العودة   منتديات الطرف > الواحات الخاصـة > منتدى السهلة الأدبي




إضافة رد
   
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
قديم 20-05-2014, 01:00 AM   رقم المشاركة : 1
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي فلسفة الفقه الأخلاقية في الأغسال الشرعية - صالح الغانم

بسم الله الرحمن الرحيم
و أصلي و أسلم على خير خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين
جاء في الأثر عن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم في دعائه لابن عباس :
(اللهم فقهه في الدين و علَّمه التأويل) "1"
الفقه لغة : الفهم والفطنة"2"، بمعنى فهم غرض المتكلم من كلامه، أو فهم الأشياء الدقيقة.
الفقه شرعاً : هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية."3"
أما موضوع الفقه"4" فهو : أفعال المكلفين من حيث تكليفهم بتحصيلها كالصلاة و الطهارة والصوم و بقية الواجبات أو بتركها كالزنا والقتل وبقية المحرمات أو تخييرهم فيها كالأكل و الشرب. وهو ما عُبِّرَ عنه بالأحكام التكليفية الخمسة عند الفقهاء.
انطلاقا من الحديث الشريف المذكور؛ نستوعب دعاء النبي صلى الله عليه و آله وسلم لابن عباس رضي الله عنه، بأن المطلوب من المسلم ليس إفراغ الذمة أمام الله سبحانه من تكليف معين فقط وفقط، كما يُعبِّرُ عن ذلك الفقهاء في قاعدتهم المشهورة : (الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني) .
إذ الملاحظ في رسائل الفقهاء في الغالب؛ نجدهم ركَّزُوا على الأحكام الإلزامية التكليفية والوضعية بشكل صرف، ولم يفتحوا صدور مؤلفاتهم للمستحبات إلا قليلا منهم اعتمادًا على قاعدة : (التسامح في أدلة السنن).
فكأن المهم على الفرد المسلم المؤمن أن يكون عمله طبق الأحكام التكليفية و الوضعية فارغ الذمة أمام المولى سبحانه وتعالى، بحيث لا يكون متعرضا لاستحقاق العقاب.
فإذا عمل المسلم بالواجبات وتجنب المحرمات، فقد نجى من عقاب الله ومؤاخذته وإلى هذا الحد يكتفي الفقيه. أما طلب الكمال و مراتب الثواب في الجنة فهذا أمر شخصي لا يهم التعرض له وإطالة الوقوف عنده.
إلا أن العقل يقول : من حقنا أن نطمع في المزيد من الدرجات المقربة من الله سبحانه، ولا يكون همنا عدم استحقاق العقاب فقط.
وهذا ما يتناقض مع كثير من النصوص والتعاليم المأثورة عن الأئمة المعصومين (ع) .
يقول السيد الشهيد الصدر الثاني : (وهو في الواقع يمثل هدف البشرية في كمالها، وهدف الشريعة في تربيتها، وهدف الشارع الأقدس؛ في إفاضته الرحمة الخاصة على المؤمنين، وليس الهدف الحقيقي هو مجرد النجاة من النار، بل هو دخول الجنة والتنافس في درجاتها)"5".
و بنظرة سريعة في كتب الأدعية و الزيارات نجد الكم الهائل من المستحبات المقربة كأعمال شهر رجب و شعبان و رمضان و ذي الحجة، وهنا ندرك بما لا يدع مجالاً للشك أن المؤمن يجب عليه تحصيل المستحبات و المسارعة في الارتقاء نحو الكمالات و علو الدرجات.
وهذا ما دفع به السيد الشهيد الصدر الأول في كثير من مؤلفاته في الفقه و الأصول إلى هذا الاتجاه، وكذا السيد محمد تقي المدرسي في كتابه : (التشريع الإسلامي، مناهجه ومقاصده) وكذا في رسالته العملية: أحكام العبادات؛ حيث نجد في طياتها الكثير من الأحاديث الأخلاقية الموجِّهة إلى فهم فقهي جديد لمسائل الشريعة .
وفي تصوري أن أكثر من كتب في هذا المجال ووضع أسسا متينة حول (فقه الأخلاق) هو السيد الشهيد الصدر الثاني في كتابه القيم
(ما وراء الفقه )ويقع في عشرة أجزاء- والذي لخصه في كتابه البديع : (فقه الاخلاق) في جزأين, استعرض فيه أبواب الفقه من الجانب المعنوي, حين بدأ تمهيده بسؤال جوهري : هل بين الفقه والأخلاق أية علاقة ؟ أم أنهما حقلين من حقول الحياة الاجتماعية غير مرتبطين ولا علاقة لأحدهما بالآخر ؟
ومن الوهلة الاولى سيأتي الجواب بالنفي، لتصور أنَّ هذين الحقلين منفصلين تماماً نظرياً وعملياً . لأن علم الفقه هو : علم التشريع .أما علم الأخلاق فهو : علم السلوك .
يقول السيد الصدر الثاني : (هناك علاقة وثيقة وحميمة بين علمي الفقه والأخلاق حتى كاد أن يكون أحدهما عين الآخر, وإن لم يكونا كذلك في كل التفاصيل )"6"
(إذن فالفقه مقدمة للمستوى الاخلاقي المتكامل, ومقدمة الشيء ليست غريبة عنه, بل هي منه بالحقيقة )"7"
وبما ان الفقه هو التشريع والأخلاق هي السلوك , فإن التشريع العادل أُوْجِدَ لأجل إيجاد السلوك الصالح الصحيح المؤثر في الجو المحيط بالإنسان المؤمن.
والآن نقف على قسم من الأقسام التي طرحها السيد الشهيد الثاني في كتاب الطهارة وهي :
1- أثر الغسل معنويا :
قال الفقهاء : الغسل ستة أنواع : يجب الغسل من : الجنابة, والحيض, والاستحاضة, والنفاس, ومس الميت, وغسل الميت .
تحتوي فكرة الأغسال الواجبة في جانبها المعنوي أو الأخلاقي على تطهير الجسد كله مما علق به من دنس الحدث الأكبر, وهذه الأدناس في الفهم الشرعي والمتشرعي لها آثارها غير المحمودة على النفس فينبغي المبادرة الى إزالتها .
والحدث كما نعلم يقسم الى قسمين : حدث اصغر وحدث أكبر , الحدث الأصغر ما ينقض الوضوء كخروج البول مثلا والغائط والريح .أما الحدث الأكبر فهو ما ينقض الغسل كالجنابة مثلا والحيض .
وهو بكل أشكاله الحدث لا يكون إلا عن شهوة ومنقصة, فالأحداث الصغيرة غير النوم ناتجة عن الجهاز الهضمي؛ أي من الأكل والشرب وهذا إما ناتج عن شهوة ولذة وهو الطعام غير الضروري, أما الضروري منه فهو ناتج عن منقصة؛ وهي عدم تحمل الجوع أو استمراره .
كما أنَّ النوم وبصفته حدثا أصغر فهو ناتج أيضا عن شهوة ولذة, والضروري منه ناتج عن منقصة وهي عدم تحمل السهر أو ليستعيد الجسم والعقل قواه الإدراكية بعد التعب.
أما الأحداث الكبيرة كالجنابة مثلاً أو الحيض و الاستحاضة والنفاس فإن الأول الجنابة فهي حاصلة عن الشهوة و اللذة, وأما الدم بأنواعه عند المرأة؛ فإنها منقصة في التركيب الطبيعي لجسمها, أراده الله سبحانه لها, لمصلحة في علمه وحكمته .
أما تغسيل الأموات؛ فهو في نفسه حدثاً للفرد, أو منقصة له, ولا يمكن تلافيه بإرجاع الحياة للميت, أمر الشارع الحكيم فيه بالأغسال الثلاثة, وهذه الاغسال الثلاثة تشير إلى أن النقص في حدث الموت أشد من غيره، في الحين الذي يطهر الفرد من الأحداث الأخرى بغسل واحد .
وأما كون الموت منقصة؛ لأنه سلب لكل فعاليات الحياة, فلا يملك الميت لنفسه نفعاً ولا ضراً, بل أصبحت جثته من الأقذار التي يجب إبعادها أو العوره التي يجب سترها قال تعالى :{فَبَعَثَ اللّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ } (31) سورة المائدة.
ومن جانب آخر إنَّ الميت مقبل على مواجهة الآخرة, فينبغي أن يتخفف من الأثقال التي لحقته في الدنيا ويتطهر من الأدناس و الأرجاس التي تحمّلها, فكلما كانت الأغسال أكثر كان التطهير أوكد .
وينبغي ألا نغفل أنَّ (هذه وجوه من الحكمة التي ندركها للأحكام الفقهية, وليست علّة لها ) "8"
أما غسل مس الميت, فيبدو من ظاهر الشريعة أنه مجرد تعبّد وليس أن المس يحدث حدثاً في الحيّ .
نعم يمكن أن يقال : إن الغالب في المسّ أن يكون بشهوة ناتجة عن الحزن على الميت, أو الشوق إلى الميّت أو الحرص على عدم ابتعاده عن محبيه .
2- الفرق بين الحدث الأصغر والأكبر :
نعود الى الجنابة بما ورد في دعائم الاسلام ) :إن الجنابة تخرج من كل البدن) "9"
وهذا يعني أن الحدث الأكبر يخرج من كل البدن وهذا ما يعبر عنه بفتور الجسد, وكذا الموت يخرج من كل البدن ففي الأثر : إنَّ الموت ما خرج من عرق إلا انقطع ولا من عظم إلا انصدع"10", وهذا أيضا ما نلاحظه في الدماء الثلاثة فالدم يخرج من جميع البدن و المخرج الرحم, مما يترتب عليه غسل البدن كله, أما الحدث الأصغر يخرج من عضوه المعين فلا يجب غَسل إلا أعضاء معينة في الوضوء.
بقي حدث صغير يبدو أنه يحصل في الجسم كله وهو النوم؛ وعليه يجب أن تكون الحكمة المشار إليها تقتضي فيه الغُسل وليس الوضوء.
ويمكن أن نجيب عن ذلك بأن ظاهر النوم يسيطر على الجسم كله, إلا أنَّه في الواقع يسيطر على الشعور فقط, أما باقي التأثير فهو من باب التسبيب .
وقد يقال : إنَّ هناك عدة بيانات وردت فيألسنة الروايات يستفاد منها أن الحدث ليس هو النوم بل هو الاستيقاظ منه"11", وأشير الى النوم باعتباره الملازم المساوي مع الاستيقاظ .
وقد يقال : إنَّ الاستيقاظ كمال وليس نقصاً لنقول : إنه مؤثراً على جزء البدن أو كله, فهو لا يؤثر النقص, وعليه ما ذكرناه من أنَّ النوم يوجب الوضوء باعتباره حدثاً أصغر أمراً تعبدياً صرفا .
ويمكن أن نقول : إنَّ النوم باعتباره حدثاً أصغر؛ لأنه يستوعب كل البدن بفقدان الشعور و الاحساس فهو كالميت و لذا قيل : إنَّ النوم موت أصغر، و لأن فرض الغسل يستلزم العسر و الحرج على بني آدم، قال تعالى : { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } (185) سورة البقرة، وقال جل ذكره : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } (78) سورة الحـج وفي نهاية المطاف ندرك من خلال بيان الآثار المعنوية للأغسال الشرعية ما يبعث المؤمن لتحصيل الغسل الصحيح بشروطه و أحكامه الأخلاقية التي رسمها له الشرع الشريف، لينال سعادة الدارين متخففاً من الأوزار و الأرجاس التي تعلق بها و تعلقت به بسبب الشهوات و الحاجات.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين

1- المعجم الكبير، الطبراني ج10 ص 238، نقلا عن مكتبة أهل البيت ع الالكترونية.
2- معجم ألفاظ الفقه الجعفري، د.أحمد فتح الله، الطبعة الأولى 1415هـ - 1995م، مطابع المدوخل، الدمام، 322.
3- تذكرة الفقهاء، العلامة الحلي ج1 مقدمة التحقيق ص 6، نقلا عن مكتبة أهل البيت ع الالكترونية.
4- انظر : معجم ألفاظ الفقه الجعفري، د.أحمد فتح الله، الطبعة الأولى 1415هـ - 1995م، مطابع المدوخل، الدمام، 322.
5- فقه الأخلاق، السيد محمد الصدر، تحقيق : هيئة تراث الشهيد الصدر مقدمة الطبعة الثانية 1428هـ، مطابع البدر، ص 10.
6- فقه الأخلاق، مصدر سابق ص 14
7- فقه الأخلاق، مصدر سابق ص 18
8- فقه الأخلاق، مصدر سابق ص 88
9- دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي ج1 هامش ص 91، نقلا عن مكتبة أهل البيت ع الالكترونية.
10- شجرة طوبى، الشيخ محمد مهدي الحائري، الطبعة الخامسة 1385هـ، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف العراق، ج1 ص 72- 74. قصة موت سلمان الفارسي.
11- فقه الأخلاق، مصدر سابق ص 89.

صالح محمد الغانم
جلسة شهر صفر
الجمعة 1/3 /1435هـ

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


الساعة الآن 11:51 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد