العودة   منتديات الطرف > الواحات الإسلامية > ۞ ۩ ۞ الواحة الإسلامية ۞ ۩ ۞




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 28-12-2015, 11:29 AM   رقم المشاركة : 1
زكي مبارك
مشرف مكتبة المنتدى






افتراضي تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

تنزيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)

لعل من المهم أن نلتفت إلى مسألة تنزيه الأنبياء عن كلّ شائنة تُلصق بهم، إما من خلال روايات ضعيفة، أو تأويل نص لا يتناسب مع شخصياتهم (عليهم السلام)، ولذا صنّف علماء الإسلام في هذا الصدد مصنّفات منفردة في هذا الباب، أو ذكروها ضمن تصانيفهم حينما يأتون على مثل هذه الأمور المرتبطة بشخصياتهم ومقاماتهم (عليه السلام).
أما ما يرتبط بشخصية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) فما أحوجنا إلى أن نتعرّف على القضايا المرتبطة بشخصيته (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى نتمكن من سبر أغوارها وتثبيت عقيدتنا تجاه كل ما جاء به عن معرفة لا عن تقليد.
فما أتى عن تقليد أعمى فلن يستقر حين تباغته أدنى شبهة، وما أتى عن وعي ومعرفة فلن تزحزحه براكين الأرض، فالاعتقاد عن معرفة حريٌ به أن يكون مبنياً على أسس علمية وقواعد متينة شأنها ترسيخ رابطتنا بكل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).
سأحاول تناول آية واحدة من كتابه العزيز، حيث التطرّق إلى كل قضية مرتبطة بشخصه تحتاج إلى سعة من الوقت والجهد، وهنا لستُ بصدد الحصر وإنما الإشارة.

قال تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى).
ينبغي الإشارة إلى أنّ السورة مكّية لاعتبارات سنأتي على ذكرها ولو بالإشارة.
للوهلة الأولى عند من يقرأ القرآن الكريم سيفهم البعض أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان ضالاً، أي: لم يكن على شريعة إبراهيم (عليه السلام) الحنيفية، وإنما كان من أهل الشرك، وهذا من الاعتقادات الخاطئة التي ضربها علماء المسلمين سنة وشيعة.
وقد حدا بالمفسّرين الغوص في أعماق القرآن الكريم، ومنها هذه الآية الكريمة التي وقفتُ حتى الآن على أكثر من (25) وجهاً في تأويلها، فبعض هذه التأويلات صالحة للاستشهاد وبعضها الآخر لا يصح.
وقبل أن تكون صالحة للاستشهاد أو غير صالحة، علينا أن نمتلك ثقافة مبدئية تجاه القرآن الكريم، شأن هذه الثقافة أن تساعدنا في فهم القرآن الكريم، وأقصد بذلك: الثقافة اللغوية التي تعد من أهم الأدوات في فهم القرآن، ومعرفة مكيّه من مدنيّه، وناسخه من منسوخه، وغيرها من الأدوات التي تُعد من الأمور المهمة في معرفة القرآن الكريم.
وفي هذا الجو لا نغفل ولا نترك قراءة السيرة النبوية المذكورة في كتب التاريخ، باعتبارها مساهمة في تحليل بعض المواقف، وكذا الروايات الصادرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وكذا روايات أهل البيت (عليه السلام) التي تحدثت عن شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلّم) وروايات الصحابة التي تعد كلها من المصادر المهمة في هذا الصدد.

أقول: وقفت حتى الآن على أكثر من (25) قولاً في تأويل (وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى)، وهي على النحو التالي بشكل ميسّر، والفائدة نستقيها من الأخوة الأعضاء.

الأول: ضالاً بمعنى غافلاً عمّا يراد بك من أمر النبوّة، فهداك، أي: أرشدك، فالضلال يعني الغفلة، قال تعالى (وإن كنتَ من قبله لمن الغافلين).
ذكر هذا المعنى القرطبي والبغوي والطبرسي والرازي في تفاسيرهم والمرتضى في تنزيه الأنبياء.

الثاني: ضالاً بمعنى لم تكن تدري القرآن والشرائع فهداك الله إلى القرآن وشرائع الإسلام، قال تعالى (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان).
ذكر هذا المعنى القرطبي والبغوي والزمخشري والطوسي والطبرسي والرازي والألوسي في تفاسيرهم والمرتضى في تنزيه الأنبياء.

الثالث: ضالاً بمعنى في قومٍ ضُلاّل فهداهم الله بك.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

الرابع: ضالاً بمعنى ضالاً عن الهجرة فهداك إليها.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

الخامس: ضالاً بمعنى ناسياً شأن الاستثناء حين سُئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فأذْكرك الله سبحانه.
قال تعالى (أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى).
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره، وكذا الطبرسي بمعنى (الذهاب عن العلم). وهو اختلاف الشاهد مع اتحاد المعنى.

السادس: ضالاً بمعنى وجدك طالباً للقبلة فهداك إليها. قال تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء).
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

السابع: الضلال بمعنى الطلب؛ لأن الضال طالب.
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره.

الثامن: ضالاً بمعنى وجدك متحيّراً عن بيان ما نزل عليك، فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى التحيّر؛ لأن الضال متحيّر.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي والطبرسي في اختلاف شاهد التحيّر حيث ذكر الطبرسي متحيراً لا تعرف وجوه معاشك فداك إليها وقد قال بهذا القول المرتضى في تنزيه الأنبياء.

التاسع: ضالاً بمعنى ضائعاً في قومك فهداك إليهم، فالضلال يعني الضياع.
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره.

العاشر: ضالاً بمعنى محباً للهداية، فهداك إليها، فالضلال يعني المحبة. قال تعالى (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) أي: في محبتك.
قال الشاعر:
هذا الضلال أشاب منّي المفرقا = والعارِضَين ولم أكن متحققا
عجباً لعَزَّةَ في اختبار قطيعتي = بعد الضلال فحبلها قد أخلقا
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

يتبع

زكي مبارك

 

 

 توقيع زكي مبارك :
تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)
الضربات التي لاتقصم الظهر فإنها تقوي
زكي مبارك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-12-2015, 11:30 AM   رقم المشاركة : 2
زكي مبارك
مشرف مكتبة المنتدى






افتراضي رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

الحادي عشر: ضالاً بمعنى ضالاً في شعاب مكة فهداك وردّك إلى جدّك عبدالمطلب (وهي قصة ضياعه في شعاب مكّة فوجده أبو جهل إلى جده عبدالمطلب) وهي قصة ذكرها كثيرٌ من المفسّرين.
ذكر هذا المعنى القرطبي والطبرسي والألوسي.

الثاني عشر: ضالاً بمعنى ضلّ الطريق حينما تلبّس إبليس بلباس البشر حين مسك بزمام ناقته (صلى الله عليه وآله وسلّم) في سفره مع عمه أبي طالب إلى الشام في ليلة ظلماء، فنزل جبريل فرده إلى القافلة.
ذكر هذا المعنى القرطبي والزمخشري والطبرسي والرازي والألوسي في تفاسيرهم.

الثالث عشر: ضالاً بمعنى أن ضاع أثناء رجوع حليمة به إلى جده عبدالمطلب، فطاف شيخٌ على هُبل وقبّل رأسه وطلب منه إرجاعه فسقط هبل على وجهه وتساقطت الأصنام، فذهبت قريش إلى عبدالمطلب فطاف بالبيت سبعاً وتضرّع إلى الله قائلاً:
يا رب ردّ ولدي محمداً = اردده ربي واتخذ عندي يدا
يا رب إن محمدٌ لم يوجدا = فشمْلُ قومي لكهم تبددا
فسمعوا منادياً ينادي في السماء: معاشر الناس لا تضجّوا فإن لمحمد رباً لا يخذله ولا يضيعه، وإن محمداً بوادي تهامة عند شجرة السمر، فسار عبدالمطلب وورقة بن نوفل فإذا بالنبي تحت الشجرة.
وذرك الرازي حديثاً مرفوعاً عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم): (ضللتُ عن جدي عبدالمطلب وأنا صبي ضائع، كاد الجوع يقتلني، فهداني الله).
ذكر هذا المعنى القرطبي والبغوي والزمخشري والطبرسي والرازي والألوسي في تفاسيرهم في حين أن الرازي ينقل بأن الذي توجه إلى هبل ليس شيخاً كبيراً وإنما حليمة بنفسها.

الرابع عشر: ضالاً بمعنى ضالاً ليلة المعراج حين انصرف عنه جبريل وهو لا يعرف الطريق فهداه الله إلى ساق العرض.
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره وكذا الرازي باختلاف يسير.

الخامس عشر: ضالاً بمعنى أنك تحب أبا طالب، فهداك إلى محبة ربّك.
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره.

السادس عشر: ضالاً بمعنى ضالاً بنفسك لا تدري من أنت، فعرّفك بنفسك وحالك.
ذكر هذا المعنى القرطبي والألوسي في تفسيريهما.

السابع عشر: ضالاً بمعنى وجدك متحيّراً في بيان الكتاب فعلمك البيان. قال تعالى (لتبيّن للناس ما نزّل إليهم)، وقال (لتبيّن لهم الذي اختلفوا فيه).
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره.

الثامن عشر: ضالاً بمعنى لا أحد على دينك وأنت وحيدٌ ليس معك أحد، فهديتُ بك الخلق إليّ.
وهذا المعنى كالشجرة المنفردة في فلاة الأرض لاشجر معها، فسُميت ضالة، فيُهتدى بها إلى الطريق.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي والألوسي في تفاسيرهم.

التاسع عشر: ضالاً بمعنى وجدك كافراً والقوم كفّار فهداك.
ذكر هذا المعنى القرطبي والطوسي والرازي والطبري في تفاسيرهم.

العشرون: ضالاً بمعنى وجدك مغموراً بأهل الشرك، فميّزك عنهم. قال تعالى: (أئذا ضللنا في الأرض)، أي: لحقنا بالتراب عند الدفن، حتى كأنا لا نتميّز عن جملته، ويقال: ضل الماء في اللّبن.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

الحادي والعشرون: ضالاً بمعنى وجدك الضالُّ فاهتدى بك، وهي من القراءات (ووجدك ضالٌ فهدى).
ذكر هذا المعنى القرطبي، وفنّده المرتضى في تنزيه الأنبياء بقوله: وهذا الوجه ضعيفٌ لأن القراءة غير معروفة؛ ولأن هذا الكلام يسمجُ ويُفسد أكثر معانيه.

الثاني والعشرون: ضالاً بمعنى لايهتدي إليك قومك ولا يعرفون قدرك، فهدى المسلمين إليك حتى آمنوا بك.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

الثالث والعشرون: ضالاً بمعنى أزال ضلالك عن جدّك وعمّك.
ذكر هذا المعنى الزمخشري في تفسيره.

الرابع والعشرون: ضالاً بمعنى مضلولاً عنك فهدى الخلق إلى الإقرار بنبوّتك والاعتراف بصدقك.
ذكر هذا المعنى الطوسي والطبرسي في تفسيريهما والمرتضى في تنزيه الأنبياء.

الخامس والعشرون: ضالاً بمعنى ضلّ دليلُه الطريق يوم الهجرة فأرشدهم الله إلى الطريق الواضح، وإن قيل السورة مكيّة أمكن القول: المراد بذلك الإعلام والاستقبال على وجه البشارة.
ذكر هذا المعنى الطوسي في تفسيره والمرتضى في تنزيه الأنبياء.

السادس والعشرون: ضالاً بمعنى فهداك إليه بإتمام العقل ونصب الأدلة.
ذكر هذا المعنى الطبرسي في تفسيره.

السابع والعشرون: ضالاً بمعنى عن معرفة الله تعالى حين كنت طفلاً، قال تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً) فخلق فيك العقل والهدية والمعرفة، وكذا المراد خالي عن العلم لا الموصوف بالاعتقاد الخطأ.
ذكر هذا المعنى الرازي في تفسيره.

الثامن والعشرون: ضالاً بمعنى ضالاً عن الضالين منفرداً عنهم مجانباً لدينهم، فكلّما كان بعدك عنهم أشد كان ضلالهم أشد، فهداك إلى أن اختلطت بهم ودعوتهم إلى الدين المبين.
ذكر هذا المعنى الرازي في تفسيره.

التاسع والعشرون: ضالاً بمعنى أنه حين ظهر له جبريل (عليه السلام) في أول أمره ما كان يعرف أهو جبريل أم لا، وكان يخافه خوفاً شديداً، وربما أراد أن يلقي نفسه من الجبل فهداه الله حتى عرف أنه جبريل (عليه السلام).
ذكر هذا المعنى الرازي في تفسيره.

الثلاثون: ضالاً بمعنى أنه وإن كان عارفاً بالله بقلبه إلا أنه كان في الظاهر لا يظهر لهم خلافاً، فعبر عن ذلك بالضلال.
ذكر هذا المعنى الرازي في تفسيره.

الحادي والثلاثون: ضالاً بمعنى أنه همّ بأن ينخرط في أعمال الجاهلية كضرب الدفوف والمزامير والمعازيف، فأكرمه الله تعالى بأن ضرب على أذنيه ولم يسمع شيئاً حتى أكرمه الله برسالته.
ذكر هذا المعنى الرازي في تفسيره.

الثاني والثلاثون: قال جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: كنت ضالا عن محبتي لك في الأزل فمننت عليك بمعرفتي.
ذكر هذا المعنى الألوسي في تفسيره.


يتبع

زكي مبارك

 

 

 توقيع زكي مبارك :
تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)
الضربات التي لاتقصم الظهر فإنها تقوي
زكي مبارك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-12-2015, 11:32 AM   رقم المشاركة : 3
زكي مبارك
مشرف مكتبة المنتدى






افتراضي رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،

مع كثرة الوجوه التي أتت في معنى (ضالاً) نلاحظ أن بعضها غير مقبول الاستشهاد وبعضها مقبول، وهذا ينبئ أن اللغة بحرٌ لا ساحل لها، وأن بعض المعاني يصحبها شاهد تاريخي أو قرآني أو نحو ذلك، وهذا مما لا ينبغي الخوض فيه إلا بعلم.
وقد رأيتم كيف فنّد العلامة المرتضى في تفنيد القراءة غير المعروفة (ضالٌ) وأنها لا تتناسب مع السياق القرآني وتفسد معانيه.
وإن سياق هذه المعاني يعطينا أن المسألة بحاجة إلى استيعاب وتفهم قبل الانخراط في تأويل كتاب الله بغير علم.
نعم .. ذكرت تلك الوجوه دون ترجيح رأي على رأي، إلا أننا بحاجة إلى الرجوع إلى أهل الاختصاص ما وسعنا ذلك، أو الأخذ بما يتناسب مع شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلّم) من خلال ثقافتنا التي بحاجة إلى تعزيز كبير حول تنزيهه (صلى الله عليه وآله وسلّم).

رأي السيد الطباطبائي:
ذكر السيد الطباطبائي في (الميزان) بعض الوجوه في بيان هذه الآية واستبعد غيرها لبيان الضعف فيها، وهي على النحو التالي:
- لا هدى لأي إنسان إلا بالله سبحانه وتعالى، فقد كانت نفسه في نفسها ضالة وإن كانت الهداية الإلهية ملازمة لها منذ وُجدت، فالآية في معنى قوله تعالى (ما كنتَ تدري ما الكتاب ولا الإيمان) ومن هذا الباب قول موسى على ما حكى الله عنه (فعلتها إذاً وأنا من الضالّين)، أي: لم أهتدِ بهدي الرسالة بعد.
ويقرب منه ما قيل: إن المراد بالضلال: الذهاب من العلم كما في قوله تعالى: (أن تضلّ إحداهما الأخرى)، ويؤيّده قوله: (وإن كنتَ قبله من الغافلين).
- وقيل المعنى: وجدك ضالاً بين النّاس لا يعرفون حقك فهداهم إليك ودلّهم عليك.
- وذكر قصة ضلاله من حليمة السعدية وضلاله في شعاب مكّة وفي مسيره إلى الشام مع عمه أبي طالب، ويرى بقيّة الوجوه الأخرى ضعيفة.
ولعل السيد الطباطبائي اختار الرأي القائل في (وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى) يعني: عند قومك "فهدى" أي: هداهم إلى معرفتك.


رأي الشيخ ناصر مكارم الشيرازي:
أما الشيخ ناصر مكارم في (الأمثل) فلا يبتعد كثيراً عن السيد الطباطبائي من حيث قبوله بالأوجه المناسبة لمقام النبوّة، حيث يؤكد أن الضلالة في (ضالاً) ليس نفس الإيمان والتوحيد والطهر والتقوى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، بل بقرينة الآيات التي تعني نفي العلم بأسرار النبوّة وبأحكام الإسلام وعدم معرفة الحقائق، وبعد البعثة اهتدى إلى هذه الأمور بعون الله تعالى.
وأتى على ذكر بعض الوجوه بنا يناسب المقام النبويّ، كأن يكون الضلال بمعنى: النسيان، وأن الله أنعم عليه من المواهب الفريدة مما جعله معروفاً في كل مكان بعد أن كان خامل الذِّكر، وعن قصّة ضلاله عند جده في شعاب مكّة وعن عمه في سفره إلى الشام وذكر بعض الوجوه المناسبة، واختتمها بقوله:
وإذا كانت كلمة (ضالاً) في الآية تعني (المفقود) فلا يبرز إشكال في الموضوع، ولكن إذا كانت بمعنى التائه فالمقصود منها عدم الاهتداء إلى طريق النبوّة والرسالة قبل البعثة، وأن كل ما كان عنده (صلى الله عليه وآله وسلّم) فمنّ الله سبحانه وبهذا يندفع كل إشكال.


رأي الشيخ جعفر السبحاني:
يضع السبحاني ثلاثة احتمالات تناسب مقام النبوّة في معنى هذه الآية، وما عداها غير مقبول.
1- الضال: من الضلالة ضد الهداية والرشاد.

أ- الضلالة صفة وجودية وحالة واقعية كامنة في النفس، توجب منصقتها وظلمتها، كالكافر والمشرك والفاسق. والضلالة في هاتيك الأفراد صفة وجودية تكمن في نفوسهم، وتتزايد حسب استمرار الإنسان في الكفر والشكر والعصيان.

ب - الضلالة أمراً عدمياً، بمعنى: كون النفس فاقدة للرشاد غير مالكة له، وعندئذ يكون الإنسان ضالاً بمعنى: أنه غير واجد للهداية من عند نفسه.
وفي الوقت نفسه لا تكمن فيه صفة وجودية مثل ما تكمن في نفس المشرك والعاصي، وهذا كالطفل الذي أشرف على التميّز وكاد أن يعرف الخير من الشر، والصلاح من الفساد.



الآية في صدد توصيف النعم التي أفاضها الله سبحانه على نبيّه يوم افتقد أباه ثم أمّه فصار يتيماً لا ملجأ له ولا مأوى، فآواه وأكرمه بجده عبدالمطلب ثم بعمّه أبي طالب فكان ضالاً في هذه الفترة من عمره. فهداه إلى أسباب السعادة وعرفه وسائل الشقاء.
تضافرت الآيات على هذا الأصل وأن هداية كل ممكن مكتسبة من الله سبحانه من غير فرق بين الإنسان وغيره.
قال تعالى: قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى 50. [طه].
قال تعالى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى 2 وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى 3 [الأعلى].
قال تعالى: ... وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ ... 43 [الأعراف].
قال تعالى: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ 78 [الشعراء].
قال تعالى: إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ 27 [الزخرف].
قال تعالى: قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ 50 [سبأ].

الحاصل:
إن الهداية في الآية تفسّر الهداية الواردة في قوله قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، وغيرها من الآيات الأخرى التي تفيد الاعتقاد بكونه ضالاً أي فاقداً لها في مقام الذات ثم أفيضت عليه الهداية من قبل الله سبحانه، وليس الضلالة المساوقة للكفر والشرك والفسق والعصيان.

2- الضلالة، تعني: الضياع .. من ضل الشيء: إذا لم يعرف مكانه، ومنها ما ذكره المؤرخون حول أنه ضل في شعاب مكّة وهو صغير فمن الله عليه إذ ردّه إلى جده، ولولا رحمته سبحانه لأدركه الهلاك ومات عطشاً أو جوعاً فشملته العناية الإلهية فرده إلى مأواه وملجأه.
3- الضلالة: مأخوذة من: ضلّ الشيء إذا خفي عن الأعين وغاب، قال تعالى: (أئذا ضللنا في الأرض)، أي: الإنسان المُخفى ذكره، المنسى اسمه. لا يعرفه إلا القليل من الناس ولايهتدي كثير منهم إليه.
ولو كان هذا المقصود يكون معناه: أنه سبحانه رفع ذكره وعرّفه بين الناس عندما كان خاملاً ذكره منسياً اسمه، ويؤيد هذا الاحتمال قوله تعالى: (ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك)، وهي عبارة عن هداية الناس إليه ورفع الحواجز بينه والناس، وعلى هذا فالهداية: هداية الناس إليه، ويدلل ذلك قول الإمام الرضا (عليه السلام): (قال الله عز وجل لنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلّم (ألم يجدك يتيماً فآوى) يقول: ألم يجدك وحيداً فآوى إليك الناس، (ووجدك ضالاً فهدى) يعني: عند قومك (فهدى) أي: هداهم إلى معرفتك.


انتهى

زكي مبارك

 

 

 توقيع زكي مبارك :
تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)
الضربات التي لاتقصم الظهر فإنها تقوي
زكي مبارك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 28-12-2015, 08:35 PM   رقم المشاركة : 4
حامل المسك
نائب المشرف العام
 
الصورة الرمزية حامل المسك
 







افتراضي رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)

أبا أحمد
موضوع ثري وجهد مبارك منك جعله الله في ميزان أعمالك

 

 

 توقيع حامل المسك :
رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)

رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى) رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)
عَلَّمَتْنِي الْحَيَاة..ان أَجَعَل قَلْبِي مَدِيْنَة..بُيُوْتِهَا الْمَحَبَّة..وَطَرِيْقُهَا التَّسَامُح وَالْعَفْو وَأَن اعْطِي وَلَا أَنْتَظِر الْرَّد عَلَى الْعَطَاء ..وَأَن اصَدِق مَع نَفْسِي قَبْل أَن اطْلُب مِن أَحَد أَن يَفْهَمُنِي ..وَعَلَّمْتَنِي أَن لاأَندُم عَلَى شئ وَأن اجْعَل الْامَل مِصْبَاحَا يُرَافقُنِي فِي كُل مَكَان وَأَن احْتُفِظ بِأَحْزَانِي فِي قَلْبِي وَأَن ارْسِم الْبَسْمَة عَلَى شَفَتِي حَتَّى لاأَحْزن الْنَّاس
حامل المسك غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 30-12-2015, 10:41 AM   رقم المشاركة : 5
زكي مبارك
مشرف مكتبة المنتدى






افتراضي رد: تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أخي وعزيزي أبا حسن

شكراً لمتابعتك .. الموضوع له مساحة أكبر من ذلك، وأرجو من منابرنا إشباع هذه المواضيع القرآنية بشتى صورها لإزاحة الشبهات عن الأنبياء عليهم السلام.

وينبغي أن يرتقي الخطباء بأطروحاتهم التي تناسب متغيّرات الفترة الراهنة ..

وتقبلوا تحياتي

 

 

 توقيع زكي مبارك :
تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)
الضربات التي لاتقصم الظهر فإنها تقوي
زكي مبارك غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 08:18 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد