العودة   منتديات الطرف > الواحات الاجتماعية > واحة النقاش والحوار الجاد




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 02-08-2016, 02:17 AM   رقم المشاركة : 1
ابن الطرف
مشرف النقاش والحوار الجاد
والقصص والروايات







افتراضي الدين والعنصرية ..!

بسم الله الرحمن والرحيم

الدين والعنصرية

الدين والعنصرية ..!



نسمع كثيراً بمصطلح العصرنة على كافّة المستويات، وبخاصّة في الميدان الديني، لجهة موافقته لمتطلبات العصر، واستجابته للقراءات المعاصرة التي تنسجم مع مجريات حداثة الإنسان المعاصر، ومستوى أفقه ووعيه.
ولقد خاض المفكّرون والعلماء في البحث عن مفهوم الدّين والعصرنة، وأدلوا بدلوهم في هذا المضمار، فمنهم من اعتبر أنّ العصرنة مصطلح ومفهوم موجود في العهود التاريخية السابقة، ومعروف لدى الشعوب في كلّ مراحل التاريخ، وذلك يعود إلى تجدد الحياة وتغيرها جراء تجدد فهم الإنسان وتغير أدوات فهمه وإنتاجه المعرفي والعلمي، فالعصرنة في زمن ما مع تقدّم الزمن تصبح بالية، لتحلّ محلّها عصرنة جديدة، وهكذا عبر مسيرة الزمن.
في هذا التّحقيق، نسلّط الضوء ولو يسيراً على موضوع الدّين والعصرنة، ونعرض لآراء بعض المفكّرين والعلماء حول ذلك.
وقبل ذلك، نعرج على تعريف كلّ من الدّين والعصرنة زيادةً في التوضيح.

تعريف الدّين والعصرنة

الدّين لغةً يعني الانقياد والطّاعة، وفي المعنى الاصطلاحيّ العامّ، هو ما يعتنقه الإنسان ويعتقده ويدين به من أمور الغيب والشَّهادة.
أمّا العصرنة، فتعني الحداثة، أو تجديد ما هو قديم في المجالات الثقافيّة والفكريّة والعلميّة، والاستجابة لما تفرضه الاكتشافات المعاصرة على مستوى الفهم والاستيعاب والتفاعل، وعادةً ما يستعمل هذا المصطلح للدّلالة على مرحلة التطوّر التي طبعت أوروبّا بشكل خاصّ في العصور الحديثة، إذ بات من المعتاد أن يتمّ تعريف العصرنة غالباً وفق أسس ومفاهيم نظريّة، تجعل من الأنموذج الحضاريّ الغربي الأوروبي وإنجازاته المدنيّة معياراً، ومردّ ذلك إلى أنّ الحضارة الغربية امتلكت زمام المبادرة منذ عصر النهضة في قيادتها للركب الحضاريّ، وترؤّسها للمدنيّة في عالمنا الحديث.
نعرض هنا لبعض آراء الباحثين والعلماء بما يتعلّق بالعصرنة، والقابليّات النفسية والإنسانية المستجيبة لها، وخلفيات هذه العصرنة ودلالاتها وتأثيراتها من وجهة نظر هؤلاء.

مع آراء الباحثين

نبدأ مع باحثين يعتبرون أنّ الذات العربية الإسلامية غير قادرة على الاستجابة لتأثيرات الحداثة والعصرنة، إذ إنّ متطلّبات العصرنة نفسها وتداعياتها، بنظرهم، تخلّف حالةً من القلق والخوف لدى الذّات العربية والإسلامية على توازنها ووجودها وانتمائها إلى حقلها الثقافي والحضاري الذي يمنحها الاطمئنان والاستقرار والاستمرارية.
الباحث الدّكتور علي زيعور، في كلامٍ له حول ذلك يقول: "حفاظاً على الصحَّة النّفسيَّة والعقليَّة، لا يجوز للعربيّ أن يتخلَّى عن تراثه وينسلخ من ثقافته، بل إنَّه لا يقدر على ذلك، إذ بذلك يستأصل جذوره وينفصل عن حقله التاريخي، حتى التّشكيك بقيمة الموروث الحضاري عملية تزعزع الثقة بالنفس، لأنها تخلّ بالتّوازن بين الأنا وحقلها الحضاريّ الّذي يعطي الإنسان عمقاً وقيمة وشعوراً بالانتماء، ومن ثمة، بالأمن والاطمئنان، أي بالقدرة على الاستمرار والتكيّف".
ومن الباحثين من يعتبر العصرنة أو التحديث شيئاً إيجابيّاً، ولا يضادّ ما نحمل من تراث ديني وغيره، بل يرى أنّ المشكلة في النّاس، فمنهم من يلتزمون بعدم التحديث والعصرنة بحجّة تمسّكهم بالتراث الذي يمنحهم الاستقرار ويبعدهم عن القلق والمعاناة، وفي الوقت عينه، يرون أنّ التراث ليس متصالحاً بمجمله مع نفسه، ويحتاج إلى مراجعة وتجديد في القراءة والفهم، وهنا يطرح الباحثون تساؤلاً مفاده: أين معنى الحريّة والمسوؤليّة واستقلاليّة الذّات في كلّ ذلك؟!
علماء مسلمون يعتبرون أنّه لا بدّ من ضبط مدلول مصطلح العصرنة ومعناه، لأنه متذبذب، وهو بين المحمود والمرفوض، فالمحمود منه ما يساعد على زيادة نسبة الوعي، وفتح آفاق الفهم للنّصوص الدينيّة بما يتوافق مع أساسياتها، بينما المرفوض هو الدّور التّخريبي للعصرنة بمعناها المادّيّ الذي يضرب المنظومة الروحيّة والأخلاقيّة للناس، ويحاول هذا الدور أيضاً تطويع الدين لانحرافات العصر وإغراءاته المادية الضاغطة.
كما ويعتبر هؤلاء أنّ العصرنة بمعناها السلبيّ، دعمها المستعمرون الغربيّون، وأكمل دورهم المستشرقون.

من جانبه، يوضح سماحة السيّد جعفر فضل الله، وهو عالم دين وباحث أكاديمي، أنّه "إذا كان المقصود من العصرنة أن يواكب الدين العصر، فيعمل على جعل الدين قريباً من ذهنية الإنسان المعاصر وفهمه، معالجاً لمشاكل الإنسان المعاصر، فهذا الأمر يدخل في صلب مواكبة الدّين للحياة، ومن دون ذلك، سنجعل الدين خارج دائرة الزمن وحركة الإنسان وحاجاته وتطلّعاته، وهذا ما يدفع عادةً إلى فقدان الثقة بالدّين نفسه، ولو شيئاً فشيئاً".
ويتابع: "في كلّ الأحوال، هذا الأمر يحتاج إلى إبقاء باب الاجتهاد مفتوحاً، ويتطلّب صون الحركة العلمية النقدية، وفتح باب التلاقح العلمي بين مختلف مجالات العلوم، وعدم وضع حدود مصطنعة فيما بينها، فمن الممكن أن تساهم التجربة الإنسانيّة العلمية المتطوّرة في رفد الفكر الديني بمعطيات لم تكن متوفرّة في أزمنة ماضيه، وهذه المعطيات في إمكانها أن تشكّل أساساً لفهم جديد للنصوص لم تكن تحتمله عقول الماضين، بل نحن نعتقد أنَّ البيان القرآني تمَّ صوغه بطريقة متحركة في فهم الإنسان له، انطلاقاً من قاعدة أنَّ النّصر ثابت، وهو يشكِّل محفِّزاً وقائداً لتفكير الإنسان في وجهة تؤمِّن له الانتفاح والتجديد في الفهم.
أمّا إذا كان المقصود بالعصرنة إخضاع الدّين لما يسود في العصر من أفكارٍ واتجاهاتٍ ورؤى، فهذا في حقيقته إخضاع للدّين لفكر الآخرين الذين أنتجوه ضمن سياقات قد لا تنسجم مع سياقات الفكر الديني وقواعده، فضلاً عن كون كثير من الأفكار الّتي ينتجها الآخرون هي متغيّرة تبعاً لطبيعة البحث والنّقد وحركة العلم المتطوّرة، فلماذا يتحتّم على الدّينيّين أن يذعنوا لما هو متغيّر، ولا تكون لهم حركة ذاتيّة للمساهمة في هذا التّغير وهذا التّطوّر؟!
وختم قائلاً: "إنّ المشكلة التي نواجهها، هي أنّ هناك حالة من السّقوط الحضاريّ الّذي مني به المسلمون على امتداد عقود، بل قرون، في ظلّ تفوّق تقني وعلمي في الحضارة الغربيّة، وكذلك تفوّق إداريّ وأمنيّ فرض سطوته على مساحات واسعة من الوجود الإنساني في العالم، هذا وإن لم يكن قضاءً وقدراً ثابتاً، إلا أنّه سيلقي بظلاله على ثقافات الشعوب الأخرى، ولا سيّما في ظلّ العولمة التي فتحت الحدود أمام الشّركات والسياسات والثقافات بشكلٍ غير متكافئ بين الشعوب، والله العالم وهو حسبنا ونعم الوكيل".

وجهة نظر مسيحيّة

أمّا من وجهة نظر الديانة المسيحيّة الكاثوليكيّة التقليديّة، فإنّ العصرنة تعتبر خطراً داهماً على المجتمع يجب مواجهتها، فقد نشر البابا القدّيس بولس العاشر رسالته ضدّ لاهوت العصرنة العام 1907 م معتبراً إيّاها خلاصة لكلّ الهرطقات المرتكزة على قواعد فلسفيّة حديثة خاطئة تهاجم الكنيسة والعقيدة المسيحيّة، وخلص إلى أنّ تيّار العصرنة يقود إلى الحلوليّة والإلحاد، ويقف عائقاً أمام التّبشير الكنسي.
ولكن هناك من لا يتَّخذ موقفاً حادّاً من العصرنة، ويعتبر أنَّ المشكلة الأساسيّة هي في الأيديلوجيا اللادينيّة التي تصاحب كثيراً الحياة المعاصرة. فنعم للعصرنة إذا فهمت على أساس سليم، وكلا لأيّ عصرنة تسلبنا قيمنا الروحيّة والأخلاقيّة، وتجرّنا إلى الإلحاد. ويشير الباحث رازق سرياني من المطرانية الأرثوذكسية، إلى أنَّ الخطاب الدّينيّ لا بدَّ له من الانفتاح على الثقافة العالميّة، وألا يخاف منها، بل أن يتفاعل معها لإنتاج خطابٍ دينيّ متجدّد، بعيداً عن الفراغ والتكرار والجمود.

خلاصة..

إذاً، إذا ساهمت العصرنة في رفد الإنسان بمعطياتٍ وآفاقٍ جديدة لتطويره على مستوى فهم التراث وتجديد مقاربته دون العبث بقواعده، فهي مقبولة ومطلوبة، أمّا إذا كانت وسيلة لتطويع الدّين وتوظيفه لحسابات ماديّة وسطحيّة ضيّقة، فهي غير مقبولة.




المقال للأستاذ : محمد عبدالله فضل الله

 

 

ابن الطرف غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 07:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد