عرض مشاركة واحدة
قديم 16-05-2017, 07:58 PM   رقم المشاركة : 2
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الحفل التكريمي للأستاذ إبراهيم الذرمان 1429هـ (كاملا ومكتوبًا)

-1-

حـيـن يكون
التراث عشقا

حين يكون التراث عشقا..
وحين يكون العاشق مفتونا!!


إبراهيم الذرمان.. هكذا دون ألقاب!! ثم أبو هشام هكذا حافًّا مخفّفا من بديع المقدمات، ولكن محفوفا بالمحبة والترحاب والعناية الإلهية!!
هو رجل.. بل منجم للرجولة السامقة..!!
تستمع إليه فيأسرك حديثه، ويأسرك أكثر حين يكون الحديث عن عشقه؛ لأنه ببساطةٍ يتحدثُ عن نفسه أولا ثم عن قيم الرجولة ثانيا، ثم عن كريم الفعال!!
حديثه عن متحفه مفعم بالأصالة والحنكة، فهو يتحدّث عن شيمٍ ومروءات.. وليس عن تحف أو أوانٍ وحسب. إنّه يتحدّث عن المعنى الكامن فيها كمون النار في الحجر !!
في متحفه وتُحفه يبصر معنى الحياة ويُبصّرُكَ بها يوم كانت قيمًا حيّة؛ حتّى تغشى زوّارَه وروّادَ مجلسه العامر الألفةُ والطمأنينةُ إلى خفقة هذا الطين وإلى ذلك الزمن المتوهج!!
في أوانيه يلتمس الحكايات التي لم تزل طرية.. ويقرأ تاريخا مجيدا.. ويخلد فضيلة وسؤددا.. ويحكي قصة عن رجال مضوا وتركوا لنا في معادنهم وأخشابهم وفضتهم نقشًا جميلا وفرحا باذخا ورجولة عامرة وعشقا متواريًا في الزوايا!! ولا ينفكُّ يدوّن في متحفه ذكرياته ويومياته عن حراك اجتماعي لم يزل حيا في ودائعه التي يباهي بها.. في زمن أصبحت الحياة فيه نسيا منسيا.. أو شيئا من الوهم!!
جهوده.. في جمع هذا التراث العريق تحت سقف واحد تعبر عن عشقه وهيامه اللذين طوّفا به في الأرض.. ولا لوم عليه، فهذا قدره، وهكذا هو العشقُ عجبُ المحبِّ بالمحبوب.. ثم تبدأ الرحلة حتّى بلوغ المدى!! ومن تعشّق حصاة في فلاة نائية حملها بين جوانحه تذكارا أو أيقونة!
قد يُسأل عن هذا الأمر الذي بذل له النفسَ والنفيس، ولكن لا يستطيعُ له دفعا، فلا يرى فيه إلا أنه شيء من العشق وكفى، وهو جواب العاشق، موجز في عبارته، معبر عن مكنونه بأيسر الكلمات وأصعبها وأفتنها!!
ولعه وشغفه بالتراث.. شيء لا يوصف، أو يصعب وصفه؛ لأنه ولهٌ وهيامٌ وافتتان وهي ثلاثية كل عاشق لو أردنا أن نضعَ تعريفا للعشق.
ذاكرته .. تحفظ تواريخ معشوقاته وأماكنها، ولم يبح بذلك حتى للورق الأبيض خوفا من تسرب أسرارها.. !!
تجربته معها علمته أنها تاريخ حياة حلوة مرّتْ منذ سنين، ولكنها لم تزل خالدة وقادرة على أنْ تعلمَ الأجيال بأن الحياة كانت فضيلة وخلقا وشجاعة وكرما وسعة أفق..!!
أريحيته.. وضحكاته الوقورة.. مع ضيوفه وزائري متحفه تعبر عن خلق رفيع، وسعادة غامرة، ونبل أصيل ورثه عن عراقة أولئك الرجال الذين يحتفظ بأسرارهم في متحفه الإنساني حتى غدا ساقية للفضائل، وينبوعا للمكرمات الرائعة..!!
مقتنياته .. روائع ، وأروعها تلك التي تخلد حياة الناس اليومية، وضجيج حياتهم.. فحين ترى غضارة للحناء ، أو ملفعا أو شيلة أو دراعة أو إسوارة أو غترة أو عقالا مقصبا أو عباءة أو عودا أو مرواسا أو خابية.. تتذكر بأن رجالا ونساء مروا من هنا على هذه الأرض، وكانت حياتهم يسيرة وبسيطة وعميقة عمق الحياة.. ورائعةً وجميلةً روعةَ الوقت وجماله!! وهو حين يحدّثك عنها تتذكر أيضا بأنّ عيدًا مرَّ من هنا .. وصلاة .. وفرحا .. وفنا.. وجمالا .. وكائنات!!
شمائله .. شمائل أؤلئك الرجال الذين يحبهم؛ حتى باتوا سماره في ليله، ورفقاءَه في نهاره، وهو حين يلبس ثيابهم، ويعتمر عقاله المقصب، ويتقلد سيفه يصبح مملكة من رجولة.
مدخل بيته.. فاتحة لكتاب فضائله، لقد استحال منزله العامر بأهله إلى قرية صغيرة مفعمة بالروائع، لم يعد منزله منزلا وحسب، بل حقل فضائل، وكرمة سجايا!!
دكانه.. أو حانوت الحي.. يضج بالحنين والفرح والأناشيد، يوم كان الأطفال يدلفون إلى دكان الحي تحفهم الطمأنينة، والعيون الأمينة، وكانت أحلامهم بساتين فرح، وحقول عنفوان!
عشقه للتراث أورثه سجايا لا تحـصى ولكن في مقدمتها الشعور الإنساني بالأشياء، فكل هذه القطع الأثرية والأواني الفخارية ليست إلا حكايات إنسانية خالدة نقش عليها الآباء والأجداد تاريخهم، ومضوا كي تحدثنا عن تراثهم وتاريخهم ومروءاتهم!!
رحلاته .. لم تتوقف من أجل جمع هذه المقتنيات في بوتقة واحدة؛ كي تكون مشهدا حيا، وشاهدا أمينا على عشقه اللامتناهي للتراث الأصيل!!
وأخيرا.. مجلسه العامر بالألفة والأصالة والرجولة، هو مجلس يذكرنا بالمقولة الراسخة بأن "المجالس مدارس"، يتلقى ضيوفه فيه بصدره الرحب وكرمه الجم.. يتحف ضيوفه بالأصيل من بسماته وتحاياه، كما يتحفهم بالتمر والإقط والقهوة العربية.. فمجلسه كما قال البحتري:
فكأنَّ مجلسَه المحجّبَ محفلٌ

وكأنّ خلوتَه الخفيةَ مشهدُ

خضلُ اليدين إذا تفرّق في الندى

جمعَ العلا فيما يُفيد وينفد

نشوانُ يطربُ للسؤالِ كأنما

غنّاه مالكُ طيّيءٍ أو معبدُ

الأستاذ جابر عبدالله الخلف
الأربعاء 11 ربيع الأول 1429هـ

 

 


التعديل الأخير تم بواسطة منتدى السهلة الأدبي ; 16-05-2017 الساعة 09:59 PM.
منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس