منتديات الطرف

منتديات الطرف (www.altaraf.com/vb/index.php)
-   ۞ ۩ ۞ الواحة الإسلامية ۞ ۩ ۞ (www.altaraf.com/vb/forumdisplay.php?f=26)
-   -   انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء (www.altaraf.com/vb/showthread.php?t=109281)

الكلمة الطيبة 09-05-2013 06:11 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء
 
«انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء» للإستاذ بناهيان


ما يلي هو عبارة عن بحث تفصيلي لمعنى الانتظار وأشكاله المختلفة لسماحة حجة الإسلام والمسلمين الأستاذ علي رضا بناهيان (حفظه الله) طبع في كتاب «انتظار عامیانه عالمانه عارفانه» باللغة الفارسية وترجمها أحد الإخوة إلى العربية فإليكم نصه:

النظرة العامية

النظرة العامّية هي ...

النظرة العامية هي النظرة السطحية إلى المفاهيم والمسائل العميقة، والاكتفاء بالقليل من المعرفة حول أي شيء. النظرة العامية هي معالجة المعلومات القليلة، وزيادتها بصورة خيالية فارغة عن الحقيقة. النظرة العامية هي عدم السؤال عن لماذا؟ وكيف؟، وعدم معرفة الأصول والنتائج. النظرة العامية هي تلقّي الدروس من أفواه الناس والاتّكاء على الرأي العام. النظرة العامية هي إحلال الزعم والتوقّع محلّ التفكير والتدبّر؛ وفتح باب الاستنباط الفارغ عن الاستدلال. وبعبارة أخرى، يمكن لكل واحدة من هذه الخصائص بمفردها أن تكون مقدمة أو نتيجة لنظرة عامية.
وبالإمكان أن تتبلور الانطباعات العامية حول كل شيء. ونجد في الوقت الحاضر أيضاً الكثير من الموضوعات والمسائل العلمية في شتى الفنون، قد تورّطت في أفكار الناس بالانطباعات العامّية. وفي هذا الخضم، نشهد زيادة الاستنباطات العامّية بشأن الموضوعات المعنوية المتّسمة بالتعقيد والخفاء.

النظرة العامّية لا تختص بالعوام

قد تكون إشاعة النظرة العامية ناتجة عن عوامل مختلفة. واحدة من العوامل الطبيعية لها هي سهولة تقبّل النظرة السطحية بالنسبة إلى النظرة الدقيقة والعميقة المتصفة بشيء من التعقيد والغموض والتي يصعب على العوام فهمها.

ومن العوامل الأخرى لإشاعة النظرة السطحية الخاطئة هي أنّ هذه الآراء غالباً ما تنسجم مع الأهواء النفسانية؛ وهوى النفس، يسوق فكر الإنسان بصورة خفية أو جلية إلى متابعة الرؤية الخاطئة بل وحتى الدفاع عنها.
وبالطبع دوماً ما يظهر أناس ينتفعون من شيوع بعض النظرات العامية بين الناس وبطبيعة الحال يقومون بتأجيج لهبها؛ لأن أفضل طريق لاسترقاق الناس هو تخريب معارفهم وحرفهم عن الحقائق؛ وكثيراً ما يتحقق هدف تحريف الحقائق عبر رواج نظرة عامية. فإن السبيل الأمثل للغفلة عن الحقائق المهمة في العالم التي لا مفرّ من التوجه إليها هو الغرق في النظرة العامية وبالتالي امتلاك رؤية باطلة حول الحقائق.
علماً بأن هناك الكثير من المعارف الصحيحة التي تظهر من بين طيّات هذه النظرات العامية والتي يشير كلٌّ منها إلى جانب من الحقيقة، بيد أنّ الإشكال يكمن فيما لو أخذ الإنسان جانباً من الكلمات الصائبة، ولكنه لم يعد يمتلك تحليلاً دقيقاً وتصوّراً كاملاً عنها بأسرها، فسيتعرض للفهم الخاطئ والنزعة العامية.
إنّ هذه النزعة العامية مقرونة بعدد من الآثار السيئة. واحدة من هذه الآثار هي تهيئة الأرضية للتحريف والانحراف. ومن آثارها السيئة الأخرى هي أنّ النزعة العامية حتى وإن لم تسبّب التحريف والانحراف، فستؤول على أقل التقادير إلى نفرة من ينظر إلى المسائل بدقة وعمق ويدرك نقائص النظرة العامية بسرعة. وبالإضافة إلى ذلك فإن من الأضرار التي لا يمكن غضّ الطرف عنها إثر تفشّي وانتشار الاستنباطات العامية هي أنّ المعارف الحيوية الأصيلة ستفقد ثمارها وتأثيرها.

يتبع إن شاء الله




الكلمة الطيبة 12-05-2013 07:49 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 2
 
النظرة العامية إلى المنقذ


إن النظرة العامية إذا ما سرت إلى موضوع أساسيّ وحيويّ كـ«المنقذ»، سيتضاعف خطرها وتزداد أضرارها. وذلك في الوقت الذي تعدّ هذه النظرة وبسبب ما يحيط بها من إبهامات كثيرة وجهل كبير، من أشدّ المسائل الرائجة بين الشعوب المعتقدة بظهور المنقذ1.
وإنّ هذه النظرة العامية وإن كانت أكثر شيوعاً في أوساط أتباع سائر الأديان والمذاهب، غير أن رواج القليل منها بيننا كثير لا يمكن احتماله بل بإمكانه أن يوجّه ضربات شديدة صوب موضوع الانتظار والمهدوية.
وهذه النظرة العامية للمنقذ، موجودة في كافة أديان العالم؛ زاعمين ظهور رجل راكب على فرسه يُغيّر العالم بـ«إعجاز» يديه لا غير، ويقلبه رأساً على عقب من دون حاجة إلى مشايعة الناس ووعيهم، ويهب السعادة للإنسان بعيداً عن السنن الإلهية وعن كلّ ما هو مسنون في طبيعة الحياة البشرية.

نماذج من النظرة العامية للمنقذ

وكذلك فهذه نظرة عامية بـ«أننا ننتظر المنقذ، ولكن لا نحتاج إلى التمهيد لذلك». وهذه نظرة عامية بـ«أننا لا نحتاج إلى معرفة آليات حركة المنقذ». وهذه نظرة عامية بـ«أننا لا نعرف كيفية استمرارية حكومة المنقذ ورموز بقائها». وعناصر أخرى إذا ما لم نعرف كل واحد منها فسنقترب من النظرة العامية. وأقل ما تتسبّبه هذه النظرة من ضرر هي أنها لا تحدّد وظيفتنا تجاه نصرته والتمهيد لقيامه.

النظرة العامية تؤدي إلى تأخير الفرج

إنّ الإقبال العام إلى المنقذ واهتمام نوع الناس بهذا الموضوع الشريف، وإن كان يُوفّر مجالاً مناسباً لفهمه وإدراكه بشكل أعمق ولابد من الانتفاع منه كمقدمة لبسط الفهم العميق، ولكن إذا ما نظرنا إلى مجموعة المنتظرين، لوجدنا أنّ الكثير منهم لا يحملون الفهم اللازم لموضوع المنقذ. وهذا الأمر يتسبّب بروز الكثير من الأخطاء في عملهم اليوم بصفتهم منتظرين. والأخطاء هذه بطبيعة الحال، لا تُقدّم الفرج ولا تترك للانتظار أثراً وجدوى، بل قد تؤول إلى تأخير الفرج أيضاً.
والإنسان المغموم والمهموم الذي يرى سُبل النجاة مغلقة بوجهه ولا يستطيع حل مشاكله، لا مفرّ له سوى التعلّق بأيّ منفذ يبعث في قلبه الأمل للمنقذ والتشبّث كالغريق بكل احتمال يؤدي إلى النجاة. ومن الطبيعي في مثل هذه الأجواء أن تسود النظرة السطحية والمزاعم العامية.

النجاة من النزعة العامية، مقدمة للنجاة من الحالة الموجودة

في حين أنّ تعزيز روح الأمل بالفرج بل وحتى تعجيله والنجاة في ضوئه، يحتاج أولاً إلى النجاة من نفس هذه النزعة العامية؛ وهي مقدمة لتغيير الأوضاع والوصول إلى النجاة. لأن إرادة الله سبحانه وتعالى تعلّقت بأن يكون الإنسان ممهّداً لتغيير الأوضاع في العالم من خلال حركته الواعية: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾2.

يتبع إن شاء الله ...


