العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 16-05-2017, 06:12 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي في وداع عاشق التراث (الأستاذ إبراهيم الذرمان) - حسن الربيح

في وداع عاشق التراث؛ الأستاذ إبراهيم الذرمان - رحمه الله -
حسن الربيح

.
.
تِلكَ آثارُنا تَدِلُّ عَلينا
فانظُروا بعدَنا إِلى الآثارِ



يموتُ المرءُ، ولا تموتُ أحلامُهُ، لأَنَّ الأَحلامَ لها قابليَّة الانتقالِ، والتَّحوُّلِ من زمنٍ إلى زمنٍ آخر.
للحلم في قصَّة المبدعين والمفتونين طريقٌ لا ينتهي حتى وإنْ نالوا مرادَهم لا يتوقفون لأَنَّ ظمأً يسكن روحَهم لا تفسير له ولا تبرير.
قد يسمُّون أنفسَهم هُواةً تواضعًا أو تضليلًا خوفًا من العَين، ولكنَّهم غُواةٌ شَيطانُهم الفَنُّ لا يهمُّ إِنْ كان ذَكرًا أو أُنثى، وجِنِّيُّهم الوَهمُ يتبعونَه ولا يُتبَعون.
واحدهم ليس واحدًا، وجماعتهم ليست جماعةً، يؤمنون ولا يؤمنون، ويُخطِئُون ولا يُخطِئُون، ذلك لأنَّ إيمانَهم يتمخَّض في الدَّاخل، وخطأَهم لم يُفهَم بعدُ.
يتولَّع المرء فتتجلَّى الأشياء من حوله، فيتهجَّى حروفًا لا صورةَ لها، ويقرأُ سِفرًا لا أَوراق فيه، حينها يكتشف أنَّ المعرفة خارجُ كلِّ ما هو مُسوَّر ومُحدَّد.
نشتري الأشياء لنستخدمها في شؤوننا المتعددة، في الطَّبخِ والغَسلِ والكَنسِ واللِّبسِ والزِّراعة والرَّي، والصِّناعة واللَّي، والتَّداوي والكَيِّ، والبناء والهدم، والكتابة والقراءة، والضِّيافة والوجاهة، والتعبُّد واللَّهو والفنِّ، والإقامة والسَّفر، والبداوة والحضر، والحربِ والصُّلح إلى ما هنالك من الأدوات والقطع والمنجزات التي تزداد بازدياد حاجاتنا، ثم ما نلبث بعد مدَّة إلا ونتخلَّص منها فنرميها ضمن ما نرمي من المخلفات، فهي منتهية الصلاحيَّة والحاجة على حدِّ تعبيرنا وتبريرنا.
لكنَّ من بين ملايين البشر عددًا قليلًا جدًّا ليس في قاموسهم (انتهاء الصلاحيَّة)، فهم يدركون قيمة هذه الأشياء إلى درجة أنهم يشعرون بما في باطنها من فرح وحزن، وشوق وتعب، يفهمونها جيِّدًا فيقولون: إنَّها أممٌ أمثالكم أيها المتخلَّون عنها، وبتعبير أدقَّ: إنَّها تختزل في داخلها حضارةً إنسانيَّةً، تلك هي الرُّؤية العميقة للأشياء والمنجزات.
من هنا جاء احتفاؤنا بأبي هشام - رحمه الله- من قبلُ ومن بعدُ، هو رجل عَشِقَ فهامَ واهتدى إلى النَّبعِ مُتخلِّصًا من إِسار الزَّمن، بعد أن سكب عمره على تلك الأبواب القديمة والنوافذ العتيقة والدِّلال المَهجورة، والجِرار العطشى، والحُصُر المُهترئة، واللُّعب المهملة، والأسرة الغافية في الزمن الجميل، وكل تحفةٍ غابرة، كل هذه الأشياء أخرجها من الظلمات إلى النور، ومن النسيان إلى الذكرى، لم يكن ضنينًا حينما كنز هذه الأزمنة، بل كان سخيًّا إلى درجة (فليتقِ الله سائله)، لقد أدرك ببصيرته أن هذه الأشياء ليست تحفًا أثرية جامدة، وإنما هي كنوز لا تقدر بثمن لأنها تنمو مع مرور الزمن، لذلك لم يفرِّط بها ومع ذلك الحرص فمُتحفه مشرعٌ للجميع على حد تعبيره، فأشياء الجميع تحتلُّ الجزء الأكبر من بيته في صون من عبث العابثين، فكان لزامًا عليه أن يرحِّب بالجميع من دون تصنيف أو تخريف.
أدلف إلى مُتحفه فتنتابني رعشة وأنا أستقبل مهابة الماضي، ووقار الأزمنة، أتأمل تلك العملة التي تدعى (طُويلة) فأرى يدًا تشتري بها قوتًا للأولاد، ويدًا ثانية تتصدَّق بها، وثالثة تشتري بها جهازًا للعروس، ورابعة تتسلَّفها، وخامسة وعاشرة، و(الطويلة) قابعة الآن بصمت في ذلك الركن.
يفتح لنا غرفة الزواج (....) بسريرها العالي وألوانها الزاهية فأتخيَّل كل اللحظات الخجولة ليلة الدخلة، والروائح الخنينة، والضحكات الغارقة والغفوات الهانئة.
نطوف على بقية الأشياء ولا يكفي فكل ركنٍ يحتاج إلى وقفة أطول، وكلُّ صورةٍ تحتاج إلى عين أخرى لا تشبه العينين.
هكذا كان كريمًا بشوشًا واسعَ الصَّدر رَطِبَ الكلمات طيِّبَ الحديث.. فرحمك الله يا أبا هشام أيها الحاضر في قلب كل أحسائي حتى وإن لم يعلم، والباقي في مجرى الزمان حتى وإن لم يشعر بك أحد.


جلسة جمادى الأولى
الجمعة
28/ 5 / 1437هـ

 

 


التعديل الأخير تم بواسطة منتدى السهلة الأدبي ; 16-05-2017 الساعة 06:58 PM.
منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 11:50 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد