عرض مشاركة واحدة
قديم 01-04-2010, 12:58 PM   رقم المشاركة : 3
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: مصير الأمة الإسلامية بعد العهد النبوي ـ عبدالله بن محمد الشريدة

الأمر الرابع: النزاع والشقاق هو النتيجة الحتمية:
ترك منصب زعامة دولة بحجم الدولة الإسلامية التي أسس أركانها النبي الأعظم (ص) فارغاً لهو أمرٌ لا يمكن تصديقه بأي حالٍ من الأحوال، إذ أن مناصب صغيرة الحجم قليلة الشأن تكون مدعاة إلى النزاع والشقاق والتفرقة بين أبناء البيت الواحد، فما بالك بدولة تدين لها غالبية الزعامات العربية، وهي ندٌ لأكبر دولتين متواجدتين آنذاك.

لا ريب أن الرسول الأعظم (ص) في أُخريات حياته الشريفة نص على الإمام علي (ع) بالخلافة وكما هو معتقد مدرسة أهل البيت (ع)، ولكن لانحراف الأمة عن التقييد بهذا النص وتسليم الأمر للإمام علي (ع) كما هو مُخطط له من رسول الله (ص) كانت النتيجة هي ذاتها نتيجة عدم الوصية، فبدأت النزاعات منذُ اليوم الأول لوفاة النبي (ص) وحتى قبل حتى تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه.

فالأنصار وهم أصاحب الفضل في الجهاد والمحافظة على الدين الإسلامي بسيوفهم وأموالهم لم يُسارعوا إلى تشييع النبي (ص) ودفنه، وإنما كانت لهم المبادرة الأولى لاجتماعٍ طارئ ـ في سقيفة بني ساعدة ـ يتداولون فيه: من سيخلف رسول الله في حكم هذه الدولة المترامية الأطراف !!

ولم يكن وضع المهاجرين بأفضل من وضع الأنصار، فقد انضموا لهذا الاجتماع خوف أن يستأثر الأنصار بالأمر، وكانت بداية التسابق لاستلام أهم منصب في الدولة الإسلامية (11).

حتى إذا ما ستقر الأمر على مبايعة أبي بكر للخلافة امتنع بعض الصحابة عن المبايعة، فلم يبايعوا إلا بعد عدة أشهر من القطيعة والرفض لبيعة الخليفة الجديد، فكانت تلك المرحلة مرحلة خطيرة استطاعت الأمة الإسلامية تجاوزها تحت تأثير الضغط الشديد والعنف الذي مارسه الجانب القرشي من المهاجرين على باقي المسلمين المخالفين لتلك البيعة.

ويكفي أن نرجع إلى تقييم من دالت له الخلافة الأولى أبو بكر عن خصوص تلك الفترة وكيفية تسلمه الحكم والخلافة بقوله: ( إن بيعتي كانت فلتة وقى الله شرها وخشيت الفتنة.. ) (12)، ويؤيده على هذا الرأي الخليفة عمر بقوله: ( إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها.. ) (13).

لذا كانت الوصية هي الملجأ الآمن والحلق العقلاني لكلا الخليفتين أبي بكر وعمر، فأبو بكر أوصى لعمر، وعمر تركها شورى في ستة أشخاص ( 14) ليختاروا واحداً منهم بعد أن أمهلهم ثلاثة أيام لاختيار أحدهم خليفة، فإن اختلفوا ـ وهو المتوقع ـ فيجب أن يُقتل المخالف لرأي الأكثرية منهم، أو يُقتلوا أجمع إن لم يتفقوا، وما كان ذاك إلا حرصاً منه على عدم ترك الدولة الإسلامية دون قائد وخليفة.

هذا ما كان من جانب من تسلم الحكم والخلافة ـ الخليفة أبو بكر وعمر ـ ولمس عن قرب مسؤولية القائد في وجوب أن يملأ الفراغ الكبير الذي سيخلفه بعد رحيله من الدنيا حفاظاً منه على وحدة الأمة الإسلامية، ودرءاً لمفسدة الاختلاف والنزاعات التي قد تنشأ جراء عدم اتفاقهم على خليفة.

ولنستعرض مثالاً آخر على كيفية بدء النزاعات والخلافات والشقاق بين أبناء الأسرة الواحدة عندما يكون الهدف هو تسلم المنصب الأعلى لإدارة دولة بحجم الدولة الإسلامية، فلننظر إلى الصحابي الزبير بن العوام، فهو ممن يلتقون نسباً (15) مع الإمام علي (ع) ومن المقربين منه، فلم يبايع في بادئ الأمر الخليفة الأول أبا بكر تضامناً مع الإمام علي (ع) واعترافاً منه بحقه في الوصية. فلما ذهبت الأيام وانقلبت الأحوال؛ وكان أحد الستة المرشحين من قبل الخليفة عمر بن الخطاب لاستلام الخلافة من بعده خرجَ على الإمام علي (ع)، والذي كان مؤمناً كل الإيمان بأحقيته بالخلافة أول الأمر، وما كان ذلك إلا أن عنقه للخلافة والمنصب اشرأبت، وطمعه بما كان يملكه الخليفة عثمان قد نما.

وهنا يحق لنا ولأي باحثٍ متجرد أن يتساءل: إذا كان أمر الوصية بالخلافة والإشارة إليها أمرٌ لم يفت الخلفاء من بعد النبي (ص) فكيف برسول الله (ص) وهو من أسس الدولة الإسلامية ونمت أغصانها على يديه أن يتركها دون وصي وقائد وخليفة ينظم شؤونها ويقودها بطريقة إسلامية يرتضيها !!

الأمر الخامس: النظرة العامة لبعض كبار الصحابة للنبي (ص):
نظرة بعض كبار الصحابة إلى دور النبي (ص) والذي يفترض أن يكون نبياً معصوماً فيكون قوله وفعله وتقريره حجة يجب إتباعها بلا نقاش، إلى كون كلامه وفعله وتقريره ما هو إلا اجتهاٌ من شخصه، وليس بالضرورة مُلزماً بالإتباع والتطبيق، فهو كغيره من بني البـشر يصيب ويخطئ إلا أنه كان يتلقّى الوحي الإلهي ويبلغه بطريقة ميكانيكية.

( وكان هذا التيار القرشي صاحب تلك النظرة إلى شخص الرسول (ص) ودوره، موجوداً في أيام النبي (ص) ذاته. ولكنه حينها كان في الغالب يتوارى في الظل، ويعمل في الخفاء من وراء ظهره، إلاّ في حالات معينة.

وكان فيها عمر بن الخطاب رائد ذلك التيار وقائده يُعبّر جهاراً عن معارضاته للنبي (ص) ويعلن عن اجتهاداته المخالفة له. ولكن بسبب النجاحات النبوية وتصاعد مسيرتها الظافرة، كان ذلك التيار يضطر إلى القبول والتسليم بقرارات النبي (ص) وسياساته ) (16).

ينقل ابن أبي الحديد المعتزلي قول الإمام علي (ع): ( لم أرد على الله، ولا على رسوله ساعة قط ) ويعلق ابن أبي الحديد المعتزلي على هذا النص بقوله: ( والظاهر أنه ـ أي الإمام علي (ع) ـ يرمز في قوله إلى أمور وقعت من غيره، كما جرى يوم الحديبية عند سطر كتاب الصلح، فإن بعض الصحابة (17) ( ) أنكر ذلك، وقال: يا رسول الله، ألسنا المسلمين ؟ قال: بلى، قال: أو ليسوا الكافرين ؟ قال: بلى، قال: فكيف نعطي الدنية في ديننا ! فقال (ص): ( إنما أعمل بما أومر به ).

فقام فقال لقوم من الصحابة: ألم يكن قد وعدنا بدخول مكة ! وها نحن قد صددنا عنها ثم ننصرف بعد أن أعطينا الدنية في ديننا، والله لو أجد أعوانا لم أعط الدنية أبدا، فقال أبو بكر لهذا القائل ويحك ! ألزم غرزه، فوالله إنه لرسول الله، وأن الله لا يضيعه. ثم قال له: أقال لك إنه سيدخلها هذا العام ؟ قال: لا، قال: فسيدخلها. فلما فتح النبي (ص) مكة، وأخذ مفاتيح الكعبة، دعاه فقال: هذا الذي وعدتم به ) (18).

وينقل أبو داود في سننه (19 ): ( عن عبدالله بن عمرو قال: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله (ص) أريد حفظه. فنهتني قريش (20)، وقالوا: أتكتب كل شيء تسمعه، ورسول الله (ص) بشر يتكلم في الغضب والرضا ؟! فأمسكت عن الكتاب، فذكرت ذلك لرسول الله (ص) فأومأ بإصبعه إلى فيه فقال: أكتب، فوالله الذي نفسي بيده ما يخرج منه إلا حق ! ).

وأخرج الحاكم النيسابوري (21): ( عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: قلت: يا رسول الله أتأذن لي فأكتب ما أسمع منك ؟ قال: نعم. قلت في الرضا والغضب ؟ قال: نعم. فإنه لا ينبغي أن أقول عند الرضا والغضب إلا حقا ! ).

هذا الخط لم يكن يخص الخليفة عمر بن الخطاب لوحده وإنما كان له عناصره وقاعدته من كبار الصحابة أمثال أبي بكر (22) وعثمان بن عفان (23) وغيرهم (24).

فإذا كانت هذه النظرة العامة من الخلفاء الثلاثة الذين تولوا منصب القيادة الأولى للدولة الإسلامية بعد رسول الله (ص) فما بالك بمن هم دونهم من الصحابة ممن لم يعيشوا الرسالة المحمدية بقلوبهم وعقولهم (25)( )، وإنما كانوا يعيشونها بشكلٍ سطحي !

بالطبع هذه النظرة لم تكن بالنظرة السطحية غير ذات الأثر؛ وإنما كان لها الأثر الكبير في أن تُحيل الدولة الإسلامية من كونها ذات نهج قرآني ومعالم نبوية سماوية إلى دولة ذات نهج اجتهادي يعتمد على الرأي في مقابل النص النبوي، مما يفقد الدولة شيئاً فشيئاً خصوصيتها الإسلامية، وذلك عندما يندثر الأثر النبوي من سيرةٍ وحديثٍ ويُستبدل باجتهادات شخصية لا أساس إسلامي لها (26) .

الأمر السادس: السيرة العقلائية لمفهوم الاستخلاف:
إن فكرة ترك الأمة دون استخلاف من قبل النبي (ص) لهو فكرة منافية لما تعارف عليه تاريخ البشرية أجمع، ( فرئيس الدولة هو مركز التدبير والتخطيط في الأمة، وهو رمز وحدتها، فإذا اختفى مركز التدبير والتخطيط، ولم يتوفر المركز البديل فوراً فإن عقد الأمة سينفرط، وسيركب كل واحد رأسه، وتسير كل جماعة مع هواها.
وقد ترفع الشارع الوضعي عن السقوط بمثل هذا الفخ، فلا يوجد في الدساتير المعاصرة، ولا حتى في الأنظمة السياسية البائدة، ما يؤيد فكرة أن يموت الرئيس دون بيان شخص من يخلفه، حتى أن التجمعات القبلية أو الأسرية تستهجن مثل هذا العمل وتستغربه، ولها أعراف تنظمه، بحيث تكون النقلة طبيعية بين شيخ القبيلة السابق واللاحق.

فدستور الدولة أو رئيسها عادة هو الذي يعين سلفاً الشخص الذي يتولى الرئاسة، في حالة خلو منصب الرئيس لأي سبب، أو عند اللزوم يصف هذا الشخص، سواء أكان شخصاً طبيعياً كولي عهده، أو شخصا اعتبارياً كمجلس أو هيئة تتكون من عدة أشخاص، لتقوم بإدارة دفة الدولة وتصريف أمورها ريثما ينصب أو يعين رئيس جديد.
تلك حقيقة لا يملك عاقل أن يجادل بها، لأن البديل الآخر هو الشر، وتعريض وحدة الأمة للخطر، ووضع مستقبل الدولة في مهب الريح ) (27).

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس