العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 04-07-2011, 10:33 PM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

أقام منتدى السهلة الأدبي أمسية قصصية للكاتب الصحفي/ جاسم علي الجاسم (أبي فيصل).
بدأت الجلسة بتقديم ورقة مختصرة عن فن القصة القصيرة وتاريخها، قام بإعدادها:
حسن مبارك الربيح
ثم بعد ذلك تم قراءة مجموعة قصصية مختارة من قبل أبي فيصل، تنوعت في الشكل والمضمون والمعالجة.
وقد أعقب قراءة النصوص القصصية قراءة نقدية جاءت كالتالي:
1- أحمد مبارك الربيح
2- جابر عبدالله الخلف
3- القاص عبدالله الوصالي (نائب رئيس نادي الشرقية الأدبي)، والذي حلَّ ضيف شرف على المنتدى للاستفادة من خبرته القصصية.
كما أنه فُتح المجال للمداخلات في نهاية الجلسة، امتزجت هذه المداخلات بالإعجاب والنقد.
وعقدت الجلسة مساء الأربعاء (ليلة الخميس) 27/7/1432هـ، وتأخرت بداية الأمسية عن الوقت المحدد لها وذلك لتزامنها مع قرب الزواجات، إلا أن الحضور غطَّى المكان إلى حد ما،
وأضاف القاص حسين العلي حضوراً نوعياً على الجلسة.
كان المكان مزرعة طاهر الجاسم (نتقدم بكل الشكر لأبي عبدالباري على استضافته الأمسية).


الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
جانب من الحضور




الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
جانب آخر من الحضور



وفيما يلي تفاصيل الأمسية ...


>>>

>>

>

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 04-07-2011, 11:11 PM   رقم المشاركة : 2
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه .. وبعد
في هذا المساء الجميل وبين أحضان النخيل يعقد المنتدى جلسة ليست ككل الجلسات ففي العهود الأولى
للمنتدى نتذكر الأمسية القصصية التي عقدت للأديب خليل الفزيع، لتأتي الأمسية الثانية في نهاية العقد الثاني من المنتدى
لنعود إلى جماليات السرد وفتنة القص تلك التي لا تنتهي .. في هذا المساء نقترب من غرفات أبي فيصل القصصية، ليفتح
لنا الأبواب ويشرع النوافذ لنطل ويطل معنا الضوء ضوء النقد.
وقبل الإطلالة نبقى مع ورقة تقديم أمسية هذه الليلة ...


*

*

ورقة التقديم ...

* حسن مبارك الربيح



القصَّة حينما ندخل في اشتقاقها اللُّغوي نجد مَعنَى التَّتبُّع والتَّقصِّي، فالفعل (قَصَّ أَصلٌ يدلُّ عَلَى تتبُّع الشَّيءِ. مِن ذلك قولهم: اقتصصتُ الأَثرَ، إِذا تتبَّعتَه... والقِصَّة والقَصَص، كلُّ ذلك يُتَتبَّع فيذكر) ابن فارس، معجم مقاييس اللُّغة، ج5، ص 11.
إنَّ المعنَى اللُّغوي يشير إِلى عناصر هامّة في القصَّة، أَلا وهي البداية والخاتمة، وما يكون بينهما من علامات تكشف خطوط النهاية.


كان للعرب في الجاهليَّة اهتمام مبكِّر بهذا النَّوع مِن الأَدب، فقد عدَّ النُّقَّاد كتب الأَمثال كالميداني والزَّمخشـري دليلاً عَلَى معرفة العرب بالكتابة القصصيَّة، حيث تقوم هذه الكتب وما شابهها بتفسير المثل، أَو ذكر مناسبته بأُسلوب هو أَقرب إِلى الأُسلوب القصـصي، وكذلك كتب الأَخبار الأَدبيَّة الَّتي لا تخلو مِن تركيزٍ عَلَى جزء كبير من عناصر القصة في نقلها للأَخبار والحكايات والمواعظ، وعَلَى رأْس هذه الكتب تبرز مؤَلَّفات الجاحظ الَّذي امتاز بأُسلوبٍ فريد في كتابة الأَخبار الَّتي يرويها، حيث يمزج السُّخرية بالموعظة، ونلمس ذلك في «البخلاءِ»، وتشير بعض الرسائل الأدبية إلى تعاطي القصة بشكلها المبسط كـ«رسالة الغفران» لأَبي العلاءِ المعرِّي.

في بداية العصر العبَّاسي يُولي ابن المقفَّع القصَّة اهتمامًا بالغًا بكتاب مستقلٍّ «كليلة ودمنة»، وهو مجموعة قصصيَّة ذات طابع يرتبط بالحكمة والأَخلاق صِيغت عَلَى أَلسنة الحيوان مترجم عن الثَّقافة الهنديَّة، ثمَّ ظهر بعد ذلك فنٌّ جديد هو فنُّ المقامات عَلَى يد بديع الزَّمان الهمذاني، والمقامات قصص قصيرة خياليَّة تحفل بالحركات التَّمثيليَّة، وترتكز معظمها عَلَى عنصر المحاورة. ولا يمكن أَن نتجاوز في هذا الجانب مِن تراثنا قصص «أَلف ليلة وليلة»، والَّتي تمثِّل (ذروة الفنِّ القصصي العربي في القرن 14 الميلادي، وانتقلت إِلى أُوروبا، وتأَثَّر بها عشرات الكتَّاب الَّذين مضوا في تطوير هذا الفنِّ) فؤَاد قنديل، فنُّ كتابة القصَّة، ص 22.

هذه الأَمثلة وغيرها تدلُّ دلالةً واضحة عَلَى ظهور بوادر لكتابة القصَّة عند العرب، غير أَنَّ ذلك لم يطوَّر مع مجيءِ الأَجيال اللَّاحقة، فظلَّ مشتَّتًا لا يحفل باهتمامٍ نقديٍّ كما كان للشِّعر مِن تنظير ونقد، وهذا ما يجعل بعض النُّقَّاد يرفض الرَّأْي القائِل بأَنَّ القصَّة القصيرة نشأَت في الغرب.
فهذا الدُّكتور يوسف الشَّاروني يردُّ عَلَى مَن يقول بأَنَّها غربيَّة النَّشأَة: (فلستُ مِن أَنصار القول: إِنَّ القصَّة القصيرة ولدت في الغرب عندما قدَّم «إِدجار أَلان بو» الأَمريكي أَفضل محاولاتها المبكِّرة في النِّصف الأَوَّل مِنَ القرن التَّاسع عشر، ثمَّ أَرسَى دعائِمها وطوَّرها «دي موباسان» الفرنسي في النِّصف الثَّاني مِن ذلك القرن نفسه... فالقصَّة القصيرة بهذا المَعنَى الغربي ليست إِلَّا مرحلةً مِن مراحل تطوُّرها كما أَوضحنا) القصَّة تطوُّرًا وتمرُّدًا، ص 48.
ورأْي الشَّاروني فيه الكثير مِنَ الإِنصاف، فهو لم ينكر أَنَّ القصَّة القصيرة نشأَت في الغرب كمصطلح وتنظير، كما أَنَّه لم يدَّعِ أَنَّ العرب القدامَى هم مَن نظَّروا لها، بل كان دقيقًا في رأْيه حينما اعتبر القصَّة القصيرة بالمفهوم الغربي طورًا آخر، ومرحلةً أُخرَى للمفهوم العربي القديم الَّذي لم يخضع للتَّطوير والتَّنظير.
أَخذت القصَّة القصيرة عند الأَدباءِ العرب بعد ذلك في الظُّهور والتَّطوُّر بدايةً مِن محمَّد تيمور، وميخائِيل نعيمة، ومحمود تيمور، وعيسَى عبيد، وشحاتة عبيد، وتوفيق يوسف عوَّاد، ويوسف إِدريس، وصولًا ـ وليس انتهاءً ـ إِلى زكريَّا تامر.

ومن الدِّراسات النَّقديَّة الحديثة، نذكر: «فنُّ القصص» لمحمود تيمور، و«فنُّ القصَّة» للدُّكتور محمَّد نجم، و«القصَّة تطوُّرًا وتمرُّدًا» ليوسف الشَّاروني، و«فنُّ كتابة القصَّة» لفؤَاد قنديل.
وقد عرَّفها فؤَاد قنديل بأَنَّها: (نصٌّ أَدبي نثري يصوِّر موقفًا أَو شعورًا تصويرًا مكثَّفًا له أَثر ومغزًى) فؤَاد قنديل، فنُّ كتابة القصَّة، ص 24، ويضع الدُّكتور محمَّد التُّونجي تعريفًا للقصَّة القصيرة جدًّا، يقول فيه بأَنَّها: (حكاية مختصرة نثريَّة، تمتاز بكثافتها وقصرها، وقد لا تَتعدَّى أَلفًا وخمسَ مئَةِ كلمةٍ. وتحتاج كتابتُها إِلى براعة فائِقةٍ لمعالجة الصِّـراع والتَّشخيص وعرض المشاهد بحذق وتدبُّر. وفيها كلُّ مقوِّمات القصَّة القصيرة ولكنْ بشكلٍ مكثَّف) التُّنوجي، المعجم المفصَّل في الأَدب، ج 2، ص 710.
فهي بهذا التَّعريف تُحدُّ كتابيًّا في أَهمِّ عنصرين فنِّيِّين هما: الاختصار غير المخلِّ، والتَّكثيف الهادف.


ظهرت كتابة القصَّة القصيرة بالمفهوم السَّابق عند الأَدباءِ السُّعوديِّين في وقتٍ ليس بالبعيد، في أَعمال وقصص منشورة في الصَّحافة، ويذهب سحمي الهاجري في دراسته القيِّمة: (القصَّة القصيرة في المملكة العربيَّة السعوديَّة) إِلى أَنَّ مِن أَوائِل القصص القصيرة في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة، قصَّة «الابن العاقُّ» لعزيز ضياء المنشورة في صحيفة صوت الحجاز عام 1357هـ، ثمَّ يذكر مجموعة قصص أُخرَى، ومِنها: «مرهم التَّناسي» لعبدالقدُّوس الأَنصاري، و«حياة ميت» لحسين سرحان، و«رامز»، و«الميراث» لمحمَّد سعيد العامودي، هذه المجموعة القصصيَّة يعتبرها الهاجري مِنَ المحاولات الأُولَى لكتابة القصَّة القصيرة، ثمَّ بعد ذلك يسمِّي مرحلة أُولَى هي مرحلة النَّشأَة ويمثِّل لها بـ: محمَّد أَمين يحيَى، ومحمَّد علي مغربي، وإِبراهيم هاشم فلالي، وطاهر زمخشري، ثمَّ يسمِّي مرحلة ثانية، وهي الفترة الانتقاليَّة ممثِّلًا لها بـ: حسن القرشي، وسعد البواردي، وبعد ذلك يصل إِلى مرحلة التَّطوُّر نحو الصِّياغة الفنِّيَّة ممثِّلاً لها بـ: حمزة بوقرِّي، وعبدالرَّحمن الشَّاعر، وإِبراهيم النَّاصر، ومحمود عيسَى المشهدي.

ومؤخَّرًا صدر كتاب: (أُنطولوجيا القصَّة القصيرة في المملكة العربيَّة السُّعوديَّة ـ نصوص وسيرة)، وهو أَوَّل دراسة أُنطولوجيَّة جامعة كلَّ الأَجيال القصصيَّة السُّعوديَّة، للباحث المعروف خالد أَحمد اليوسف، ولا تكمن أَهمِّيَّة هذه الدِّراسة في التَّوثيق والجمع فقط، بل تتعدَّى ذلك إِلى أَنَّها رصدت مسيرة القصَّة القصيرة في المملكة، وسهَّلت عَلَى الباحثين في هذا المجال متابعة تطوُّر ونموِّ هذا الفنِّ الجديد، ووفَّرت لهم مِنَ الوقت الكثير في سرعة الوصول إِلى بعض الأَسماءِ والأَعمال القصصيِّة.



27/7/1432هـ



 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 05-07-2011, 12:19 AM   رقم المشاركة : 3
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

المجموعة القصصية
(كل قصة ستعطى رقماً تسلسلياً مراعاة لعدم الخلط بين القصص، وننوه أنه تمت مراعاة الملاحظات الفنية، وجرى بعضٌ من التعديل على القصص)

رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
جاسم علي الجاسم

-1-
التحدي

جلست على شاطئ بحيرة ألفاه بمدينة ( بشتني*) الممتدة أمامها .. حيث تقضي مع العائلة بضعة أيام من إجازة الصيف .. في ساعة المساء الجميلة التي يلفها الغيم برذاذ المطر والبرودة الخفيفة التي تخدر الأعصاب وتملأ المخيلة بالشجن .. تحيط بها الخضرة البهيجة.. صرخات الأطفال تعزف سيمفونية البراءة .. والزوارق الصغيرة المشكلة بالألوان الزاهية .. تداعب الكبار قبل الصغار.. تشدهم للسياحة بين الممرات الجبلية المغطاة بالأشجار.. لكنها لم تر من حولها .. ولم تنجح الصورة الخيالية في رسم الطبيعة الخلابة لها .. لم تفلح هذه الصورة في نقل روح المرح إليها .. لم تخطف انتباهها روعة الطبيعة وجمالها الإلهي . ولم يسلب مشاعرها هذا المكان العجيب.
مجموعة من الإحاطات تشدها إلى هوة عميقة لا قاع لها .. صرخات الحزن والكآبة تملأ حياتها .. بالمعقول واللامعقول .
غياب الإجابة الشافية لعدد من التساؤلات التي تضج بأعماقها ، أبعدتها عن الواقع وأصبحت في عالم آخر . لا زالت على المقعد قبالة البحيرة المتوهجة بالنور الإلهي.. تعكسه أشعة الشمس المتكسرة على أمواجه ومراكبه الشراعية الصغيرة التي يحركها الأطفال بالريموت كنترول أو الأكبر منها التي يعتليها السواح للطواف برحلة تعريفية بأنحاء المدينة السياحية التي تعج بالعائلات الخليجية .
لكن كيف يكون هناك مرح وفرح لقلوب استوطنتها الهموم وهي ما زالت تغرق في بحر مليء بالذكريات.. والمواجع والأشباح التي تسكنها ، فقد جردتها من حقها الطبيعي في الحياة . بدأت البحيرة تعاكس مرتاديها .. فخلعت حلتها البيضاء لترتدي اللون الذهبي .. في هذا الأثناء تغيّرت أفكار غادة وهي تتأمل حركة الكون فقالت في عقلها : إن هذه الكراسي التي نجلس فوقها ، والمبرمجة بحيث تنثني بقوة إلى الأمام ثم الخلف أو إلى اليمين وإلى اليسار بدرجات متلاعب بها .. وبزوايا قصيرة أو حادة بالإضافة إلى المرافقة .. كأنها فيلم سينمائي متحرك ولا شيء أكثر.. !! هكذا الحياة بفواصلها الدرامية والتراجيدية !!لو أخذناها بالتفصيل العقلي .. إذن هي مجرد أحداث مكتوبة على الجبين .. علينا أن نعيش حلوها ومرها .. مشاعر فرح .. حزن .. دموع .. مواجع .. كلها مجموعة إنسان .. لا بد من مواجهتها وتحمّلها .. إنه قدرنا !!
لو استطاع الإنسان برمجة أفكاره بقوة لعبة الكراسي المتحركة .. فإنه سينظر إلى أحداث الحياة ببرود ودون خشية ألم أو قهر.. !! لو نجح في التحكم بانفعالاته لما حصل هذا كله .. فيجب أن أتحكم بنفسي وبدون انفعال وأبعد عن سكان هذا الكوكب وصخبه وفورانه .. لا لا.. هو أحد سكان هذا الكوكب ومن أعزّهم .. أحبه رغم نكرانه وهجرانه لي .. أكثر من ثمان سنوات بعد الحادث .. لم يكلّف نفسه بالسؤال عني .. لكن لا أقول إلا الله يهنيه في حياته مع التي اختارها.
أفاقت من تفكيرها بعد أن سمعت صوت القطة الجميلة بشعرها الناعم أخذتها تمسح على جسدها وتقول لها ماأجملك والأجمل بأنك طليقة حرة ولستِ مثلي .
رغم الظروف التي واجهتها صممت بكل عزم وقوة فختارت بإرادتها حياة جديدة..فقررت شطب من يدّعي الحب والحنان ويتمسك بالمبادئ الكذابة.. مسحته من الذاكرة.. وأن تبدأ الكفاح العلمي لتنال أعلى الدرجات العلمية.. تسخرها لخدمة الوطن والمجتمع.. وتثبت للعالم بأن الإعاقة هي إعاقة العقل والفكر.. ولتضع بمقدمة اسمها حرف الدال.
ومن ذلك اليوم وضعت أهداف مستقبلها.. ولم يقف أمامها أي حاجز حتى وهي حبيسة الكرسي.. في بلاد الغربة التي تخشى فيها أن تجمّدها الرياح الباردة.. والأرض المنزلقة تقودها الى العجز والضياع.. أستطاعت أن تعود رفعة علم الوطن .. وقفت في المنصة بالحفل الذي إقيم تكريما لها أمام جمهور غفير.. من بينهم حبيبها لتقول ها أنا الدكتورة غادة أستاذة علوم الفضاء.

*مدينة في سلوفاكيا
10/10/2008
الدمام

(العنوان السابق لهذه القصة "الانتصار"، وقد تم تعديله إلى التحدي استجابة لبعض الملاحظات النقدية التي طرحت في الجلسة حول هذه القصة)


-2-
بقايا خبز

اعتادت عفاف أن تذهب يومياً إلى المدرسة حاملة حقيبة سوداء قديمة ذات حاشية مهترية حصلت عليها من بنت الجيران نرجس ، التي استخدمتها نصف سنة دراسية تضع بداخلها الكتب ودفاتر الحصص أليومية بالإضافة إلى قلم رصاص ومبراة .
مُراقِبة المدرسة عواطف .. لفت انتباهها الطالبة عفاف عند خروجها من المدرسة وما تحمله في الحقيبةِ ، ففي المرّة الأولى ظنَّتْ أنها تحمل كامل كتبها .
ومن خلال متابعة المراقبة اليومية لها .. شكَّت بالأمر، أبلَغَتْ مديرة المدرسة الأستاذة سهام بذلك ، قالت بأن الطالبة عفاف تدخل المدرسة وحقيبتها شِبه خالية .. وتخرج والحقيبة منتفخة !؟ تابعت سلوكها بالمدرسة مع الطالبات وجَدََتْها بنت مؤدبة وذكية .. وليس لديها مشاكل .
ـ تتوقعين أنها تسرق ؟
ـ والله أنا لا أجزم .. مجرد شك
ـ أحضريها للإدارة قبل نهاية الحصة الأخيرة مع السرّية التامة .
قبل خروج عفاف إلى البيت .. طلبتها المراقبة إلى مكتب الإدارة .. المديرة بحنان الأمومة سألتها :
ـ يا شاطرة ما اسمك ؟
ـ أنا اسمي عفاف
ـ ممكن تفتحي حقيبتك ؟
ـ لماذا ؟ هل سرقتُ شيئاً
ـ كلا يا ابنتي ، فقط أريد أن أرى ما بداخل الحقيبة .
ـ تفضلي !
ـ ماذا .. بقايا خبز وبسكويت وسندوتشات؟!
ـ نعم يا أستاذة .. نحن عائلة فقيرة جداً.. لا أب ولا أخ يصرف علينا ..أنا وأمي وثلاث بنات وأخي الصغير آخذ لهم بقايا الطالبات يومياً لسد رمق جوعنا ونحمد الله ونشكره.
ـ أنا آسفة يا ابنتي .. والدكِ ميت ؟
ـ تقول والدتي إنه تركنا منذ ثلاث سنوات ويعيش مع زوجته الثانية بقرية أخرى.
ـ خلاص يا ابنتي نتحقق من الموضوع .. وإن شاء الله نحل مشكلتكم .. خذي هذا المبلغ أعطيها لوالدتك ..
يا أبله عواطف أدرجي هذا الموضوع في جدول أعمال اجتماع الغد لحلها فوراً . الأبله عواطف رافقت الطالبة إلى منزلها بقصد معرفة المنزل ، عادت إلى بيتها في الحي الراقي والدموع بعينيها تردد في نفسها : غريب أمر هذه الدنيا .. أيوجد أناس بهذه الحالة؟ يأكلون فُتات الآخرين.. ويشربون ماء الزير.. الأرض فراشهم والسماء لحافهم !! تضحك عواطف باستغراب .. وتردف قائلة : ونحن نطعم الحيوانات ما طاب ولذ وهناك من يأكل الفُتات ويشرب الألم .
8/4/2010م



-3-
سذاجة رجل

سافرت سميرة للخارج مع زوجها شريف بعد أن قامت ببيع الذهب والهدايا وأثاث الفيلا من مسلتزمات المطبخ والأجهزة الكهربائية التي اشتراها خطيبها المزور صالح .. سميرة في العقد الثالث من عمرها تمتاز ـ بالإضافة إلى ذكائها ـ بالرشاقة والجمال. تعرفت على صالح الذي يكبرها بعشرة أعوام في أحد المجمّعات التجارية. تقرب إليها وطلب منها رقم هاتفها الخاص بعد أن عرفها بنفسه. وافقت وأعطته الرقم بعد أن عرفت أنه من رجال الإعمال.. في نفس اليوم قام بالاتصال بها ليؤكد على إعجابه الشديد وحبه لها .. وافقت على طلبه مقابلتها.
في اللقاء تظاهرت بأنها من أسرة فقيرة لا تملك سوى قوت يومها .. لكن الحظ والحب يفعلان المستحيل . ذهبت إليه المرة الثانية وشرحت ظروفها فازداد إعجابه بها وبأنوثتها الطاغية .
أعرب عن حبه وإعجابه لها ولم يستطيع البعد عنها منذ اللقاء لأول .. بسذاجة أوضح لها بأنه متزوج من سيدة أخري ولم ينجب منها .. الفتاة أعجبت بصراحته وقالت في نفسها ( يا بنت لا يفوتك هذا رجل لقطة ) التفت صالح وقال بماذا تفكرين ؟
ردت باستحياء وغنج ..
ــ بعد تخرجي من الجامعة .. بحثت عن وظيفة لكي أقوم بمساعدة أهلي والإنفاق على نفسي لكي أحقق طموحاتي وأحلامي .. لكن الظروف لم تساعدني .
فرد بشهامة قائلاً : أي مصاريف سأقوم بتلبيتها لكِ .
تلقفت ما قاله لتسرد طلباتها فوراً من الملابس والمستلزمات الخاصة .. بعد أن أطمأنت لطلباتها رشفت من كوب الكابتشينو رشفة وقالت بغنج
ــ حبيبي ممكن ناخذهم الآن ؟ قام على الفور بشراء كل الاحتياجات لها من المجمّع بالإضافة إلي مبلغ من المال حتي تقع في شباك حبه .. وتكررت المقابلات واللقاءات بينهما وكثرت الهدايا والمصاريف. وذات يوم فكر أن يتقدم لطلب يدها ولكنه متردد خوفاً أن ترفضه ، فهو متزوج وما زالت زوجته في عصمته . أخبرها بما يجول في خاطره . دون تردد .. رد ت بالموافقة. ظهرت الفرحة في عينيها .. أخبرت أمها ما دار مع الحبيب الذي يريد التقدم لها .. ردت الأم :
ــ إنه متزوج وأكبر منك بعدة سنوات!
لكنها أصرت على الزواج منه وقالت للأم أنه رجل مكسبويستطيع تلبية طلباتي ويقدر جمالي ، ومركزه مرموق ، ولديه فيلا جديدة ستخصني . وافق الأهل علي رغبتها وتقدم الرجل لخطوبتها وقدم لها شبكة وطاقماً من الأساور الذهبية .. بدأت الزيارات تتكررعلى منزل حبيبته وهو يحمل الهدايا للأسرة .. جعل ذلك الأب والأم يتركان الفتاة تجلس معه في حجرة الضيافة بمفردهما فكانت تلجأ لإغرائه بأنوثتها الجذابة .. سيطرت عليه لدرجة أن كل طلباتها وأوامرها مجابة .. يعطيها ما تريد هي وأهلها .. طلبت منه أن يقوم بتأثيث الفيلا وأن يشتري المشغولات والأجهزة ويأتي بها إلي منزل والدها .. حتى إذا قَرُبَ الزفاف تنقلها إلى منزلها الجديد .
بعد أن رتبت أمورها وكونت عفش شقة كاملة .. بدأت خطة التطفيش للخطيب .. اختلقت مع أهلها المشاكل بسبب وبدون سبب .. وتحولت الفتاة في معاملتها لخطيبها إلى النقيض تماماً . اشتكي الخطيب لأهلها من سوء معاملة إبنتهم ولكن دون جدوى .. ذكاء سميرة كان أقوى من دهاء الشيطان. اتفقت مع أحد صديقاتها بالاتصال بخطيبها وأن تجلس معه في أحد الكوفي شوب وتستدرجه.. وبخبث قامت الصديقة بالاتصال بخطيب الفتاة علي تليفونه المحمول. طلبت منه المقابلة لأمر هام وعندما سألها عن السبب كان الرد أنها تريد مقابلته لأمر يخص خطيبته وسر تغيرها من ناحيته .. ذهب الرجل على الفور إليها وأثناء الجلوس معها دخلت سميرة عليه وهو جالس مع صديقتها لتخلق مشاجرة معه أمام الناس وخلعت الدبلة من يدها بحجة أنه يخونها مع صديقتها .. أراد أن يبررموقفه ولكن كل المحاولات باءت بالفشل .. طلبت منه عدم الحضور إلى منزلها ، وأن الخطوبة بينهما انتهت .. قام بالاتصال بوالدها الذي تهرب منه ، فطلب من أهلها استعادة الهدايا والمشغولات الذهبية والأجهزة الكهربائية والمنقولات والأثاث الذي قام بتجهيزه فرفضوا .. بحجة أنه كان يدخل البيت ويخرج وهذه الأشياء ثمن دخوله عليهم وخروجه !!عرف أنه وقع ضحية نصب واحتيال من العائلة وابنتهم . ذهب إلى قسم الشرطة وقدم بلاغاً ضد سميرة ..

(تنويه/ هذه القصة لضيق الوقت لم تقرأ في الجلسة)





-4-
الطيف

يطاردني شبح رنين دقات الساعة في آخر الليل .. يدق قلبي مع كل دقة .. كنت أنتظر مجيء طيفها كعادته كل مساء .. أتجاهل الزمان والمكان وأتعلق بطيفٍ هارب .. كل يوم يأتي يذكرني بما هو جميل .. يشطح بي الخيال بالأماكن القديمة .. عند العين .. عند التنور.. الصيف فوق السطح .. في الخيمة تحت ( ضوء القمر ) .. أعيش حالة تردد. أميل إلى التراجع عن المستقبل والبقاء مع حاضري .. وإذا بي أتذكر موعدي مع الطيف .. أفتح النافدة بهدوء كي لا تحدث صريراً.. رائحة عطرها يسري مع النسمة .. يعلن قدومها .. ملكة تمشي الهوينا .. وجهها كالقمر في الأفق يلوح من بعيد .. وبلهجة ملكية ممزوجة بابتسامة رقيقة تقول :
ــ كنت أبحث عن حب يفوق حب قيس لليلى .. حب يتعدى الأحلام .. حب لم أره في حياتي .. تخيلت وجودها أمامي .. حاولت الإمساك بها وإذا هي سراب .
سلوفاكيا 6/7/2006م



-5-
الجائزة

وضعت تاج الإبداع الأدبي على رأسه ؛ ليفخر وتفتخر به فكرّمها في يوم الزوجة المثالية بجائزة : أبغض الحلال عند الله .. تاركاًً لها ثمانية كتب تستمتع بقراءتها . وضعت كُتبه بدرج مكتبه القديم المتهالك مع روايته الفاشلة ( الضياع وقصة العجوز ) .. مصحوبة بورقة صفراء كُتب عليها ثلاث كلمات .. لعله يعود لهم بعد إفلاسه الأدبي .

-6-
وداعية

( وداعيه يا آخر ليله تجمعنا ) نغمة محمول رنت بصالة السفر لفتت انتباه المسافرين ..
ردت بخجل : بعد ثلاث ساعات سأكون عندك .
أُعلن عن الصعود إلى الطائرة . صادف أن مقعدها بجانب مقعدي . أبدت ارتياحها بابتسامة رقيقة .. وقفت تتأمل المسافرين يميناً وشمالاً قبل أن تجلس . قرأت المعوذات ربطت الحزام ، على ارتفاع ثلاثين ألف قدم نعست رمت برأسها على كتفي الأيسر. استسلمت للنوم . رائحة عطرها مخلط خليجي رائع . تمتمت بكلمات لم أفهم إلاّ بعضها . أفاقت قبيل هبوط الطائرة بثوان . شكرتني ، ونزلت المطار بحثت عنه بين المستقبلين لم تجده بانتظارها .


-7-
رحل

قدِمْتُ من بلدي قاصداً الإقامة معكَ .. كي أعيش وأحس بالأمن والأمان .. أبحث عن حضنٍٍ يؤويني .. وصدرٍٍ حنونٍ يحتويني .. وقبل وصولي .. صادفتني عواصفُ رعدية وأمطارٌ غزيرة .. وصلْتُ بعد جهدٍ جهيد .. وبعد احتفاء الأهل والأصدقاء بي .. شعرت في قلوبهم غصة .. قالوا لي تأخَّرْتَ فرحل !


-8-
لم يمت

التقته صدفه وهي في طريقها إلى المدرسة، تسمرت قدماها بالأرض .. تابعت خطواته .. حدقت فيه ملياً.. كادت تنطق باسمه.. لولا تعثرها بعلبة المياة الغازية التي رماها بعد أن ارتوى منها .. واصل طريقه دون أن يعيرها أي اهتمام .. اختفى من الطريق بالقرب من المدرسة ولم يختف عن خاطرها .. دخلت فصلها الدراسي وفكرها مشغول بذلك الرجل الأربعيني الوسيم الذي تبدو عليه سمة النعمة والراحة .
المعلمة تناظرها باستغراب .. الطالبات يلاحقنها بنظراتهن التي لا تخلو من الريبة.. عادت إلى البيت..من فورها ذهبت تلقي نظرة على صورة كانت تحتفظ بها في غرفته، تساءل الأهل ماذا حصل للبنت الطيبة والمرحة؟
البعض قال: أصابتها (عين ما صلت على النبي ) والبعض الآخر ظن ظن السوء.
أهملت واجباتها، اعتزلت صديقاتها، والجلسات العائلية .. لتعيش مع ذلك الشبح الذي سيطر على تفكيرها وكيانها وهي تردد في نفسها ( هل يكون هو فعلاً ؟ لا يمكن لحدسي أن يخونني، صرخت صرخة دوت في المنزل كالمجنونة. لماذا كذبتم علي بأن أبي قد مات؟!

-9-
الزبالة

عاش متسكعاً بين أكياس الزبالة يبحث عن بقايا .. بعد ثلاثين عاماً مات مخلفاً لأبنائه أكواماً من الورق .


-10-
جدي

كتبت مازحاً قصة عن اختفاء جدي ، فاختفى حقيقة .



رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
أبو فيصل أثناء قراءة القصص ويبدو في الصورة القاص عبدالله الوصالي



ـــــــــــــــــــــ
نبذة تعريفية مختصرة عن الكاتب/
جاسم بن علي بن أحمد الجاسم
أديب وكاتب وصحفي
ولد في شهر صفر من عام 1372هـ الموافق 1952م بمدينة الطرف من محافظة الأحساء
عمل في بعض الصحف والمجلات المحلية والخليجية كجريدة اليوم وعكاظ.
كما أنه أقام فترة في قطر فكتب في جريدة العرب وجريدة الراية وجريدة الدوري الرياضية ومجلة العهد.

من مؤلفاته:
1- الفزيع وعالمه القصصي ـ 1420هـ.
2- رمز سيالة ـ 1431هـ.
وتحت الطبع مجموعة قصصية سترى النور قريباً.

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-07-2011, 07:53 PM   رقم المشاركة : 4
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى،،،


"الممارسة النقدية نتاج طبيعي لإفراز اجتماعي" ـ الناقد محمد العباس.

رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
القراءة النقدية الأولى : أحمد الربيح

تتلبس هذه الورقات القراءة الاستمتاعية الناتجة عن مزاج خاص، له مواصفاته الذوقية وخبراته المعرفية حسب تصنيف الناقد الأستاذ محمد العباس حيث أن: "الإمتاع هو القادر على امتلاك المتلقي سامعا كان أم قارئا" د. عادل الفريجات، وهي بهذا تحمل رؤية انطباعية تحاول قدر المستطاع أن تتعامل بحميمية مع النصوص المختارة من قبل القاص والكاتب الأستاذ جاسم بن علي الجاسم (أبوفيصل)، وذلك كأحد ضروب الاتصال وتبادل المعلومات بين المبدع/ القاص، وبين المتلقي/ الناقد.

وأود أن أؤكد في بداية المطاف أن الورقات تناقش النصوص التي بين يديها بغض النظر عن التجربة السردية أو الأدبية للقاص، مع جليل الاحترام والتقدير لكل تجربة تتلمس خطواتها إلى عالم أدبي رفيع، باحثة في صحراء التراث العربي والإنساني وفي عالم القصة القصيرة.
وتمهيدا لا بأس من الإشارة إلى أن القصة عبارة عن مجموعة من الأحداث يرويها الكاتب، وهي تتناول حادثة واحدة أو حوادث عدة، تتعلق بشخصيات إنسانية مختلفة، تتباين أساليب عيشها وتصرفها في الحياة، على غرار ما تتباين حياة الناس على وجه الأرض، ويكون نصيبها في القصة متفاوتا من حيث التأثر والتأثير. (محمد يوسف نجم).


وعلى ضوء هذا التعريف فإن القصة هي حوادث يخترعها الخيال، وهي بهذا لا تعرض لنا الواقع، كما تعرضه كتب التاريخ والسير وإنما تبسط أمامنا صورة مموهة منه، ولا يفرض في الكاتب إلا أن يقنعنا بإمكان حدوث مثل هذه الحوادث، ووجود مثل هذه الشخصيات، في الحياة التي نحياها ونعرفها.
وتتباين الآراء حول دور القصة القصيرة فهناك من يرى أنها حاجة اجتماعية قبل أن تكون حاجة فنية وأن التأكيد على المضامين الاجتماعية والسياسية هي الأهم، وليس على الأساليب الفنية أو الفكرية، أي أن الدور الاجتماعي للقصة يعتبر الأساس لكتابتها، وبرز رأي الآخر مغاير لهذا الرأي يؤكد على أن القصة هي فن خالص لا يفترض مباشرة العلاقة مع المتلقي، كما في فنون الاتصال الجماهيري أو الفنون الشعبية، وأن القصة تعتمد في فنيتها على ما تقوله أساسا.
ومن هنا أجد أن النصوص التي اطلعت عليها تتسم بشكل عام بالواقعية سواء على المستوى الشخصي أو الجمعي، وتميل إلى التناول الاجتماعي لبعض الظواهر السلبية، وعلى هذا يمكن أن نعتبر الكاتب ملتزم بقضاياه ويحمل همه الثقافي والاجتماعي على كاهل قلمه، وهو بهذا صاحب رسالة ينطلق في كتاباته عن هموم مجتمعه، وعن هموم ذاته، ولربما أن المتنفس الصحفي للكاتب وخبرته الطويلة في فضاء الجرائد ألقت بكلاكلها وأثرها على هذا التوجه، ففي المجموعة المختارة من قصصه تعرض إلى المواضيع الاجتماعية التالية: الإعاقة، الفقر، الموت والرحيل، إضافة إلى العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة.



ـ الانتصار:
قصة تحكي الواقع النفسي لامرأة تعاني من إعاقة جسدية نتيجة حادث، تخلى عنها خطيبها وقت مصيبتها لامرأة أخرى، ولا تكاد تصل إلى هذه النتيجة إلا حينما تشارف على نهاية القصة، برزت في هذه القصة قوة الكاتب على التصوير المكاني، حيث أن من عناصر القصة المكان، وتتعدد اختيارات الكتاب له، وفي كل اختيار له مأرب، وذلك لوعي القاص بأن المكان يؤثر في الناس ويصوغ مفاهيمهم وتقاليدهم وقيمهم، ويحدد مسارات الكثيرين منهم، كما يحدد النهر مسار الماء الذي يجري فيه.
وفي هذه القصة نجد الكاتب تفنن في الإحاطة بأبعاد البحيرة المحيطة بغادة، وكيف أن هذه الطبيعة البكر، بذرت في نفسها تحليقها لاحقا في علوم الفضاء رغم السوداوية التي كانت تعيشها آن إجازة الصيف مع العائلة.
لقد بدا أسلوب الكاتب فيها رائعا، فقد بدأها مثلما بداية عرض سينمائي ظلمة فوق ظلمة وشيئا فشيئا تتكشف الأجواء، العلاقات بين الأحداث بدت مترامية حتى إذا تكثفت المشاهد والصور، حلت لحظة التنوير ونهاية العقدة مع حرف الدال، الذي تباهى هو وحاملته أمام حبيبها السابق الذي لم يقدرها.
تميز الكاتب ببساطة الفكرة في الطرح وسهولة اللغة القريبة إلى الحياة العامة والمتفتحة على اللغة اليومية وعلى التقاط الدقائق في العلائق والمشاعر تجاه المعاقين جسديا والمتميزين فكريا سواء من نظرة الآخر أو النظرة إلى الذات، وكيف أن الذات انتصرت في الأخير.
وبشكل خاطف قام الكاتب بالعملية الاسترجاعية بين الماضي والمستقبل، واستطاع فيها ينقل القارئ إلى حياة القصة، بحيث يتيح له الاندماج التام في حوادثها، ويحمله على الاعتراف بصدق التفاعل الذي يحدث بين الشخصيات والحوادث، حيث أنه استطاع أن يصور الشخصيات في حياتها الطبيعية الخاصة ورصد الموقف السلبي الذي مارسه من لم يستحق الحب والحنان، والموقف الإيجابي الذي مثلته غادة حينما ضغطت على نفسها وعلى ألمها وبرمجت الأفكار الخلاقة من خلال حوارها الداخلي والذي يشي بوجهة نظر الكاتب تجاه تحويل الإعاقة إلى الإبداع.



ـ بقايا خبز:
قصة اجتماعية تحكي عن فتاة تعيش على بساط الفقر وعلى بقايا فسحة زميلاتها، في هذه القصة تبرز أسلوبيا الحكائية والإنشائية وتبتعد به عن فن القص، تناول فيها أفكارا جميلة في مجملها إلا أن المعالجة الفنية والحبكة السردية لم ترق إلى المستوى الرفيع من التناول، صحيح أن القصة ذات حبكة متماسكة تقوم على حوادث مترابطة يأخذ بعضها برقاب بعض، وتسير في خط مستقيم، إلا أنها مركبة بطريقة غير مقنعة بحيث نشعر فيها بآلية العمل القصصي، خالية من الدهشة ومن الانعطافات.
وقد استدرك الكاتب ذلك فأضاف إلى القصة أيقونة الحوار ليخفف من رتابة السرد ويريح القارئ ويبعد عنه الشعور بالملل ويساعد على رسم شخصيات القصة وتصوير موقف المراقبة المشكك، والحالة التي كانت تعيشها الفتاة عفاف المسكينة والتي كانت ضحية لأب لم يقدر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه تجاه أسرته، ومع ذلك تبقى البساطة من حيث الأسلوب والتناول أجمل في القصة.



ـ سذاجة رجل:
القصة تحكي عن امرأة استغلت عواطف رجل أعمال كان ينوي الزواج منها حتى إذا حصلت على مبتغاها تركته مع خفي حنين.
وتجدر الإشارة إلى أن القصة بشكل عام من حيث البناء تعتمد على الحدث والشخصية والمعنى ولحظة التنوير، ومن حيث النسيج تشمل اللغة والسرد والوصف والحوار، والمتابع لأحداث هذه الحكاية يجدها أتت على أغلب تلك الجوانب لكن من ناحية شكلية، وإلا ففي نسيجها تفكيك واضح، وتساؤلات قد ترد في ذهن القارئ عن طبيعة رجل الأعمال هذا الذي يطلب أرقام الاتصال في أحد المجمعات، وكيف لمن تحمل شهادة جامعية من الخارج أن تمرر كونها فقيرة، وماذا عن شريف زوجها هل هو وصولي كذلك، وكيف وافق عليها وهي بهذا المستوى، وكيف لصديقتها أو لوالديها السكوت عن هكذا استغلال (عينك عينك)، من وجهة نظري أن أسلوبه لم يعايش المتلقي بحيث يتماهى مع شخوص الحدث وكأنه جزء ثانوي منه، وأظن أنها تحتاج إلى توشيج أكثر في نسيجها الفني والتركيز على ربط العلاقات بالأحداث والشخصيات.



ـ الطيف:
سردية تحمل إمكانات متعددة للتفسير، وتصور دوامة من آخر الليل، مكتفية بلقطة أو موقف قصير أو لحظة مختزلة عن الحبيبة الحاضرة الغائبة، لتقدم إحساسا في غاية الشفافية، يشتم من حكايته عبق التجربة وقلق الحاضر، فالكاتب هنا يبرهن على أنه قادر على بناء شبكة متداخلة من خيوط ضوء القمر ونسجه بأداة حديثة، والقصة في مجملها إبداع في النص النثري الحر، وسيد الموقف فيها هو أسلوب الكاتب الذي لاشك أنه سيترك في نفس القارئ صدى طويلا يتحرك في ذاكرته وفكره ويحرك العواطف الحسان نحو السراب/ الطيف.



ـ الجائزة:
القصة هذه تصور لنا الوضع النفسي الذي يعيشه الأديب الملئ بالغربة والعزلة بين كتبه سواء المطبوع منها أو المخطوط، فيحاول أن يدرء فشله ولكن بفشل آخر، في درج المكتب القديم أو على الورقة الصفراء.
تتوضح في القصة الأدوات الحديثة التي استخدمها القاص والتي من خلالها كثف الحدث، وألغى المقدمات والسرد الإنشائي المباشر، أنها قصة تسير في خط تشيخوف حينما قال: القصة الجيدة قصة محذوفة مقدمتها، أي مواجهة للأحداث مباشرة، معلنة عن الإفلاس الأدبي وبلا مقدمات.



ـ وداعية:
حكاية عن انتظار الذي لا يأتي، حاول الكاتب فيها أن يجعل الشخصية تؤدي دورها الكامل وتقوم بالأدوار الموكلة إليها، وتتحرك بشكل درامي، وفي وقت جد قصير قضته في نوم عاطر، لم تكن النهاية سعيدة ولكنها كانت مفاجئة رغم الأجواء الحالمة. همسة: وعلى ارتفاع ثلاثين قدما، لم أكد أفهم أن تقرأ المعوذات ذات المخلط خليجي لتضع رأسها على كتفه الأيسر!!!



ـ رحل:
في هذه القصة أسلوب رائع للكاتب يعزز موقفا يحسن أن يتخفى ولا يختفى، ويصور لا أن يقرر، وأن يجرد ولا يجسد، وفي النهاية وجد نفسه تأخر فرحل، قمة في التضحية للصحبة ومكابدة الأهوال من أجل الوصول، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن.



ـ الزبالة:
تتميز هذه القصة بأنها تحمل من الأسلوب القصصي روحه على هيئة بطاقات وفلاشات تحتوي كل بطاقة على طاقة تختزل السردية الحكائية، كل ذلك في نسيج يكون في نهاية المطاف حكاية طويلة الأثر تمتد لأكثر من ثلاثين خريفا.
ينطبق على هذه القصة وصف القصة القصيرة بصغر الحجم من قبل الإيرلندي فرانك أوكوتو بـ: أنها عولجت علاجا خاصا، وهو أنها تناولت موضوعا على أساس رأسي لا أفقي، وفجرت طاقات الموقف الواحد بالتركيز على نقاط التحول فيه، فالذي يقف على منحى الطريق يتاح له أن يرى الطريق كله، وهو مليئا بأكوام من الورق.



ـ جدي:
نلمس في هذه الأقصوصة خرقا للقوانين الأدبية، وإن كان للأدب من قوانين، فهي ما وجدت إلا لتخرق، لكن خرقها يجب أن يكون لمصلحة الجمال والإدهاش وهذا ما حاوله الكاتب، ومن جهة أخرى نلمس رؤيا شعورية مكثفة ضمن حركتها وفعاليتها ولكن بشكل صادم وبكل بساطة اختفى جده حقيقة.



ـ لم يمت:
يبرز في هذه القصة استخدام التكثيف والتركيز اللذين يجعلان من القصة القصيرة لقطة سينمائية أو قطعة من نسيج أو ومضة من ضوء، تكتنز المعنى والمتعة معاً.
والتكثيف كأحد أهم الميزات للقصة القصيرة مرتبط بقدرته على الوصول إلى عمق القارئ والتأثير به بأقل قدر ممكن من المفردات وأكثرها قدرة على الوصول والتعبير, وهذا ما اختزله الكاتب في حكايته عن تلك التي وجدت نفسها تعيش مع الشبح الأربعيني الذي لم يمت في خلدها، دون الإسهاب والإشارة إلى جوانب القضية، ليترك المجال لذهن القارئ ليسبح ويخمن ويستقرئ وقد يصل إلى نتيجة وقد لا يصل مثلها ومثل حدسها المجنون.

رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل



أحمد مبارك الربيح
رجب 1432هـ

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09-07-2011, 08:12 PM   رقم المشاركة : 5
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

قراءة نقدية في نصوص قصصية:

السّارِدُ بَيْنَ حُضُور ِ(نُونِ النّسْوةِ) وَغِيَابِ (وَاوِ الجَمَاعَة) !!

رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
الورقة النقدية الثانية: جابر الخلف
---------------------------------------------------

مقابسات

" إنَّ الكلامَ على الكلامِ صعبٌ " . أبوحيان التوحيدي .
" إذا حاولتم قمعَ الذاكرةِ، لا مفرَّ أن يعودَ شيءٌ منها إلى السطحِ .. أنا هو ما يعودُ ! " الروائي التركي أورهان باموق .
" لقد سادَ الشعرُ في عصورِ الفطرةِ والأساطيرِ، أما هذا العصرُ: عصرُ العلم والصناعة والحقائق؛ فيحتاج حتما لفن جديد يوفق على قدر الطاقة بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق، وحنانه القديم إلى الخيال، وقد وجد العصر بغيته في القصة، فإذا تأخر الشعر عنها في مجال الانتشار، فليس لأنه أرقى من حيث الزمن، ولكن لأنه تنقصه بعض العناصر التي تجعله موائما للعصر، فالقصةُ على هذا الرّأي هي شعرُ الدنيا الحديثة " الروائي العربي نجيب محفوظ .
---------------------------------------------------------
في البدايةِ نجددُ الشكرَ الغامرَ لكاتبنا العزيز، وأخينا الكبيرِ (أبي فيصل) جاسم بن علي الجاسم على إتاحةِ هذهِ الفرصةِ لتجديدِ تواصلنا الثّقافيِّ والأدبيِّ من خلالِ حضورهِ البهيِّ، ونصوصهِ القصصيةِ، له دومًا خالصُ التحيةِ، وعميقُ التقديرِ .
مازالَ كاتبُنا العزيزُ بيننا بمثابةِ الفرقدِ الوضاءِ في سماءِ دنيانا، يرصدُ المللَ والسأمَ والضجرَ، ويرجمهم بشهبه، ويعوضنا بنيراتِه نجومًا وقصصًا وحكايا، وهو بلطفهِ وكريمِ سجاياهُ يُكرّسُ فينا حبَّ القَصِّ والحكي، ويُعمقُ فينا طفولتَنا إلى الأقاصي !!
وعلاقة الأخ أبي الفيصل بالقصةِ ليست علاقةً طارئةً، وإنما هي علاقةٌ وطيدةٌ (ذاتُ زمنٍ طويلٍ) تمثلتْ أولَ ما تمثلت في كتابه (الفزيع وعالمه القصصي)، الصادر عن دار أمنية للنشر والتوزيع عام 1420هـ، وكتابِهِ الآخرِ (رمز سيالة) الصادر عن مطابع الشركة الشرقية، عام 1431هـ، وهو يحكي سيرةَ رجلٍ يختصرُ سيرةَ مجتمع، فالكتابُ لونٌ من أدبِ السيرةِ الاجتماعيةِ، وهذا ليس ببعيدٍ عن أدبِ القصةِ في تجليها الإنسانيّ .
---------------------------------------------------------
القصةُ لونٌ أدبيٌّ أثيرٌ له حضورُه وجمهورُه .. نوعٌ أدبيٌّ سريعُ التطورِ والتجددِ، فهو أدبٌ متنوعٌ في صيغتهِ وصياغته، وفي محتواه ؛ فتعددت لذلك مستوياتُ القصِّ في أشكاله الفنية، وأساليبه الكتابية، فهناك القصة، والقصة القصيرة، والقصة الطويلة، والقصيصة، أو الأقصوصة، أو القصة القصيرة جدا . فلم يعدِ القَصُّ قصصَ الأمثال والعجائب والغرائب، وقصصَ الأسمار والأساطير والخرافات والسير والحكايات، وإنما استحال القصُّ فنا أدبيا له قوانينه وأسسه، ولم يعدِ الفنُّ القصصيُّ أدبَ الهواة ، وإنما أصبحَ أدبَ المحترفين .
القصة فنٌّ أصيل يرصد نبض المجتمع الحي، ومن خلال القصة يمكن رصد الحركة الاجتماعية، ودراسة ظواهرها، ومن خلالها يمكن تجاوز التافه والمكرور والدارج والهامشي، والاشتغال بدلا عن ذلك باليومي وتفاصيله ودلالاته .
والقصة ليست صوتا جهورا يفتعل الصراخ، ويثير الضجيج، بل هي صوتٌ هامسٌ خفيضٌ مُسْتَسِرٌ يتأمل القاص من خلاله في أدق تفاصيل الحياة والمجتمع؛ كي يخففَ عنا ..، ويُنقيِ بصيرتنا أكثر .. !!
فهل كل من طوّر المجتمع، ونقّاه فنيا وجماليا عبر سحر الكلمة ومسؤوليتها سُمّيَ (قاصًّا) .. ؟ نعمْ إنّهُ لكَذلِكَ .. !!
---------------------------------------------------------
ُيخيّلُ إليّ أن القصةَ سردٌ للذاتِ من خلال الآخر في طقسٍ كتابيٍّ مفعمٍ بالحيويةِ والإمتاعِ والدهشةِ، وهذا يعني أن القصة ليست نصا مغلقا بالأحاجي والمعميات، وليست نصًّا متاحًا مباشرًا تقريريًّا مرميًّا بهِ كلَّ مذهبِ، إنه نص مدهش يأخذ الكاتبُ باللغةِ والقاريءِ والوقتِ إلى أقصى المدى !!
قرأتُ عشرةَ نصوصٍ قصصيةٍ ملفوفةٍ في ورق أبيضَ ناصع البياض، (موزعةٍ زمنيا بين عام 2004م ـ 2010م) .. قرأتها بغرض المتعة الأدبية أولاً وثانيًا وثالثًا .. ثم بغرض القراءة النقدية عاشرًا .. وليسمح لي كاتبنا فربما يطغى (الإمتاعُ) على أي غرض آخر؛ فأبتهج وأصعق من البهجة أو العجب أو الإعجاب.. فأصمت، (فالصمت في حرم الجمال جمال)، وربما يطغى (الغرض النقدي) أحيانًا، فلا أملك أنْ أَرُدّهُ، أو أن أدفعَ تيّارَه المتدفق (فَمَنْ يَنْقُدُ عَلَيْكَ، فَهُوَ يُؤَلِّفُ مَعَكَ)، وهذه متعةٌ أخيرة لم تخطر على البال والخاطر !!
وسأحاولُ أن تكون قراءتي لهذه النصوص القصصيةِ قراءةً انطباعيةً ذوقيةً، ليست خاضعةً للمعايير النقدية الصارمة، فطالما قد أعاقتنا المعايير الصارمةُ، وكبلت خطواتِنا وخيالاتِنا، وقيدت أجنحتنا عن الطيران .. ليس في الكتابة فحسب، بل حتى في حرية التعبير وفنه !!
وهذا يعني أن المحاذير ستكون أكثر، وارتكابَ الأخطاءِ سيكونُ أقرب احتمالا .. فالاحتكام إلى الذائقة يخفف من أعباء الصرامة النقدية (وهذا ربما يكون صحيحا)، ولكنه ربما أوقع القراءة في محاذير الأحكام الذاتية، (وهذا ربما يكون صحيحا أيضا)، وهنا لا بد من سلامة الذائقة وصحتها من العلل .. وهذا ما نرجوه ونتمناه !
لن يضيرَ هذه النصوصَ ما يقالُ عنها، فهي تعبرُ عن لحظةِ كتابتها، ولكنْ من المهمِ جدًا أن تكونَ محلَّ أخذٍ وعطاءٍ، فما بَيْنَهُمَا سيمكثُ ما ينفعُ الكاتبَ والقاريءَ معًا .
سأحاول أيضا أن تكونَ قراءتي مرتبةً كالآتي: ملاحظات عامة، ثم ملاحظات تفصيلية على المجموعة قصةً قصةً .. !!
الملاحظات العامة:
أولا: اللغة المباشرة
لفت نظري أن اللغة القصصية لغة مباشرة، وتكاد أن تكون تقريرية، يُغَلّبُ الكاتبُ الحدثَ اليوميَّ على الحدثِ القصصيِّ، وهذا ما يؤدي إلى تسطيح الحدث، ويحرم القارئ من عنصر الدهشة واللاتوقع .
من الضروري أن تكون الصياغة الأدبية في لغة القص مواكبة للسياق القصصي المعاصر، فلا هي مفرطة في البلاغية كلغةِ المقامات، ولا هي مباشرة تقريرية كلغةِ الجرائد اليومية .
الصياغة الأدبية هي أن يعبر الكاتب بحسه اللغوي والفني حسب مقتضى الحدث، فلكل حدثٍ صياغته ولغته .
لقد غلب على مجموعة القصص التي قرأتها لغة الحكي اليومي المباشر الذي أسلم القصص للتقريرية والمهادنة لا الحيوية والإثارة والإدهاش .
ثانيا: نون النسوة
لفت نظري أيضا أن الحضور الطاغي لشخصيات النصوص القصصية هو لـ(نون النسوة)، فأغلب الشخوص في أحداث القصص هي شخوصٌ مفعمة بالنفس الأنثوي، وهذه ملاحظة فنية، وليست نقدية، ففي نص (الانتصار) تحضر شخصية (غادة) المتوجعة ثم المتحدية للإعاقة، وفي نص (بقايا خبز) حضور مكثف لنون النسوة (عفاف) الطالبة الفقيرة، و(نرجس) بنت الجيران، و(عواطف) مراقبة المدرسة، و(سهام) مديرة المدرسة، وفي نص (سذاجة رجل) حضرت شخصية (سميرة) المحتالة، و(صديقتها) التي أعانتها في الاحتيال على رجل الأعمال، ثم حضر بعد ذلك بشكل مكثف (الضمير الأنثوي) في بقية القصص كما في نص (الطيف)، و(الجائزة)، و(وداعية)، و(لم يمت)، وخلت نصوص ثلاثة من عشرة من شخصيات نون النسوة، كما في نص (رحل)، و(الزُّبالة)، و(جدي) . وهذه مجرد ملاحظة فنية، لفتت نظري تحتاج إلى وقفة نقدية تبين دلالاتها .. !!
ثالثا: عدم مراعاة الكاتب علامات الترقيم، وترتيب الجمل بالشكل الذي يخدم النص، ويعين على فهم المعنى، وهذا الأمر له أهميته في الكتابة بشكل عام، وتزداد تلك الأهمية في كتابة القصة، فالعلامات الترقيمية في الكتابة تشبه إشارات المرور في حركة السير، فلا يمكن فهم حركة السير اليومية دون إشارات المرور، كذلك لا يمكن فهم المعنى، وما وراء المعنى دون علامات الترقيم، فهي ليست ترفًا زائدا على الحاجة،بقدر ما هي ضرورة يمليها تدفق المعنى أثناء الكتابة .
كما أود أن أشير إشارة خاطفة إلى كثرة الأخطاء الأسلوبية والنحوية واللغوية والإملائية والطباعية، فهي بلا شك تؤثر على القَوَام الجمالي للنص القصصي، فهي بمثابة الشحم الزائد الذي يسيء إلى جمال اللغة، ومتن القصة، مما يعيق حركتها وانسيابيتها ورشاقتها !
رابعا: تعددت مستويات حضور المكان في القصص، ضيقا واتساعا، انفتاحا وانغلاقا، ففي نص (الانتصار) دار الحدث على (شاطيء بحيرة) في مدينة بشتني في جمهورية سلوفاكيا، بما تمليه دلالات المكان من السعة والتدفق والانفتاح والجمال، فهي مدينة جميلة للسياحة الصحية، وقد يكون المكان (مدرسة) كما في نص (لم يمت)، ونص (بقايا خبز)، فيدور الحدث داخل مدرسة للبنات، بما يعنيه من دلالات الانغلاق والمراقبة والتدقيق في كل شيء، كما يوجد إشارة خاطفة في نهاية القصة إلى (الأحياء الراقية)، مما يوحي بأن مكان الحدث هو المدينة وليس القرية، وهذا يفرضُ أنّ في المدينةِ أمكنةً أخرى يسكنها البؤسُ والفقر المدقع، وهذا يشي بالتفاوت الطبقي والاجتماعي والمعيشي الذي رصدته القصة، وهو من أروع ما في المجموعة من لمحات قصصية فائقة التصوير، وقد يكون المكان (مجمعا تجاريا)، أو (مقهىً) كما في نص (سذاجة رجل)، وقد يكون (صالة سفر) في أحد المطارات كما في نص (وداعية)، وقد يكون المكان (حاوية القمامة) كما في نص (الزُّبالة)، وقد لا يحدد الكاتب مكانا ولا زمانا كما في نص (جدي) !! وهذا أيضا من ملامح القصة التي تستحق وقفة نقدية توضح دلالات المكان، وعلاقته بالحدث والشخصية !!
---------------------------------------------------------
سأنتقل الآن للتعليق على النصوص القصصية قصةً قصةً، متوقفا عند ما أمكنني رصده من ملاحظاتي الانطباعية القابلة للنقاش:
1ـ نص (الانتصار)
رغم ما يطغى على النص من تقريرية تشبه الحدث اليومي المعاد المكرور إلا أن الكاتبَ استطاع رصد لحظة إنسانية رائعة من خلال بطلة القصة (غادة) المتوجعة المحبطة الحزينة المكلومة التي لم تستطع الطبيعة الخلابة من حولها كما يقول لنا الكاتب أن تشغلها عن حزنها وألمها .. لقد صور لنا الكاتب الأسى الذي يمزق قلب (غادة) المجروحة في كبريائها الأنثوي من خلال عشقها المحطم، وتنكر هذا الحبيب لكل شيء؛ حتى لحالتها الصحية بعد الحادث الذي سبب لها (الإعاقة) !!
إن الموضوعة الأساسية في القصة هو (تحدي الإعاقة)، والانتصار على الحزن والألم والإحباط من خلال التحول المفاجيء في تيار الوعي لدى (غادة) من تهاوي إرادتها إلى يقظتها من جديد، وهي تتأمل حركة الكون، فالكون في حالة حيوية وحركية دائمة لا يتوقف، فعليها أن تكون كائنةً حيةً كبقية الكائنات، وعليها أن لا يتوقف ولعُها بالحياة .. باختصار عليها أن تتحدى كل المعوقات: هزيمةَ خطيبها أمام إعاقتها، شعورَها القاسي بالإعاقة، إحباطَها حزنها ألمها .. كما أن عليها أن تستجيبَ لهذا التحدي (الذي أسماه الكاتب انتصارا في عنوان القصة) بإرادتها، عليها أن تستجيب لروعة الحياة، لولعها بالكون والكائنات؛ ولهذا هي ستبدأ من جديد، ويكتمل عنفوان هذا التحدي بالسفر خارج الوطن للدراسة والتعلم، وتحقيق الأحلام، إنها الهجرة من أجل حياة أخرى، متناغما هذا الموقف منها مع المثل الإنجليزي Lifeis always other place ، ومع المقولة المفعمة بالأمل:" أجمل هندسة في الكون أن تبني جسرا من الأمل فوق نهر من اليأس" !!
لقد أجاد الكاتب في هذه القصة في تناول فكرته، وفي اختيار بطلته في أن تكون امرأة، وفي إثارة موضوعةِ (تحدي الإعاقة)، وتحقيق الذات، والانطلاق من جديد نحو بناء الحياة، وعدم الالتفات للوراء . والكاتب هنا قد أجاد معالجة موضوعه، ولم يسلمنا إلى اليأس، بل فتح شباكا للأمل لنا، ولبطلة القصة !
فنهاية الحب أو الفشل في علاقة ما؛ لا يعني نهاية الحياة، بل هناك فرص كثيرة للإنسان في تحقيق ذاته من خلال بنائها من جديد، وعليها أن تنهض كما طائر الفينيق من تحت الرماد .
لم تسلم هذه القصة من الاستطراد في وصف المكان (شاطيء البحيرة)، فقد أسهب الكاتب في وصفها في ثلاثة مقاطع من القصة، مما طغى على بقية أحداث القصة .
كما أن القصة لم تسلم من تدخل السارد في أحداثها دون شعور منه، ومثل واحد يكفي، يقول الكاتب:" اختارتْ بإرادتِها حياةً جديدةً، فقررتْ شطبَ مَنْ يدّعِي الحبَّ والحنانَ، ويتمسكُ بالمباديءِ (...) وأنْ تبدأَ الكفاحَ العلميَّ؛ لتنالَ أعلى الدرجاتِ العلميّةِ؛ لتسخرَها لخدمةِ الوطنِ، وتثبتَ للعالمِ بأنَّ الإعاقةَ هي إعاقةُ العقلِ والفكرِ " ، فبطلة القصة هي التي تختار، وليس الكاتب؛ ولذا من الدقة أن يكون التعبير على لسانها، فهو أكثر لصوقا بالتحدي، وانسجاما مع أحداث القصة، لا مع ما يريده كاتبها .
2ـ نص (بقايا خبز)
في هذه القصة الحدثُ يوميٌّ، وقد استسلم الكاتب في سرده إلى تدوينه كحدث يومي، لم يعالجه معالجةً قصصيةً كما في قصة (الانتصار)، في هذا النص إشارة خاطفة إلى الفارق الطبقي، والهموم المعيشية، التي تعيشها الأسرة في المدينة التي تدور أحداث القصة فيها، هناك من يقدم الطعام للحيوانات، وهناك من يأكل بقايا الطعام من فقره وجوعه، وفي القصة نزعة ناقدة لهذه الظاهرة، ولكنها نزعةٌ متواريةٌ خجولةٌ، أو لنقل على استحياء .. !!
وهذا اللون من القصص الواقعي قد أجاده الكتاب الواقعيون في القصة العربية، مثل: محمود تيمور، ونجيب محفوظ .
3ـ نص (سذاجة رجل)
هذه القصة تعبر عن واقع اجتماعي معاش هذه الأيام، وهي ترصدُ التوترَ الاجتماعيَّ حيال العلاقة بين الجنسين، وهذه هي فكرةُ القصة الأساسية، وهو موضوعٌ جدليٌّ لدى كتابِ القصة في أدبنا المحلي، وقد قَلَبَ الكاتبُ المسلمةَ الاجتماعيةَ التي تؤكد بأن الاحتيال هو من صنع الرجل، فالمرأة أيضا محتالة (كما أنها صاحبة كيد) كما تقول لنا القصة، يلاحظ على النص بأن المعالجة القصصية لم تكن بحجم جدلية الموضوع واشتباكه في المجتمع، لم يقنعني الكاتب بأن رجل الأعمال المرموق المجرب يقع بهذه البساطة في احتيال امرأة مكشوف حتى لفتيان الثانوية .
أقترح أن يكون عنوان النص (احتيال امرأة)، وليس (سذاجة رجل)؛ لأن الحدث يدور حول فكرة الاحتيال المكشوف أكثر من أي فكرة أخرى، وأيضا فكرة الاحتيال هنا هي المدانة، وليست السذاجة التي لا يتقنها رجال الأعمال خصوصا المرموقين .
4ـ نص (الطيف)
فكرة النص الأساسية البحث عن الحب المفقود، وهذه موضوعة رومانسية جذابة، ولكن الكاتب لم يستثمرها في النص بالشكل المناسب؛ ولذا افتقد النص عنصر المتعة والإدهاش، أعجبتني جدا فكرة (انتظار مجيء الطيف)، والتعلق بأهدابه، من الممتع أن يكون بطلُ القصةِ (طَيْفًا)، أو (خيالا)، أو (سرابا)، وفي هذا تشخيصٌ جميل للمجردات، يقول الكاتبُ:" كنتُ أبحثُ عن حبٍّ يفوقُ حبَّ قيسٍ وليلى؛ حبٍّ يتعدى الأحلامَ؛ حبٍّ لم أرهُ في حياتي، تخيلتُ وجودَها أمامي، عشتُ معها وسطَ أحلامٍ ورديةٍ، حاولتُ الإمساكَ بها، وإذا هي سرابٌ "
لم يتخلص النص من الإنشائية الرومانسية، مثل تكرار الكاتب حديث الأحلام الوردية، كما لم يتخلص من حديث الخواطر اليومية، المشغولة بالحدث اليومي لا الحدث القصصي !
5ـ نص (الجائزة)
فكرة القصة الرئيسية نكران الجميل والجحود حسب ما يبدو لي، وهذه أيضا من الظواهر الاجتماعية التي يلاحظ اهتمام الكاتب بها، ولكن لم يزل النص متأبيا، أو منغلقا !!
إن القصة رغم قصرها البالغ قد حشد الكاتب بين أسطرها أفكارا شتى، ومشكلات اجتماعية وثقافية مختلفة، كالطلاق وما يتبع ذلك من أزمات أسرية كالضياع الذي تومئ إليه الرواية الفاشلة، وأيضا كالإفلاس الأدبي الذي هو من توابع الإفلاس الأخلاقي الذي أومأ إليه الكاتب إيماءة خفية حين يكون التكريمُ طلاقًا، أو ما يشبه الطلاق .
6ـ نص (وداعية)
استهل الكاتب نصه بكلمات من أغنية عبدالكريم عبدالقادر، وهذا يُحمّلُ النص تضمينا مبطنا بمعاني الأغنية وموسيقاها، وهذا النص رتيبٌ في صياغته، يفتقد عنصر التشويق والإدهاش القصصي، وهو عبارة عن بحيرة لغوية من الألفاظ والجمل المفككة التي لا يجمعها رابط، جملٌ موزعة على الأسطر، ومبتورة المعاني، لا يجمعها سياق أدبي دافق، وقد عددتها من أدب الخواطر اليومية مع بعض المعالجة والاهتمام من الكاتب .
7ـ نص (رحل)
ليس لدي أي تعليق على هذا النص، ولا أدري لماذا !!
8ـ نص (لم يمت)
يعالج النص فكرة الحب من طرف واحد، الأنثى تحبُّ بجنونٍ رجلاً لا يعيرها اهتمامًا، وهذا نوع من الاغتراب الروحي في مجتمع لا يقدر الحب، بل يصمه بالشك وسوء الظن والاستهزاء، واستسلمت بطلة القصة لهذه الوساوس الاجتماعية، ولم تدافع عن حبها سوى بالصُّراخ .
يفتقد النص رغم اتكائه على موضوعة الحب إلى الإقناع والتشويق، أسلوب المعالجة كانت سطحية، كما أن الصياغة تخلو من إشراقة الأسلوب القصصي الماتع .
9ـ نص (الزُّبَالة)
يمتاز هذا النص بأنه نصٌ مفتوحٌ على دلالات عدة، وهو على إيجازه مكثفٌ من حيث الصياغة الأدبية، ويفتح الباب للحديث عن مفهوم القصة القصيرة جدا، أو القُصَيصة .
النص يتناول فكرة لا يكثر الحديث عنها؛ لأنَّ الحديثَ عن القُمامات أو الزُّبالات فكرةٌ مرذولةٌ اجتماعيا وأدبيا، ولكنّ الكاتبَ في تناوله هذا أضاف إلى أفكار قصصه فكرة غير مطروقة، وهذا يضاف إلى اجتهادات الكاتب .
إن لفظة الزّبال في اللغة لها ظلالٌ اجتماعية مستقذرة، ولكنّ الزّبالَ ـ في الواقع ـ له تجربة يومية يمكن أن تكونَ موضوعَ روايةٍ بكاملها، فهو ـ أي الزبال ـ يرصد نبض المجتمع من خلال زُبَالاتهم اليومية، وحاويات قُماماتهم، ويمكن أن يُستدل من خلال القمامة على فقر المجتمع أو غناه، كما يمكنه أن يُتعرف على رقي المجتمع أو تخلفه، ومعرفة مستواه المعيشي والثقافي والاقتصادي .
بطل القصة ليس له حضور مباشر في القصة، وبدأ كأنه غائبا أو مغيبا، واستخدم الكاتب أسلوب الوصف لحالته وهيئته: " عاش متسكعًا بين أكياس الزُّبالة "، فكلمة (متسكعا) تعبر تمام التعبير عن الحالة، وليس عن شخص بعينه .
إنّ التسكع بين أكياس الزّبالة عملٌ يومي طيلة ثلاثة عقود من الزمن، إنه تعبير عن مجانية الحياة وتفاهتها بين بقايا الناس وزُبالاتهم .
إن هذا النص على إيجازه صرخة في وجه التفاهة والتناقض الاجتماعي !!
10ـ نص (جدي)
هذا نص قابل للتأويل، إن الاختفاءَ ـ من وجهة نظري ـ هو بطل هذه القصة، وهذا إضافةٌ ماتعة في النص، هناك متعة أخرى في هذا النص هو إيجازه اللفظي حد الاختفاء أيضا، هذا النص هو سطر، ولكنه حكاية عمر !!!
نص موجز ومكثف ومفتوح على دلالات كثيرة، قد يعده أحدهم نكتة، وقد يعده الآخر قصة قصيرة جدا .. أما أنا فسأعده لتربية ذائقتي على القول الجميل الموجز المتقد بالحضور رغم شدة الخفاء .



رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
جابر عبدالله الخلف
27 رجب 1432هـ

_____________________
1ـ من كلمات القاص العربي الرائد محمود تيمور، من كتابه الرائع (القصة في الأدب العربي):
" تعبير القاص عن القيم الإنسانية، ومثلها العليا لا يتحقق وجوده إلا في إطار فني يتميز بالجدة والابتكار؛ ليتسنى له التأثير المنشود "
" القصة في مقدمة الفنون الأدبية التي نحقق بها تلك الغاية الفضلى، في إطارها نعالج مشكلات الإنسانية بإيحاء متحرر مكين من عقليتنا وفلسفتنا، وبهداية قويمة مستمدة من وجداننا وروحنا؛ حتى يتبين العالم المتحضر في أدبنا القصصي المتطور خلقا جديدا يسفر فيه وجه العروبة الطلق، ويتضوع منه عبير الشرق العريق "
" القصة مرآة عصرها .. !! فإن لم تكن كذلك فهي تزوير على الأدب عامة، وعلى الفن خاصة، بل هي كذلك تزوير على المجتمع .. فهي ناصعة الدلالة على المجتمع، صادقة التصوير لمعالمه وسماته في مختلف أنماطه .. وهي عمل أدبي لونٌ من التعبير عن الحياة والمجتمع "
2ـ أذكرني نص (الزُّبالة) بنص جميل للشاعر جاسم الصحيح، بعنوان (قراءة في حاويات القمامة)، يقول فيه:" تَشُدّني حاوياتُ القُمامةِ من بصيرتي كلما عبرتُ الشارعَ (...) القُمامةُ هي خلاصةُ ما نعملُه طَوالَ اليومِ، هي إذنْ حقيقتُنا المجردةُ من غمدِ الواقعِ ننفيها إلى الخارجِ مخافةَ أن نصطدمَ بها في الداخلِ فنتهشم . القُمامةُ هي الطبقةُ المنبوذةُ في مجتمعِ المائدةِ؛ لذلك دائمًا ما يراها المارةُ نائمةً في الطرقاتِ، هي طبقةٌ ليس لها غلافٌ يحمي، لكنها تدافعُ عن نفسها حينما تُهملُ .. تذكروا أيها المنبوذون حتى القمامة تدافعُ عن نفسها حينما تُهمل: تستنبتُ الجراثيمَ لحراستها، والأوبئةَ للدفاع عنها ... " !!

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 17-07-2011, 12:04 AM   رقم المشاركة : 6
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

الورقة النقدية الثالثة: القاص عبدالله الوصالي
رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل


نبذة عن القصة القصيرة:
جميع الشعوب قد عرفت عبر مراحل تطورها أجناساً أدبية كثيرة ابتداءً بالملاحم والأساطير والأمثولات والسير الشعبية ثم المسرح والرواية. والحكي خصيصة إنسانية نشأت مع الإنسان في مختلف المجتمعات. أما القصة بشكلها الحديث فقد ظهرت أول ما ظهرت في أوربا في القرن التاسع عشر الميلادي. ويعتقد الكثير من النقاد أن قصة المعطف لقوقول هي النموذج الأول للقصة القصيرة.
وفي عالمنا العربي فإن القصة القصيرة بمفهومها العام نشأت مع الإنسان العربي في مجتمعه الأول في الجاهلية و بعد ظهور الإسلام، فنحن نقرأ في القرآن الكريم قصص مثل قصة مريم وقصة يوسف والخضر عليه السلام وأحاديث الرسول كذلك مثل قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الكهف...إلخ
أما ظهورها كنوع أدبي مميز في عالمنا العربي فلم يبدأ بشكل واضح إلا مع بداية القرن العشرين وذلك بعد ظهور الطبقة الوسطى في دولنا الحديثة (طبقة الموظفين البرجوازيين وهذا يعني بروز الفرد والاعتراف بدوره وكيانه في المجتمع) اجتماعياً ثم ظهور المطبعة والصحافة كتطور تقني.

مميزات القصة القصيرة:
1- الكثافة والإيحاء والحيوية.
فالقصة القصيرة تستخدم أقل التفاصيل الضرورية والقليل من الكلمات لفهم الحدث.
2- وحدة الانطباع أو وحدة الأثر المساحة القصيرة نسبياً المتاحة للقصة القصيرة فتجعلها لا تتسع لتعدد الشخصيات وتنوع القضايا. وهي في الغالب تتعاطى مع مشكلة واحدة.
3- ذات بداية سريعة. قد تضعك في الأزمة مباشرة و من ثم تحتاج أن تتجه زمنياً إلى الوراء أو قبل أن تنتهي القصة.
4- العمل الأدبي الفني ومن ضمنه القصة القصيرة غير معني بتقديم الحلول و لكنه حتماً معنيٌّ بتجديد الأسئلة و طرحها على الأذهان من جديد.
تختلف القصص المقروءة لهذه الليلة في جودتها و اقترابها من هذه المميزات الإيحاء و استخدام المجاز والنهايات المفتوحة هي من خصائص القصة القصيرة الحديثة ولكن يجب التعامل معها بفن ودراية و إلا لن يستطيع الكاتب الاستمرار في التوهج.

اللغة: تبدو لغة قصص جاسم الجاسم التي تناولها هذا المساء ذات طابع مباشر يحتل الكثير منها الشجن والرغبة في جلب تعاطف القارئ .
وسنتناول باختصار تلك القصص لأن المهم هو فتح باب النقاش و التأويل.
رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل


في قصة الانتصار تحكي قصة خذلان تمر به فتاة إسمها يتخلى عنها حبيبها بعد إصابتها بعجز لم توضح القصة سببه أو طبيعته لكنه على أية حال ليست إعاقة ذهنية و هي الأخطر فتتفوق على إعاقتها العضوية وتصبح دكتورة لكن مشاعرها تظل متناقضة كما تصورها لنا القصة ويبرز سؤال تلقائي هو لماذا اختيار المكان في سلوفاكيا؟ والقصة كما سمعناها مباشرة و متفائلة. و ترينا القصة كيف أنها أي البطلة في مكان أشبه بالجنة إلا أن (الإحباطات تشدها إلى هوة عميقة) كما تقول القصة لكنها تتفوق على نفسها وتحرز شهادة دكتوراه في علم الفضاء!!

في بقايا خبز نرى فتاة فقيرة تكنـز في شنطتها بقايا فسح الطالبات على حين غفلة من الجميع تشك فيها المدرسة أنها تسرق فتفتش الإدارة شنطتها فتجد البقايا المكتنـزة، لكن القصة تخبرنا بكل شيء تقريباً حتى عن ندم المدرسة وتساؤلاتها عن الفروقات الاجتماعية بين الغني والفقير! الملفت في القصة و كما ذكرنا سابقاً في أثناء حديثنا عن مميزات القصة القصيرة يجب الاقتصاد في اللفظ والتكثيف لطبيعة القصة القصيرة، أقول الملفت أن الأسماء هنا لها معاني منسجمة مع نمط القصة فالطالبة المتهمة بالسرقة هي في الحقيقة عفاف، والمشرفة التي أمسكت بها هي عواطف، كما ان المديرة هي سهام بمعنى أنها ذات نظرات سهمية لا تخفى عليها شيء.

في سذاجة رجل يحاول القاص استخدام تقنية الفلاشباك أو تقديم حدث لا حق على حدث سابق فسميرة المتزوجة أصلاً تغري رجلاً آخر فيقوم بخطبتها!! هناك غرابة في الحدث ولا منطقية في الحدث. و نرى سذاجة رجل الأعمال الذي يفترض أن يكون ذكياً و إلا كيف أصبح رجل أعمال؟ نراه مستلباً ينفذ حرفياً ما تطلبه منه سميرة. الأحداث تمد في زمن القصة كما أن هناك عدم وضوح في دور الأسرة فهل هي متواطئة أو غير ذلك؟

رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

لم يمت: تعتبر هذ القصة هي الأقرب إلى القصة القصيرة فهي تحتفظ بسرها إلى لحظة التنوير كما أنها تحوي وحدة الأثر. وتضعنا القصة مثل المحيطين بالفتاة في تساؤل عما أصابها ومن يكون ذلك الأربعيني المترف لنكتشف في آخر القصة أنها تحسبه أباها أو يخيل لها أنه أبوها الذي قيل لها أنه مات. والقصة هنا شأن القصص القصيرة الجيدة لا تدخلنا في لماذا ادَّعوا أنَّ أباها مات و هل هو أبوها أم لا؟. لكن المهم هو مشاعر البنت التي هي في حاجة إلى حنان الأب وإحساسها بالفقد والفراغ الذي لم يتم ملؤه حتى الآن وإذا أمكننا الحديث جدلاً عن إكمال للقصة فنحن مستقبلاً سنرى فتاة تقع في حب رجل أكبر سناً منها وسترفض المتقدمين من أقرانها من أجل ذلك.

الطيف: يأخذ السرد في هذا النص طبيعة اللغة الشاعرية وحالة حب مع طيف غير محدد الهوية وحين نعلم أن المكان الذي كتبت في القصة هي دولة سلوفاكيا بما تحويه من جمال وغربة للكاتب نعي أهمية النص والحالة الشعورية التي أدت إلى إنبثاقه. ويأتي الاستشهاد بقيس وليلى ليضفي على نص بالإضافة إلى لغته مسحة عذرية فمن بين العديد من قصص الحب كعبلة و عنتر، و عزة و كثيّر فإن قصة قيس و ليلى هي الأكثر سمواً وروحانية.

الجائزة: و هي من النصوص القصيرة نفهم من النص أن هناك حالة جحود ونكران من رجل لزوجته فقد طلقها بعد أن حققت له تاج الإبداع الأدبي كما تقول القصة و التاج هنا ليس تاجاً مادياً لكنه ربما يعني المكانة الإبداعية في الوسط الثقافي لكن الملفت تقرير الكاتب بأن لديه رواية فاشلة عنوانها (الضياع وقصة العجوز) ونتساءل هنا هل المقصود هنا بالعجوز الرجل الجاحد، و هل الرواية الفاشلة كانت قبل أن يتوجه تاج الإبداع الأدبي ثم ما هي تلك الثلاث كلمات التي كتبت على ورقة صفراء؟

الزبالة: وهي مما بات يسمى حالياً بالقصة القصيرة جداً وهو فن قادر على ادهاشك في بضع كلمات لكنه لا يتقيد بفن القصة القصيرة حتى ذلك الذي تكرس في السنوات الأخيرة. و القصة هنا تخبرنا بشخص عاش ينقب عن بقايا لمدة 30 عاماً هكذ تقول القصة دون أن تحدد البقايا وحين مات خلف أكواماً من الورق لورثته وينتهي النص دون أن ينتهي السؤال و التأويل فما هو الورق المتكوم على مدى 30 سنة؟ هل تحكي القصة القصيرة جداً هذه حكاية البخلاء التي نسمع بها كثيراً عن تقتيرهم وتركهم لثروات حال موتهم؟ ثم إن استخدام كلمة ورق مجردة من أي إضافة تجعل الباب مفتوحاً للتأويل ولو قال الكاتب ورق البنكنوت أو دولارات لانتهت القصة مع تلك الكلمات وأصبحت نسياً منسياً.

وداعية: قصة جميلة تتحقق فيها مميزات القصة القصيرة فهي مكثفة محددة المكان تعطي وحدت الأثر.كذلك نرى هنا نموذج للقصة القصيرة ذات النهاية المفتوحة. من جانب التأويل نرى أن أغنية وداعية التي اختارتها الفتاة كنغمة لهاتفها الجوال منذرة منذ البداية بما سيؤول إليه المشهد القصصي في النهاية و الراوي هنا يقترب ثم يبتعد من المشهد في ثلاثة مستويات في صالة المغادرة ثم في الطائرة ثم في قاعة الوصول وتترك القصة فينا شأن كل قصة قصيرة جيدة.تعاطفاً مع هذه المرأة التي خاب أملها.

جدّي: نص من ثمان كلمات يمكن الحديث عن طبيعة الفأل الذي يتضمنه النص فغالباً ما ينهانا الأهل عن الفأل السيئ خوف تحققه مما يعتبر صراع للثقافات مع الغيبيات، يمكن أن نفترض أن الراوي هنا طفل يستجيب لرغبة الكبار في عدم النطق بالمحاذير حتى لا تقع، لكنه راح يكتب هواجسه على الورق وهذا الذي كان يتنظره المحذور ليتحقق على أرض الواقع.
وهذه هي مشكلة القصة القصيرة جداً تكون في غالبها أجنة مجهضة لقصص قصيرة لو اشتغل عليها بشكل جدي لأمكن استخراج قيمة فنية أدبية رائعة.
رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 22-07-2011, 06:52 PM   رقم المشاركة : 7
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

مداخلات سريعة

1- صالح محمد الغانم
استمعت قصة في مدينة الدمام من لسان كاتبها، العم أبي فيصل في بيته المعمور بنفحات الأدب، فلاحظت على
التركيبة السيكلوجية لأبي فيصل؛ حبَّه للتراث، واعتزازه به، وثمرة ذلك أن الكاتب لم تأخذه المدنية بمتاهاتها
وتعقيداتها، فهو يعالج ظاهرة طالما اشتكى منها المجتمع، وهي الجرأة غير الأدبية في التعدي على حقوق المرأة،
والعكس في تجرِّي الإناث على حريم الذكور، فالكاتب يصف لنا كيف استسلمت تلك المرأة لبطل القصة
لقصور الاهتمام من قِبَل زوجها، فالقصة تضع شمعة أخلاقية تنير للمجتمع طرق الوحل من الطرق المعبَّدة.
إلا أن الكاتب قد انتهى لهدف قد لا يشبع المتلقي حيث أن العقدة لم تصل إلى الحل الذي يعتبر خلاصة الوعي.

(استفهام؟؟): بالنسبة لرواية (صالخين) إلى الآن يمتنع الكاتب عن طباعتها .. لماذا؟
فهي تحكي تاريخاً مهماً لمدينة الطرف وما في تلك الحقبة من عادات اجتماعية يحتاج لها أبناؤنا، ممَّا يعكس مقياساً حقيقياً
عن تحوُّل المجتمع من زمن إلى زمن.
وهل يمكن لهذه الرواية أن تكون مشروعاً تمثيلياً في مسلسل أو ما شابه؟
رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل



2- عيسى مبارك الربيح
في قصة (زبالة) خرجت بفكرة ما تدور حول بطل القصة، فهو شخص يشتغل طيلة عمره؛ ليحقق شيئاً،
لكنه حينما يصل إلى النهاية نكتشف أنه لم ينجز شيئاً.

رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل





3- حسين العلي (أبو تركي)
في هذه الليلة اكتشفت عالم أبي فيصل القصصي عن قربٍ، رغم معرفتي الطويلة به، كنت أعرف فيه الجانب الصحفي
والجانب التأليفي، إلا أنني في هذه الليلة تفاجأت بمجموعة قصصية لا تقل روعة عمَّا يُكتب ويُنشر من أقلام المبدعين.
هذه الجلسة هي أشبه بالاسترخاء، فنحن نعيش في عصر تجذبنا فيه ثقافة الصورة وعالم الإنترنت أكثر من أي
ثقافة أخرى وبالخصوص ثقافة الكتاب والكتابة، وجدت هنا مجموعة من الشباب استطاعت أن تهرب من زحمة الوقت
وتتفلت من هذا التسارع لتجد لنفسها وقتاً للاسترخاء تناقش فيها أفكارها على روية، بمنأى عن الضجيج والفوضى
التي أخذت الثقافة الحقيقية والمعمَّقة إلى طرق مجهولة.
أشكر منتدى السهلة الأدبي على دعوته ..
وأغنتم الفرصة هنا لأدعو زميلي أبا فيصل لإقامة أمسية قصصية في ملتقى السرد.


رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل






رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

//

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 04:37 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد