور النضرة تفترش الأصص الحجرية، احتشد المرضى حول المناضد الخشبية في مجاميع صغيرة، جلس حسام قريباً من ثلة نساء قد انغمرن في حديث خاص، ربما شعر بحاجة إلى هذا النوع من الثرثرة لإنعاش مزاجه.
اختلس إليهن النظر محدثاً نفسه:
لا أعتقد أنهن مرشحات للموت فعلامات الحياة بادية عليهن فهذه تحدق في المرآة مبتسمة وتلك منشرحة الأسارير، انبسطن في أريحية وكأنما يحلقن في دنيا أخرى، لمح في وجوههن الشاحبة ألقاً نورانياً مريحاً وعندما فطنت إحداهن إلى تطفله أشارت إليهن أن يصمتن لكنه اعتذر من فوره
"آسف على إزعاجكن سأغادر المكان".
تجول في الحديقة مستأنساً بألوان الزهور اليانعة بيد أنه تعب بشدة فاتكأ على جذع شجرة وارفة الظلال وأطلق العنان لذاكرته من قبل أن يدخل المشفى حيث ألق شبابه، وحيوية جسده، كان هاوياً لركوب الخيل وسباق السيارات ورث عن أبيه مالاً لا يُحصى عدده ولا يقاس حجمه من خير وفير، نهم من دنياه ما لذ وطاب شرهت نفسه إلى التدخين فأدمنه وتراخى في صحته حتى داهمه سعال مزمن اضطره إلى معايدة الطبيب والذي فاجأه بالطامة حيث تبين في المعاينة استفحال السرطان في رئتيه.
تنهد بحرقة وهو يرمق الأفق بطرف حزين وتذكر وقتها أن الطبيب احتجزه في المشفى منذ شهور لعل في استبقائه يحتوي الداء.
استحضر قامته الفخمة وشبابه الأزهر وقد افترسه الوحش السرطاني فنهش لحمه وبدد طاقته فإذا به شبح مرعب وجسد منخور وعينان منطفئتان ترنوان في المجهول بإنكسار، وأمه الملتاعة حينما أذهلتها الحقيقة المرة طافت حول قبور الأولياء تنحر القرابين نذوراً لله لعله سبحانه يمن عليه بمعجزة الشفاء وشقيقه الأكبر الذي لم يفق بعد من أثر الصدمة، القصر الشاهق المزدان في الأنوار حينما يفترش الليل أجنحته على الدور الساكنة... انطفأ بعد أن غادره حسام بمرحه وظرفه بقفشاته الصبيانية حينما يلاطف أمه وأخاه ومائدة الطعام يوم أن كانت تغرد بصباه تصمت في كآبة ووحشة، أمه التي نحل عودها تفترش سجادة الصلاة متضرعة لعل الله يبعث في جسد ابنها الروح، لو أنها تهب له عمرها، حياتها، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
فهل خطر بباله يوماً أن الأقدار ستركنه في العتمة وتهمشه حتى النسيان، قد هجره الأصدقاء ممن تزلفوا إليه طمعاً في ماله ونعيمه، لِمَ لا يستعد الإنسان لطوارئ الزمن لقدر قد يباغته بمرض أو حادث سوء، لِما هذه الغفلة وكأن الحياة أبدية لا نهاية لها ولا ختام، والأجل قاطع الطريق يداهم الإنسان في وقت انتشائه برحيقها العذب، هل توقع حسام أن شبابه سيُدفن وحيويته ستُقهر ليتمهل في شراهته للدنيا، لو أنه تعبأ بالإيمان، واستعد واثقاً بالله لهزم ضعفه وتوكل على ربه واستعذب المحنة بصبر وعزم بيد أنه يأس واستغرق في المرض بانتظار الموت...
انحدرت الشمس في المغيب فأخذ المرضى ينسحبون إلى الداخل وعندما عاد حسام إلى حجرته، أقبلت عليه الممرضة تستأذنه "الدكتورة حورية ستعاينك بعد قليل".
انتهز الفرصة فشرع يوثق في مذكراته ما يؤنسه في وحدته ولكنه دس الدفتر تحت الوسادة عندما دخلت شابه عشرينية حجرته، قدمت نفسها بثقة
"الدكتورة حورية المتدربة الجديدة في هذا الجناح"
سُر بطلتها الباشة
"أهلاً وسهلاً"
لم تكن الدكتورة حورية ذات نمط تقليدي فقد جلست تسامره بشفافية وانسجام فاستأنس بحديثها العذب، قالت مشيرة بأصبعها إلى فوق
"أنظر دائماً إلى الأعلى".
أبصر حسام مستفهماً
فأردفت
"عندما نتحلى بهمة عالية نرى الأشياء حولنا بحجمها الصغير، فلا تدع عيناك شاخصتان في مدارات الحياة المحدودة لأنك ستغرق في التفكير السلبي وتظن أن الموت سيبلعك".
- أنت فيلسوفه لا طبيبة
"لا فرق بينهما"
"كيف؟"
"الطبيب يهب الحياة لجسدك، والفلسفة تكشف لك الطريق الإيجابي في التفكير".
"لكن الحياة بيد الخالق"
"نعم لكن الله خلق داخلك عملاقاً يهزم المستحيل".
وأطرقت هنيهة ثم استطرت بعد تفكير
"في الجامعة درسني أستاذ قدير كان مصاباً بسرطان القولون وكان ميئوساً من شفائه لكنه استطاع أن يهزم المرض بإيحاء من ذاته القوية وإرادته الصلبة.
دهش حسام
"وعاش طوال هذه السنين؟"
"نعم"
تبرعم الأمل في روحه الجدباء وطفق يفكر مستبشراً بالغد الآتِ بينما مضت حورية في حديثها
"المهم أن تغذي عقلك الباطن باستمرار من أنك ستشفى وستخرج من المشفى عاجلاً وتمارس حياتك بشكل طبيعي".
ثم خرجت مبتسمة بعد أن ألقت من سنا روحها فيوضات الحياة حوله.
والتفت بعد رحيلها إلى حجرته وقد تحولت مكوناتها المادية إلى كائنات حية تتنفس وتفيض بالحياة، التقط الدفتر المدفون تحت الوسادة وشرع يكتب بقلم باسم "هل يمكن أن يولد الأمل من رحم الشقاء؟ هكذا حدثتني حورية الجنة التي أرسلها الله عز وجل إلي لتبشرني بالحياة وقدمت لي البراهين والإعجاز الإلهي فلما تنحدرين يا روحي إلى العدم؟!
وتجاهل حسام الزمن والتاريخ المشؤوم وتذكر أن لله قدرة وجبروت فقد أحيا سبحانه العظام وهي رميم، قلب عصا موسى إلى ثعبان جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم فهل يعجز عن شفاء مريض بائس مثله؟!
لازال يقرأ في المصحف الكريم الذي أهدته إليه حورية فاستأنس بكلمات الله النورانية ووعوده ووعيده وحكمه ومواعظه فكان يتدبر في مضامينها الهادفة التي سرت في شرايينه كالدم فشفته من ألم اليأس الذي نخر في روحه فأرداها ميتة فرضى بقدره واستسلم لأمر الله خاضعاً، طاف شهر، شهران وهو منكب على القرآن حتى انطوت سنة كاملة وهو منكفئ في محراب الوحدة يعرج بروحه نحو مدارج لا محدودة فأفاق ذات صباح على صوت أمه وأخاه وقد سقطا على رأسه تقبيلاً والفرحة تختلج في صوتيهما "لقد تعافيت يا حسام فالطبيب أذن لك بالخروج".
ورفعت الأم كفيها إلى السماء داعية "الحمد لله أن استجاب ربي دعائي وحقق نذري".
أعد حقيبته بينما ذهب أخوه ليجهز أوراق الخروج من المشفى وخرج في الردهات يبحث عن الدكتورة حورية فعلم أنها تركت المشفى منذ فترة ولا أحد يعلم إلى أين انتهى بها المطاف...
استوقفته هذه المحطة العارضة في حياته متأملاً فأيقن أنها رسالة من الله.


خولة القزويني
http://www.khawlaalqazwini.com/Excit...il.aspx?aid=61



 

 

 توقيع ناقد :
رسالة من الله
رسالة من الله





والله الموفق
ناقد غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 09:16 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد