عرض مشاركة واحدة
قديم 01-04-2010, 01:01 PM   رقم المشاركة : 4
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: مصير الأمة الإسلامية بعد العهد النبوي ـ عبدالله بن محمد الشريدة

الأمر السابع: سيرة النبي (ص) في حياته تقوم على الاستخلاف:
إن سيرة النبي (ص) كانت قائمة على استخلاف من ينوب عنه حال غيابه عن مركز الدولة الإسلامية المدينة المنورة، ففي غزوة بدر الكُبرى بالسنة الثانية للهجرة استعمل رسول الله (ص) على المدينة ( سعد بن عبادة ) وأناط إليه إدارة أمورها الدينية حال غيابه.

ثم غزا رسول الله (ص) غزوته التي كان يطلب فيها أبا سفيان والمعروفة بغزوة السويق (28)( )، وكان أبو سفيان أقبل في مائتي راكب من أهل مكة ليبر نذره أن لا يمس النساء، ولا الطيب، حتى يثأر بقتلى المشركين يوم بدر، فصار إلى العريض، فقتل رجلاً من الأنصار، وحرق بيوتاً هنالك. فلما بلغه خروج رسول الله (ص) وأصحابه في طلبه جعل وأصحابه يلقون جرب السويق تخففا، فسميت غزوة السويق، وكان (ص) استخلف على المدينة ( أبا لبابة بن عبد المنذر ) أيضاً.

وحين أغار كرز بن جابر الفهري على المدينة فخرجَ رسول الله (ص) في طلبه استخلف ( زيد بن حارثة ) على المدينة، فلما بلغ وادياً يقال له سفوان بالقرب من ناحية بدر لم يدركه، فعاد رسول الله (ص) أدراجه نحو المدينة (29).

وكانت قريش عازمة على أخذ الثأر من المسلمين جراء هزيمتهم المُذلة يوم بدر، فخرجت بأربعة آلاف من مختلف القبائل القرشية، وخرج إليهم رسول الله (ص) بعد أن استخلف على المدينة ( ابن أُمّ مكتوم ) (30) ( ).
ولما بلغ النبي أن قبيلة ( بني سلم ) تهيّئ نفسها وتعدّ العدة للهجوم على مركز الدولة الإسلامية وعاصمتها ( المدينة ) خَرجَ رسول الله (ص) إليهم (31) بعد أن استخلف عليها ( ابن أُمّ مكتوم ) وقيل ( سباع بن عُرفطة الغفاري ) (32) .

وفي غزوة بني النضير لما فرحَ منافقو المدينة ويهودها بانتكاسة المسلمين في معركة أُحد، وباتَ يهود بني النضير مشاركةً مع منافقي المدينة يتحينون الفرصة للقضاء على الدولة الإسلامية، فما أن عَلِمَ النبي (ص) بمخططاتهم الخبيثة حتى خرج لحصارهم وتأديبهم بعدما استخلف على المدينة ( ابن أم مكتوم ) (33).

وبعد أن أجلى رسول الله (ص) يهود بني النضير عن المدينة سكنوا خيبر، واتفقوا مع قريش على استئصال الإسلام وأهله، فلما بلغ رسول الله (ص) الخبر ندب المسلمين إلى قتال الأحزاب بعد أن استخلف على المدينة ( ابن أم مكتوم ).

وفي غزوة خيبر إذ كان ليهود خيبر الأثر الكبير في تحريض القبائل العربية على محاربة الدولة الإسلامية والقضاء عليها في معركة ( الأحزاب ). لذا أرتأى النبي (ص) أن من الواجب القضاء على هذا الخطر الذي يتهدد الدولة الإسلامية بشكل نهائي، فعزم على المسير إلى خيبر بعد أن استخلف على المدينة ( نميلة بن عبدالله الليثي )، فكانت المعركة.

وجمع الحارث بن أبي ضرار قومه بني المصطلق ودعاهم إلى قتال رسول الله (ص) فأجابوه، وابتاعوا خيلاً وسلاحاً تهيأ منهم للحرب، فلما بلغ رسول الله (ص) الخبر وتأكد منه دعا الناس للخروج إليهم بعد أن استخلف على المدينة ( زيد بن حارثة ) (34).

ولما بلغ النبي (ص) أن قبائل ( خزاعة ) ـ المتحالفة مع قريش ـ تعد العدة لمحاصرة المدينة عاصمة الدولة الإسلامية وغزوها خرج إليهم في جمع من أصحابه بعد أن استخلف على المدينة المنورة ( أبا ذر الغفاري ).
وعندما أحس يهود بنو قينقاع بالخطر المحدق بهم جراء قتلهم أحد المسلمين في السوق خرجوا إلى حصونهم ممانعة من انتقام رسول الله (ص)، فما كان منه إلا أن خرجَ إليهم بعد أن استخلف على المدينة ( أبا لبابة بن عبدالمنذر ) فحاصرهم خمس عشرة ليلة أشد ما يكون الحصار، حتى إذا ما فقدوا القدرة على المقاومة استسلموا.
وحين تآمرت قبائل ( أنمارا وثعلبة وغطفان ) بقصد غزو المسلمين خرج النبي (ص) إليهم بعد أن استخلف ( عثمان بن عفان ) وقيل ( أبا ذر الغفاري )، فلما قرب منهم وعاينوا عظيم عسكره كرهوا لقائه، وتفرقوا في الأودية والجبال القريبة منهم، ولم يبق إلا النسوة فأسرهن وقفل راجعاً نحو المدينة (35).

وأمر رسول الله (ص) الإمام علي (ع) باستخلافه على المدينة أثناء خروجه لمنطقة تبوك غازياً لما ترامى إلى مسامعه أن مجموعة من رجال قريش سيستغلون فرصة غيبته عن المدينة ليثيروا الفتنة والفوضى فيجهزوا على الحكومة الإسلامية إن سنحت لهم الفرصة، وذلك أن موقع تبوك على مشارف الجزيرة العربية، وتعتبر أبعد نقطة استطاع رسول الله (ص) الوصول إليها في جميع غزواته، مما يساعدهم ذلك على تنفيذ مخططاتهم بروية ومهل، ولذا فهو (ص) يحتاج لرجلٍ يكون خليفته بالمدينة ذي بأسٍ شديد تهابه رجالات قريش؛ فلا يسعها أن تقوم بأي أمر.
بعد هذا الاستعراض الموجز عن سيرة رسول الله (ص) في استخلافه لمختلف الصحابة حين غيابه عن المدينة ولو لفترة محدودة، يعطينا مؤشراً بعدم منطقية مخالفته (ص) لسيرته التي طالما عمل بها طوال حياته، فكيف به ( ص) وهو يفارقهم من غير رجعة للحياة الدنيا ودون أن يستخلف عليهم من ينظم شؤون حياتهم ويحافظ على أمن واستقرار دولته التي بناها طوال فترة نبوته ؟!!

الأمر الثامن: التنبؤات المستقبلية لمصير الأمة الإسلامية:
إخباره (ص) في أكثر من حديث بما تؤول إليه الأمة من الفتن والاختلاف. يقول (ص): ( ويل للعرب من شر قد اقترب، فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا، فيبيع دينه بعرض من الدنيا قليل، المتمسك فيهم يومئذ على دينه كالقابض على خبط الشوك أو جمر الغضى ) (36) . ويقول (ص): ( إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ) (37).

وينقل أحمد بن حنبل في مسنده (38) أن النبي (ص) قال: ( ليردنَّ عليَّ الحوض أقوام فيختلجون دوني، فأقول رب أصحابي رب أصحابي، فيقال لي انك لا تدري ما أحدثوا بعدك.. ).

ويروي أبو هريرة (39) أن رسول الله (ص) كان بالمسجد وكان مروان حاضراً، فقال النبي (ص): ( هلكة أمتي على يدي غلمة من قريش. فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة. فقال أبو هريرة: لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت. فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا بالشام، فإذا رآهم غلمانا أحداثا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم. قلنا: أنت أعلم ).

ويروي حذيفة بن اليمان قول النبي (ص): ( والله أني لأعلم الناس بكل فتنة هي كائنة فيما بيني وبين الساعة .. ) (40).

هذه بعض الأحاديث والتنبؤات المستقبلية بما سيؤول إليه مصير الأمة، وهي بكل تأكيد لم تكن تكهنات تكهن بها النبي (ص)، وإنما كانت من إخبار الغيب، فإن كانت كذلك فأي عاقل يجد أن قائداً ونبياً مرسلاً يترك دولة عظيمة كبيرة بحجم الدولة الإسلامية وهو يعلم مسبقاً أن أصحابه ومن كان سيعتمد عليهم في إكمال مسيرته من بعده ستصيبهم الفتن كقطع الليل، فيمسي منهم المؤمن كافراً ويمسي الكافر مؤمناً، وسيكون ضياع أمته ودولته على غلمان من قريش، ويتركهم دون أن يعين عليهم أحد ممن يثق فيه.

هذا الأمر لا يمكن أن نتصور وقوعه من أبٍ ذي تعليم بسيط مُعدم، وهو رب لأسرة صغيرة، فعندما يحس هذا الأب بالخطر المتوقع بعد وفاته على أبنائه فإنه يجدّ في أمره، بتعيين من يُصلح أمورهم ويدرأ الخطر عنهم، فكيف يمكن أن نتصور وقوع هذا الأمر من رسول الله (ص) وتركه للأمة الإسلامية دون أن يُعين عليها من يُدير شؤونها، وهو بذات الوقت يعلم حجم الفتن التي ستصيبهم وستفرقهم قطعا !!
الأمر التاسع: سلوك النبي (ص) في أُخريات حياته:
سلوك النبي (ص) في أخر حياته وبالتحديد أثناء مرضه يدل دلالةً قطعية أنه لم يكن لِيترك الأمة دون أمر يهتدون به، فقد روت كُتب الحديث بشكل لا يشوبه الشك، أن النبي (ص) في مرضه الذي توفي فيه أمر من كان حاضراً بداره بأن يأتوه بدواة وكتف، فقال: ( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً ) (41) .

هذا الحديث المتفق على صحة صدوره من النبي (ص) يدل وبكل وضوح على أن النبي (ص) ما زال وحتى آخر لحظات حياته يفكر في مصير الأمة وما ينتظرها من مخاطر، ويدرك أن تحصينها ضد هذه الأخطار من أهم الأمور التي يجب أن يؤكد عليها، ويسعى بكل ما يستطيعه إلى أن يزيح ذلك الخطر الذي يراه بعين بصيرته. 

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس