عرض مشاركة واحدة
قديم 09-07-2011, 08:12 PM   رقم المشاركة : 5
منتدى السهلة الأدبي
منتدى السهلة الأدبي






افتراضي رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل

قراءة نقدية في نصوص قصصية:

السّارِدُ بَيْنَ حُضُور ِ(نُونِ النّسْوةِ) وَغِيَابِ (وَاوِ الجَمَاعَة) !!

رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
الورقة النقدية الثانية: جابر الخلف
---------------------------------------------------

مقابسات

" إنَّ الكلامَ على الكلامِ صعبٌ " . أبوحيان التوحيدي .
" إذا حاولتم قمعَ الذاكرةِ، لا مفرَّ أن يعودَ شيءٌ منها إلى السطحِ .. أنا هو ما يعودُ ! " الروائي التركي أورهان باموق .
" لقد سادَ الشعرُ في عصورِ الفطرةِ والأساطيرِ، أما هذا العصرُ: عصرُ العلم والصناعة والحقائق؛ فيحتاج حتما لفن جديد يوفق على قدر الطاقة بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق، وحنانه القديم إلى الخيال، وقد وجد العصر بغيته في القصة، فإذا تأخر الشعر عنها في مجال الانتشار، فليس لأنه أرقى من حيث الزمن، ولكن لأنه تنقصه بعض العناصر التي تجعله موائما للعصر، فالقصةُ على هذا الرّأي هي شعرُ الدنيا الحديثة " الروائي العربي نجيب محفوظ .
---------------------------------------------------------
في البدايةِ نجددُ الشكرَ الغامرَ لكاتبنا العزيز، وأخينا الكبيرِ (أبي فيصل) جاسم بن علي الجاسم على إتاحةِ هذهِ الفرصةِ لتجديدِ تواصلنا الثّقافيِّ والأدبيِّ من خلالِ حضورهِ البهيِّ، ونصوصهِ القصصيةِ، له دومًا خالصُ التحيةِ، وعميقُ التقديرِ .
مازالَ كاتبُنا العزيزُ بيننا بمثابةِ الفرقدِ الوضاءِ في سماءِ دنيانا، يرصدُ المللَ والسأمَ والضجرَ، ويرجمهم بشهبه، ويعوضنا بنيراتِه نجومًا وقصصًا وحكايا، وهو بلطفهِ وكريمِ سجاياهُ يُكرّسُ فينا حبَّ القَصِّ والحكي، ويُعمقُ فينا طفولتَنا إلى الأقاصي !!
وعلاقة الأخ أبي الفيصل بالقصةِ ليست علاقةً طارئةً، وإنما هي علاقةٌ وطيدةٌ (ذاتُ زمنٍ طويلٍ) تمثلتْ أولَ ما تمثلت في كتابه (الفزيع وعالمه القصصي)، الصادر عن دار أمنية للنشر والتوزيع عام 1420هـ، وكتابِهِ الآخرِ (رمز سيالة) الصادر عن مطابع الشركة الشرقية، عام 1431هـ، وهو يحكي سيرةَ رجلٍ يختصرُ سيرةَ مجتمع، فالكتابُ لونٌ من أدبِ السيرةِ الاجتماعيةِ، وهذا ليس ببعيدٍ عن أدبِ القصةِ في تجليها الإنسانيّ .
---------------------------------------------------------
القصةُ لونٌ أدبيٌّ أثيرٌ له حضورُه وجمهورُه .. نوعٌ أدبيٌّ سريعُ التطورِ والتجددِ، فهو أدبٌ متنوعٌ في صيغتهِ وصياغته، وفي محتواه ؛ فتعددت لذلك مستوياتُ القصِّ في أشكاله الفنية، وأساليبه الكتابية، فهناك القصة، والقصة القصيرة، والقصة الطويلة، والقصيصة، أو الأقصوصة، أو القصة القصيرة جدا . فلم يعدِ القَصُّ قصصَ الأمثال والعجائب والغرائب، وقصصَ الأسمار والأساطير والخرافات والسير والحكايات، وإنما استحال القصُّ فنا أدبيا له قوانينه وأسسه، ولم يعدِ الفنُّ القصصيُّ أدبَ الهواة ، وإنما أصبحَ أدبَ المحترفين .
القصة فنٌّ أصيل يرصد نبض المجتمع الحي، ومن خلال القصة يمكن رصد الحركة الاجتماعية، ودراسة ظواهرها، ومن خلالها يمكن تجاوز التافه والمكرور والدارج والهامشي، والاشتغال بدلا عن ذلك باليومي وتفاصيله ودلالاته .
والقصة ليست صوتا جهورا يفتعل الصراخ، ويثير الضجيج، بل هي صوتٌ هامسٌ خفيضٌ مُسْتَسِرٌ يتأمل القاص من خلاله في أدق تفاصيل الحياة والمجتمع؛ كي يخففَ عنا ..، ويُنقيِ بصيرتنا أكثر .. !!
فهل كل من طوّر المجتمع، ونقّاه فنيا وجماليا عبر سحر الكلمة ومسؤوليتها سُمّيَ (قاصًّا) .. ؟ نعمْ إنّهُ لكَذلِكَ .. !!
---------------------------------------------------------
ُيخيّلُ إليّ أن القصةَ سردٌ للذاتِ من خلال الآخر في طقسٍ كتابيٍّ مفعمٍ بالحيويةِ والإمتاعِ والدهشةِ، وهذا يعني أن القصة ليست نصا مغلقا بالأحاجي والمعميات، وليست نصًّا متاحًا مباشرًا تقريريًّا مرميًّا بهِ كلَّ مذهبِ، إنه نص مدهش يأخذ الكاتبُ باللغةِ والقاريءِ والوقتِ إلى أقصى المدى !!
قرأتُ عشرةَ نصوصٍ قصصيةٍ ملفوفةٍ في ورق أبيضَ ناصع البياض، (موزعةٍ زمنيا بين عام 2004م ـ 2010م) .. قرأتها بغرض المتعة الأدبية أولاً وثانيًا وثالثًا .. ثم بغرض القراءة النقدية عاشرًا .. وليسمح لي كاتبنا فربما يطغى (الإمتاعُ) على أي غرض آخر؛ فأبتهج وأصعق من البهجة أو العجب أو الإعجاب.. فأصمت، (فالصمت في حرم الجمال جمال)، وربما يطغى (الغرض النقدي) أحيانًا، فلا أملك أنْ أَرُدّهُ، أو أن أدفعَ تيّارَه المتدفق (فَمَنْ يَنْقُدُ عَلَيْكَ، فَهُوَ يُؤَلِّفُ مَعَكَ)، وهذه متعةٌ أخيرة لم تخطر على البال والخاطر !!
وسأحاولُ أن تكون قراءتي لهذه النصوص القصصيةِ قراءةً انطباعيةً ذوقيةً، ليست خاضعةً للمعايير النقدية الصارمة، فطالما قد أعاقتنا المعايير الصارمةُ، وكبلت خطواتِنا وخيالاتِنا، وقيدت أجنحتنا عن الطيران .. ليس في الكتابة فحسب، بل حتى في حرية التعبير وفنه !!
وهذا يعني أن المحاذير ستكون أكثر، وارتكابَ الأخطاءِ سيكونُ أقرب احتمالا .. فالاحتكام إلى الذائقة يخفف من أعباء الصرامة النقدية (وهذا ربما يكون صحيحا)، ولكنه ربما أوقع القراءة في محاذير الأحكام الذاتية، (وهذا ربما يكون صحيحا أيضا)، وهنا لا بد من سلامة الذائقة وصحتها من العلل .. وهذا ما نرجوه ونتمناه !
لن يضيرَ هذه النصوصَ ما يقالُ عنها، فهي تعبرُ عن لحظةِ كتابتها، ولكنْ من المهمِ جدًا أن تكونَ محلَّ أخذٍ وعطاءٍ، فما بَيْنَهُمَا سيمكثُ ما ينفعُ الكاتبَ والقاريءَ معًا .
سأحاول أيضا أن تكونَ قراءتي مرتبةً كالآتي: ملاحظات عامة، ثم ملاحظات تفصيلية على المجموعة قصةً قصةً .. !!
الملاحظات العامة:
أولا: اللغة المباشرة
لفت نظري أن اللغة القصصية لغة مباشرة، وتكاد أن تكون تقريرية، يُغَلّبُ الكاتبُ الحدثَ اليوميَّ على الحدثِ القصصيِّ، وهذا ما يؤدي إلى تسطيح الحدث، ويحرم القارئ من عنصر الدهشة واللاتوقع .
من الضروري أن تكون الصياغة الأدبية في لغة القص مواكبة للسياق القصصي المعاصر، فلا هي مفرطة في البلاغية كلغةِ المقامات، ولا هي مباشرة تقريرية كلغةِ الجرائد اليومية .
الصياغة الأدبية هي أن يعبر الكاتب بحسه اللغوي والفني حسب مقتضى الحدث، فلكل حدثٍ صياغته ولغته .
لقد غلب على مجموعة القصص التي قرأتها لغة الحكي اليومي المباشر الذي أسلم القصص للتقريرية والمهادنة لا الحيوية والإثارة والإدهاش .
ثانيا: نون النسوة
لفت نظري أيضا أن الحضور الطاغي لشخصيات النصوص القصصية هو لـ(نون النسوة)، فأغلب الشخوص في أحداث القصص هي شخوصٌ مفعمة بالنفس الأنثوي، وهذه ملاحظة فنية، وليست نقدية، ففي نص (الانتصار) تحضر شخصية (غادة) المتوجعة ثم المتحدية للإعاقة، وفي نص (بقايا خبز) حضور مكثف لنون النسوة (عفاف) الطالبة الفقيرة، و(نرجس) بنت الجيران، و(عواطف) مراقبة المدرسة، و(سهام) مديرة المدرسة، وفي نص (سذاجة رجل) حضرت شخصية (سميرة) المحتالة، و(صديقتها) التي أعانتها في الاحتيال على رجل الأعمال، ثم حضر بعد ذلك بشكل مكثف (الضمير الأنثوي) في بقية القصص كما في نص (الطيف)، و(الجائزة)، و(وداعية)، و(لم يمت)، وخلت نصوص ثلاثة من عشرة من شخصيات نون النسوة، كما في نص (رحل)، و(الزُّبالة)، و(جدي) . وهذه مجرد ملاحظة فنية، لفتت نظري تحتاج إلى وقفة نقدية تبين دلالاتها .. !!
ثالثا: عدم مراعاة الكاتب علامات الترقيم، وترتيب الجمل بالشكل الذي يخدم النص، ويعين على فهم المعنى، وهذا الأمر له أهميته في الكتابة بشكل عام، وتزداد تلك الأهمية في كتابة القصة، فالعلامات الترقيمية في الكتابة تشبه إشارات المرور في حركة السير، فلا يمكن فهم حركة السير اليومية دون إشارات المرور، كذلك لا يمكن فهم المعنى، وما وراء المعنى دون علامات الترقيم، فهي ليست ترفًا زائدا على الحاجة،بقدر ما هي ضرورة يمليها تدفق المعنى أثناء الكتابة .
كما أود أن أشير إشارة خاطفة إلى كثرة الأخطاء الأسلوبية والنحوية واللغوية والإملائية والطباعية، فهي بلا شك تؤثر على القَوَام الجمالي للنص القصصي، فهي بمثابة الشحم الزائد الذي يسيء إلى جمال اللغة، ومتن القصة، مما يعيق حركتها وانسيابيتها ورشاقتها !
رابعا: تعددت مستويات حضور المكان في القصص، ضيقا واتساعا، انفتاحا وانغلاقا، ففي نص (الانتصار) دار الحدث على (شاطيء بحيرة) في مدينة بشتني في جمهورية سلوفاكيا، بما تمليه دلالات المكان من السعة والتدفق والانفتاح والجمال، فهي مدينة جميلة للسياحة الصحية، وقد يكون المكان (مدرسة) كما في نص (لم يمت)، ونص (بقايا خبز)، فيدور الحدث داخل مدرسة للبنات، بما يعنيه من دلالات الانغلاق والمراقبة والتدقيق في كل شيء، كما يوجد إشارة خاطفة في نهاية القصة إلى (الأحياء الراقية)، مما يوحي بأن مكان الحدث هو المدينة وليس القرية، وهذا يفرضُ أنّ في المدينةِ أمكنةً أخرى يسكنها البؤسُ والفقر المدقع، وهذا يشي بالتفاوت الطبقي والاجتماعي والمعيشي الذي رصدته القصة، وهو من أروع ما في المجموعة من لمحات قصصية فائقة التصوير، وقد يكون المكان (مجمعا تجاريا)، أو (مقهىً) كما في نص (سذاجة رجل)، وقد يكون (صالة سفر) في أحد المطارات كما في نص (وداعية)، وقد يكون المكان (حاوية القمامة) كما في نص (الزُّبالة)، وقد لا يحدد الكاتب مكانا ولا زمانا كما في نص (جدي) !! وهذا أيضا من ملامح القصة التي تستحق وقفة نقدية توضح دلالات المكان، وعلاقته بالحدث والشخصية !!
---------------------------------------------------------
سأنتقل الآن للتعليق على النصوص القصصية قصةً قصةً، متوقفا عند ما أمكنني رصده من ملاحظاتي الانطباعية القابلة للنقاش:
1ـ نص (الانتصار)
رغم ما يطغى على النص من تقريرية تشبه الحدث اليومي المعاد المكرور إلا أن الكاتبَ استطاع رصد لحظة إنسانية رائعة من خلال بطلة القصة (غادة) المتوجعة المحبطة الحزينة المكلومة التي لم تستطع الطبيعة الخلابة من حولها كما يقول لنا الكاتب أن تشغلها عن حزنها وألمها .. لقد صور لنا الكاتب الأسى الذي يمزق قلب (غادة) المجروحة في كبريائها الأنثوي من خلال عشقها المحطم، وتنكر هذا الحبيب لكل شيء؛ حتى لحالتها الصحية بعد الحادث الذي سبب لها (الإعاقة) !!
إن الموضوعة الأساسية في القصة هو (تحدي الإعاقة)، والانتصار على الحزن والألم والإحباط من خلال التحول المفاجيء في تيار الوعي لدى (غادة) من تهاوي إرادتها إلى يقظتها من جديد، وهي تتأمل حركة الكون، فالكون في حالة حيوية وحركية دائمة لا يتوقف، فعليها أن تكون كائنةً حيةً كبقية الكائنات، وعليها أن لا يتوقف ولعُها بالحياة .. باختصار عليها أن تتحدى كل المعوقات: هزيمةَ خطيبها أمام إعاقتها، شعورَها القاسي بالإعاقة، إحباطَها حزنها ألمها .. كما أن عليها أن تستجيبَ لهذا التحدي (الذي أسماه الكاتب انتصارا في عنوان القصة) بإرادتها، عليها أن تستجيب لروعة الحياة، لولعها بالكون والكائنات؛ ولهذا هي ستبدأ من جديد، ويكتمل عنفوان هذا التحدي بالسفر خارج الوطن للدراسة والتعلم، وتحقيق الأحلام، إنها الهجرة من أجل حياة أخرى، متناغما هذا الموقف منها مع المثل الإنجليزي Lifeis always other place ، ومع المقولة المفعمة بالأمل:" أجمل هندسة في الكون أن تبني جسرا من الأمل فوق نهر من اليأس" !!
لقد أجاد الكاتب في هذه القصة في تناول فكرته، وفي اختيار بطلته في أن تكون امرأة، وفي إثارة موضوعةِ (تحدي الإعاقة)، وتحقيق الذات، والانطلاق من جديد نحو بناء الحياة، وعدم الالتفات للوراء . والكاتب هنا قد أجاد معالجة موضوعه، ولم يسلمنا إلى اليأس، بل فتح شباكا للأمل لنا، ولبطلة القصة !
فنهاية الحب أو الفشل في علاقة ما؛ لا يعني نهاية الحياة، بل هناك فرص كثيرة للإنسان في تحقيق ذاته من خلال بنائها من جديد، وعليها أن تنهض كما طائر الفينيق من تحت الرماد .
لم تسلم هذه القصة من الاستطراد في وصف المكان (شاطيء البحيرة)، فقد أسهب الكاتب في وصفها في ثلاثة مقاطع من القصة، مما طغى على بقية أحداث القصة .
كما أن القصة لم تسلم من تدخل السارد في أحداثها دون شعور منه، ومثل واحد يكفي، يقول الكاتب:" اختارتْ بإرادتِها حياةً جديدةً، فقررتْ شطبَ مَنْ يدّعِي الحبَّ والحنانَ، ويتمسكُ بالمباديءِ (...) وأنْ تبدأَ الكفاحَ العلميَّ؛ لتنالَ أعلى الدرجاتِ العلميّةِ؛ لتسخرَها لخدمةِ الوطنِ، وتثبتَ للعالمِ بأنَّ الإعاقةَ هي إعاقةُ العقلِ والفكرِ " ، فبطلة القصة هي التي تختار، وليس الكاتب؛ ولذا من الدقة أن يكون التعبير على لسانها، فهو أكثر لصوقا بالتحدي، وانسجاما مع أحداث القصة، لا مع ما يريده كاتبها .
2ـ نص (بقايا خبز)
في هذه القصة الحدثُ يوميٌّ، وقد استسلم الكاتب في سرده إلى تدوينه كحدث يومي، لم يعالجه معالجةً قصصيةً كما في قصة (الانتصار)، في هذا النص إشارة خاطفة إلى الفارق الطبقي، والهموم المعيشية، التي تعيشها الأسرة في المدينة التي تدور أحداث القصة فيها، هناك من يقدم الطعام للحيوانات، وهناك من يأكل بقايا الطعام من فقره وجوعه، وفي القصة نزعة ناقدة لهذه الظاهرة، ولكنها نزعةٌ متواريةٌ خجولةٌ، أو لنقل على استحياء .. !!
وهذا اللون من القصص الواقعي قد أجاده الكتاب الواقعيون في القصة العربية، مثل: محمود تيمور، ونجيب محفوظ .
3ـ نص (سذاجة رجل)
هذه القصة تعبر عن واقع اجتماعي معاش هذه الأيام، وهي ترصدُ التوترَ الاجتماعيَّ حيال العلاقة بين الجنسين، وهذه هي فكرةُ القصة الأساسية، وهو موضوعٌ جدليٌّ لدى كتابِ القصة في أدبنا المحلي، وقد قَلَبَ الكاتبُ المسلمةَ الاجتماعيةَ التي تؤكد بأن الاحتيال هو من صنع الرجل، فالمرأة أيضا محتالة (كما أنها صاحبة كيد) كما تقول لنا القصة، يلاحظ على النص بأن المعالجة القصصية لم تكن بحجم جدلية الموضوع واشتباكه في المجتمع، لم يقنعني الكاتب بأن رجل الأعمال المرموق المجرب يقع بهذه البساطة في احتيال امرأة مكشوف حتى لفتيان الثانوية .
أقترح أن يكون عنوان النص (احتيال امرأة)، وليس (سذاجة رجل)؛ لأن الحدث يدور حول فكرة الاحتيال المكشوف أكثر من أي فكرة أخرى، وأيضا فكرة الاحتيال هنا هي المدانة، وليست السذاجة التي لا يتقنها رجال الأعمال خصوصا المرموقين .
4ـ نص (الطيف)
فكرة النص الأساسية البحث عن الحب المفقود، وهذه موضوعة رومانسية جذابة، ولكن الكاتب لم يستثمرها في النص بالشكل المناسب؛ ولذا افتقد النص عنصر المتعة والإدهاش، أعجبتني جدا فكرة (انتظار مجيء الطيف)، والتعلق بأهدابه، من الممتع أن يكون بطلُ القصةِ (طَيْفًا)، أو (خيالا)، أو (سرابا)، وفي هذا تشخيصٌ جميل للمجردات، يقول الكاتبُ:" كنتُ أبحثُ عن حبٍّ يفوقُ حبَّ قيسٍ وليلى؛ حبٍّ يتعدى الأحلامَ؛ حبٍّ لم أرهُ في حياتي، تخيلتُ وجودَها أمامي، عشتُ معها وسطَ أحلامٍ ورديةٍ، حاولتُ الإمساكَ بها، وإذا هي سرابٌ "
لم يتخلص النص من الإنشائية الرومانسية، مثل تكرار الكاتب حديث الأحلام الوردية، كما لم يتخلص من حديث الخواطر اليومية، المشغولة بالحدث اليومي لا الحدث القصصي !
5ـ نص (الجائزة)
فكرة القصة الرئيسية نكران الجميل والجحود حسب ما يبدو لي، وهذه أيضا من الظواهر الاجتماعية التي يلاحظ اهتمام الكاتب بها، ولكن لم يزل النص متأبيا، أو منغلقا !!
إن القصة رغم قصرها البالغ قد حشد الكاتب بين أسطرها أفكارا شتى، ومشكلات اجتماعية وثقافية مختلفة، كالطلاق وما يتبع ذلك من أزمات أسرية كالضياع الذي تومئ إليه الرواية الفاشلة، وأيضا كالإفلاس الأدبي الذي هو من توابع الإفلاس الأخلاقي الذي أومأ إليه الكاتب إيماءة خفية حين يكون التكريمُ طلاقًا، أو ما يشبه الطلاق .
6ـ نص (وداعية)
استهل الكاتب نصه بكلمات من أغنية عبدالكريم عبدالقادر، وهذا يُحمّلُ النص تضمينا مبطنا بمعاني الأغنية وموسيقاها، وهذا النص رتيبٌ في صياغته، يفتقد عنصر التشويق والإدهاش القصصي، وهو عبارة عن بحيرة لغوية من الألفاظ والجمل المفككة التي لا يجمعها رابط، جملٌ موزعة على الأسطر، ومبتورة المعاني، لا يجمعها سياق أدبي دافق، وقد عددتها من أدب الخواطر اليومية مع بعض المعالجة والاهتمام من الكاتب .
7ـ نص (رحل)
ليس لدي أي تعليق على هذا النص، ولا أدري لماذا !!
8ـ نص (لم يمت)
يعالج النص فكرة الحب من طرف واحد، الأنثى تحبُّ بجنونٍ رجلاً لا يعيرها اهتمامًا، وهذا نوع من الاغتراب الروحي في مجتمع لا يقدر الحب، بل يصمه بالشك وسوء الظن والاستهزاء، واستسلمت بطلة القصة لهذه الوساوس الاجتماعية، ولم تدافع عن حبها سوى بالصُّراخ .
يفتقد النص رغم اتكائه على موضوعة الحب إلى الإقناع والتشويق، أسلوب المعالجة كانت سطحية، كما أن الصياغة تخلو من إشراقة الأسلوب القصصي الماتع .
9ـ نص (الزُّبَالة)
يمتاز هذا النص بأنه نصٌ مفتوحٌ على دلالات عدة، وهو على إيجازه مكثفٌ من حيث الصياغة الأدبية، ويفتح الباب للحديث عن مفهوم القصة القصيرة جدا، أو القُصَيصة .
النص يتناول فكرة لا يكثر الحديث عنها؛ لأنَّ الحديثَ عن القُمامات أو الزُّبالات فكرةٌ مرذولةٌ اجتماعيا وأدبيا، ولكنّ الكاتبَ في تناوله هذا أضاف إلى أفكار قصصه فكرة غير مطروقة، وهذا يضاف إلى اجتهادات الكاتب .
إن لفظة الزّبال في اللغة لها ظلالٌ اجتماعية مستقذرة، ولكنّ الزّبالَ ـ في الواقع ـ له تجربة يومية يمكن أن تكونَ موضوعَ روايةٍ بكاملها، فهو ـ أي الزبال ـ يرصد نبض المجتمع من خلال زُبَالاتهم اليومية، وحاويات قُماماتهم، ويمكن أن يُستدل من خلال القمامة على فقر المجتمع أو غناه، كما يمكنه أن يُتعرف على رقي المجتمع أو تخلفه، ومعرفة مستواه المعيشي والثقافي والاقتصادي .
بطل القصة ليس له حضور مباشر في القصة، وبدأ كأنه غائبا أو مغيبا، واستخدم الكاتب أسلوب الوصف لحالته وهيئته: " عاش متسكعًا بين أكياس الزُّبالة "، فكلمة (متسكعا) تعبر تمام التعبير عن الحالة، وليس عن شخص بعينه .
إنّ التسكع بين أكياس الزّبالة عملٌ يومي طيلة ثلاثة عقود من الزمن، إنه تعبير عن مجانية الحياة وتفاهتها بين بقايا الناس وزُبالاتهم .
إن هذا النص على إيجازه صرخة في وجه التفاهة والتناقض الاجتماعي !!
10ـ نص (جدي)
هذا نص قابل للتأويل، إن الاختفاءَ ـ من وجهة نظري ـ هو بطل هذه القصة، وهذا إضافةٌ ماتعة في النص، هناك متعة أخرى في هذا النص هو إيجازه اللفظي حد الاختفاء أيضا، هذا النص هو سطر، ولكنه حكاية عمر !!!
نص موجز ومكثف ومفتوح على دلالات كثيرة، قد يعده أحدهم نكتة، وقد يعده الآخر قصة قصيرة جدا .. أما أنا فسأعده لتربية ذائقتي على القول الجميل الموجز المتقد بالحضور رغم شدة الخفاء .



رد: الأمسية القصصية للقاص الصحفي/ جاسم علي الجاسم ـ أبي فيصل
جابر عبدالله الخلف
27 رجب 1432هـ

_____________________
1ـ من كلمات القاص العربي الرائد محمود تيمور، من كتابه الرائع (القصة في الأدب العربي):
" تعبير القاص عن القيم الإنسانية، ومثلها العليا لا يتحقق وجوده إلا في إطار فني يتميز بالجدة والابتكار؛ ليتسنى له التأثير المنشود "
" القصة في مقدمة الفنون الأدبية التي نحقق بها تلك الغاية الفضلى، في إطارها نعالج مشكلات الإنسانية بإيحاء متحرر مكين من عقليتنا وفلسفتنا، وبهداية قويمة مستمدة من وجداننا وروحنا؛ حتى يتبين العالم المتحضر في أدبنا القصصي المتطور خلقا جديدا يسفر فيه وجه العروبة الطلق، ويتضوع منه عبير الشرق العريق "
" القصة مرآة عصرها .. !! فإن لم تكن كذلك فهي تزوير على الأدب عامة، وعلى الفن خاصة، بل هي كذلك تزوير على المجتمع .. فهي ناصعة الدلالة على المجتمع، صادقة التصوير لمعالمه وسماته في مختلف أنماطه .. وهي عمل أدبي لونٌ من التعبير عن الحياة والمجتمع "
2ـ أذكرني نص (الزُّبالة) بنص جميل للشاعر جاسم الصحيح، بعنوان (قراءة في حاويات القمامة)، يقول فيه:" تَشُدّني حاوياتُ القُمامةِ من بصيرتي كلما عبرتُ الشارعَ (...) القُمامةُ هي خلاصةُ ما نعملُه طَوالَ اليومِ، هي إذنْ حقيقتُنا المجردةُ من غمدِ الواقعِ ننفيها إلى الخارجِ مخافةَ أن نصطدمَ بها في الداخلِ فنتهشم . القُمامةُ هي الطبقةُ المنبوذةُ في مجتمعِ المائدةِ؛ لذلك دائمًا ما يراها المارةُ نائمةً في الطرقاتِ، هي طبقةٌ ليس لها غلافٌ يحمي، لكنها تدافعُ عن نفسها حينما تُهملُ .. تذكروا أيها المنبوذون حتى القمامة تدافعُ عن نفسها حينما تُهمل: تستنبتُ الجراثيمَ لحراستها، والأوبئةَ للدفاع عنها ... " !!

 

 

منتدى السهلة الأدبي غير متصل   رد مع اقتباس