عرض مشاركة واحدة
قديم 28-12-2015, 11:29 AM   رقم المشاركة : 1
زكي مبارك
مشرف مكتبة المنتدى






افتراضي تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته...

تنزيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)

لعل من المهم أن نلتفت إلى مسألة تنزيه الأنبياء عن كلّ شائنة تُلصق بهم، إما من خلال روايات ضعيفة، أو تأويل نص لا يتناسب مع شخصياتهم (عليهم السلام)، ولذا صنّف علماء الإسلام في هذا الصدد مصنّفات منفردة في هذا الباب، أو ذكروها ضمن تصانيفهم حينما يأتون على مثل هذه الأمور المرتبطة بشخصياتهم ومقاماتهم (عليه السلام).
أما ما يرتبط بشخصية النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلّم) فما أحوجنا إلى أن نتعرّف على القضايا المرتبطة بشخصيته (صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى نتمكن من سبر أغوارها وتثبيت عقيدتنا تجاه كل ما جاء به عن معرفة لا عن تقليد.
فما أتى عن تقليد أعمى فلن يستقر حين تباغته أدنى شبهة، وما أتى عن وعي ومعرفة فلن تزحزحه براكين الأرض، فالاعتقاد عن معرفة حريٌ به أن يكون مبنياً على أسس علمية وقواعد متينة شأنها ترسيخ رابطتنا بكل ما جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).
سأحاول تناول آية واحدة من كتابه العزيز، حيث التطرّق إلى كل قضية مرتبطة بشخصه تحتاج إلى سعة من الوقت والجهد، وهنا لستُ بصدد الحصر وإنما الإشارة.

قال تعالى: (وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى).
ينبغي الإشارة إلى أنّ السورة مكّية لاعتبارات سنأتي على ذكرها ولو بالإشارة.
للوهلة الأولى عند من يقرأ القرآن الكريم سيفهم البعض أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان ضالاً، أي: لم يكن على شريعة إبراهيم (عليه السلام) الحنيفية، وإنما كان من أهل الشرك، وهذا من الاعتقادات الخاطئة التي ضربها علماء المسلمين سنة وشيعة.
وقد حدا بالمفسّرين الغوص في أعماق القرآن الكريم، ومنها هذه الآية الكريمة التي وقفتُ حتى الآن على أكثر من (25) وجهاً في تأويلها، فبعض هذه التأويلات صالحة للاستشهاد وبعضها الآخر لا يصح.
وقبل أن تكون صالحة للاستشهاد أو غير صالحة، علينا أن نمتلك ثقافة مبدئية تجاه القرآن الكريم، شأن هذه الثقافة أن تساعدنا في فهم القرآن الكريم، وأقصد بذلك: الثقافة اللغوية التي تعد من أهم الأدوات في فهم القرآن، ومعرفة مكيّه من مدنيّه، وناسخه من منسوخه، وغيرها من الأدوات التي تُعد من الأمور المهمة في معرفة القرآن الكريم.
وفي هذا الجو لا نغفل ولا نترك قراءة السيرة النبوية المذكورة في كتب التاريخ، باعتبارها مساهمة في تحليل بعض المواقف، وكذا الروايات الصادرة عنه (صلى الله عليه وآله وسلّم) وكذا روايات أهل البيت (عليه السلام) التي تحدثت عن شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلّم) وروايات الصحابة التي تعد كلها من المصادر المهمة في هذا الصدد.

أقول: وقفت حتى الآن على أكثر من (25) قولاً في تأويل (وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى)، وهي على النحو التالي بشكل ميسّر، والفائدة نستقيها من الأخوة الأعضاء.

الأول: ضالاً بمعنى غافلاً عمّا يراد بك من أمر النبوّة، فهداك، أي: أرشدك، فالضلال يعني الغفلة، قال تعالى (وإن كنتَ من قبله لمن الغافلين).
ذكر هذا المعنى القرطبي والبغوي والطبرسي والرازي في تفاسيرهم والمرتضى في تنزيه الأنبياء.

الثاني: ضالاً بمعنى لم تكن تدري القرآن والشرائع فهداك الله إلى القرآن وشرائع الإسلام، قال تعالى (ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان).
ذكر هذا المعنى القرطبي والبغوي والزمخشري والطوسي والطبرسي والرازي والألوسي في تفاسيرهم والمرتضى في تنزيه الأنبياء.

الثالث: ضالاً بمعنى في قومٍ ضُلاّل فهداهم الله بك.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

الرابع: ضالاً بمعنى ضالاً عن الهجرة فهداك إليها.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

الخامس: ضالاً بمعنى ناسياً شأن الاستثناء حين سُئلت عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح، فأذْكرك الله سبحانه.
قال تعالى (أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى).
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره، وكذا الطبرسي بمعنى (الذهاب عن العلم). وهو اختلاف الشاهد مع اتحاد المعنى.

السادس: ضالاً بمعنى وجدك طالباً للقبلة فهداك إليها. قال تعالى (قد نرى تقلب وجهك في السماء).
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

السابع: الضلال بمعنى الطلب؛ لأن الضال طالب.
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره.

الثامن: ضالاً بمعنى وجدك متحيّراً عن بيان ما نزل عليك، فهداك إليه، فيكون الضلال بمعنى التحيّر؛ لأن الضال متحيّر.
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي والطبرسي في اختلاف شاهد التحيّر حيث ذكر الطبرسي متحيراً لا تعرف وجوه معاشك فداك إليها وقد قال بهذا القول المرتضى في تنزيه الأنبياء.

التاسع: ضالاً بمعنى ضائعاً في قومك فهداك إليهم، فالضلال يعني الضياع.
ذكر هذا المعنى القرطبي في تفسيره.

العاشر: ضالاً بمعنى محباً للهداية، فهداك إليها، فالضلال يعني المحبة. قال تعالى (قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم) أي: في محبتك.
قال الشاعر:
هذا الضلال أشاب منّي المفرقا = والعارِضَين ولم أكن متحققا
عجباً لعَزَّةَ في اختبار قطيعتي = بعد الضلال فحبلها قد أخلقا
ذكر هذا المعنى القرطبي والرازي في تفسيريهما.

يتبع

زكي مبارك

 

 

 توقيع زكي مبارك :
تنزيه النبي الأعظم (ص) - (ووجدك ضالاً فهدى)
الضربات التي لاتقصم الظهر فإنها تقوي
زكي مبارك غير متصل   رد مع اقتباس