. إن أساس الاعتقاد بظهور موعود ومنقذ عالمي لا يختص بالشيعة بل وحتى بالمسلمين، وهو موجود تقريباً في جميع الأديان. يقول الإمام الخامنئي في هذا الشأن: «يوم النصف من شعبان يوم الأمل. وهو أمل لا يختص بالشيعة ولا حتى بالأمة الإسلامية. مبدأ الأمل بمستقبل مشرق للبشرية وظهور شخص موعود منقذ ويدٍ تنشر العدالة في كل العالم شيء تجمع عليه كافة الأديان التي نعرفها في العالم تقريباً. فما عدا الدين الإسلامي والمسيحي واليهودي، حتى أديان الهند، والبوذية، والأديان التي لا يعرف الناس أسماءها أيضاً بشّرت بمثل هذا المستقبل.» (كلمته بمناسبة 15 شعبان‏؛ 17/ 08/ 2008)
2. سورة الرعد، الآیة 11.


الكلمة الطيبة 21-09-2013 08:40 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 3
 
أ) قیام خارج عن السنن الإلهیة

يعود ضرب من النظرة العامية إلى ظهور المنقذ إلى هذه الرؤية وهي الاعتقاد بتحقق عملية الإنقاذ والنجاة خارجة عن السنن الإلهية التي ارتكز عليها تاريخ الحياة البشرية والتي لم تشهد أي تبديل وتحويل على الإطلاق: ﴿فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّت اللَّهِ تَبْدیلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْویلاً﴾1. ففي نظرة عامية إذا ما قيل: «سيظهر صاحب العصر والزمان (عج) وسيُصلِح الأوضاع إن شاء الله»، يتبادر إلى الأذهان بأن إصلاح أوضاع العالم وكأنه يتحقق بعيداً عن القواعد التي كانت حاكمة على جميع الوقائع حتى يومنا هذا. كهذه القاعدة الذهبية القائلة: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ﴾2.
فلو كان المنقذ يقوم بعملية النجاة والإنقاذ خارجاً عن مثل هذه القواعد، سيزول دور وعي الناس وإرادتهم في سعادتهم؛ وستذهب قيمة السنن الإلهية بل وقيمة الحياة البشرية وكل تلك الابتلاءات والانتصارات والانكسارات.

التخلي عن المسؤولية، نتيجة هذه الرؤية العامية

نتيجة هذه الرؤية هي أنه لا تقع أية مسؤولية على عاتقنا لا في عملية التمهيد للفرج ولا بعده. إذ من المقرر أن يأتي رجل لإنقاذنا يحمل على كاهله جميع المهام والمسؤوليات. ولا حاجة لسعينا وحركتنا قبل ذلك وبعده. وقد يتبلور هذا التصور الباطل من خلال هذه الروية أن أنصار الإمام أيضاً يعيشون بعيداً عن حياتنا الطبيعية، وهم أناس أفضل منا يتمتعون كالملائكة بقدرات خارقة وهم مستعدون لخدمة الإمام ويملؤون الأرض قسطاً وعدلاً بهذه القدرة الخارقة.

كأن الناس يمكنهم نيل السعادة من دون اختيار وأهلية!

وبالتالي فإن الإمام مع أنصاره الـ313، بدلاً من جميع الناس في العالم يشعر بالمسؤولية، وهو العالِم بالأمور، ويعمل على أساس الدين، وأحياناً يسوق باقي الناس إلى الله بالإجبار ومن دون اختيار. إذ لو كان الاختيار بيد الناس، فإنه على مرّ حياة البشر قد أدّى إلى الكثير من المظالم والابتعاد عن الله. إذن لابد من ظهور رجل يتصدى لإعمار الأرض بعيداً عن إرادة الناس ومن دون حاجة إلى شعورهم بالمسؤولية والاتّكاء على هذا الشعور. وكأن الناس في هذه الرؤية يمكنهم نيل السعادة والوصول إلى الكمال من دون اختيار وأهليّة. وكأنه يمكن من خلال قائد عظيم بَرّ وعدد من الأنصار الأوفياء، إيصال جميع الناس إلى السعادة قسراً.

الصورة المعنویة في هذه النظرة العامية

وبالإمكان أن نهب لهذه النظرة العامية صورة معنوية وذلك بأن نتصوّر أن قدرة الإمام المعنوية ستسوق الجميع صوب الانقياد إلى الله، أو أنه يحلّ جميع المشاكل بقوته الغيبية. فإنّ هذا الكلام لا يخلو من حكمة وإنّ لحضور الإمام معنوياً أثر بالغ في عالم الوجود وفي جميع العوالم، ولكن ما معنى هذا الكلام في إطار النظرة العامية؟

صلاح الناس بنظرة الإمام وإرادته المعنوية!

معناه أن نظرة الإمام وإرادته المعنوية تؤدي إلى أن ينتاب الناس فجأة شعور جيد ويقول بعضهم لبعض مثلاً وبدون مقدمة: «يا له من شعور جيد أحس به لإقامة الصلاة.» ويقول آخر: «حصلت على ولع عجيب لاإرادي لقراءة القرآن.» ويا له من جوّ مثاليّ خلاّب يسود الحياة!

مكانة قدرة الإمام (عج) المعنوية / مكانة «الأهلية» في قواعد التكامل

علماً بأن نظرة الإمام المعنوية تصنع المعاجز، ولا شك أن ظهوره سيترك آثاراً بالغة البركة في النفوس المستعدة، ولكن أين مكانة قواعد «النموّ والكمال»، ودور «العزم والأهلية» في الإنسان؟ فلو كان المقرّر أن يستفيد الإمام (عج) من قدرته المعنوية لا غير، فإن النبي الأعظم (ص) وكذلك أمير المؤمنين (ع) أولى منه بذلك. غير أنّ الله قال لنبيّه: ﴿إِنَّكَ لا تَهْدي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾1. فكيف عندئذ يقوم الإمام (عج) بهداية الجميع من دون إرادتهم؟!
وهل سيتكفّل الإمام بذهابنا إلى الجنة والحال أن النبي الأكرم (ص) لم يتولّ ذلك؟ كيف أنّ الله سبحانه يقول لنبيّه في كتابه الكريم: ﴿إِنْ أَنْتَ إِلاَّ نَذیر﴾2، أو ﴿ما عَلَی الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغ﴾3، وفجأة تتغير وظائف الإمام المهدي (عج) وتختلف كيفية تطبيقها؟!


يتبع إن شاء الله...



1. سورة فاطر، الآیة 43.
2. سورة الرعد، الآیة 11.
3. سورة القصص، الآیة 56.
4. سورة فاطر، الآیة 23.
5. سورة المائدة، الآیة 99.
توضیح: إن الحكومة التي تعد جزءاً من وظائف الأنبياء، تنضوي تحت نفس هدف الإبلاغ أيضاً. وباختصار يمكن القول أن الهدف الأساس من الحكومة في رؤية أولياء الله هو ضمان وصيانة الحرية والأمن والاستقرار للناس، حيث يتسنى لهم بعيداً عن الجبر والقسر والظلم والجور أن يستمعون قول الحق بكل هدوء واستقرار ويختارون طريقهم بحرية.



الكلمة الطيبة 23-09-2013 09:11 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 4
 
إنقاذ البشرية لا يخرج عن نطاق مسؤولية الناس والسنن الإلهية

إذن فمن الخطأ أن نتصور بأنّ المراد من كون الإمام المهدي (عج) منقذاً للبشرية هو أنه يظهر ويسوق الإنسان خارجاً عن الوظائف الملقاة على عاتقه، والمجتمع البشري خارجاً عن تركيبته الطبيعية، والتاريخ خارجاً عن السنن الإلهية، إلى الجنة وإلى الحالة المطلوبة. هذا النوع من التفكير، تغافل للكرامة الإنسانية واستخفاف بالدين والسنن الإلهية التي لا تتبدّل. وبالتالي سيكون مآله إلى انتظار عديم المسؤولية وعديم التأثير والجدوى.

معنی تكامل العقول بواسطة الإمام

نعم، ورد في الرواية «إِذَا قَامَ قَائِمُنَا (ع) وَضَعَ یَدَهُ عَلَی رُؤُوسِ الْعِبَادِ فَجَمَعَ بِها عُقُولَهُم»[1]، سوى أن فهم هذا الحديث يحتاج إلى رؤية عميقة؛ لا أن نُفسّر الرواية سطحياً ونتصوّر بأن فعل الإمام سيُحدِث تغييراً في طبيعة خلقة البشر خلافاً لجميع السنن الإلهية.

نظرة الإمام المعنوية، لا تختص بفترة الظهور

ولابد هنا من الالتفات إلى نقطة مهمة وهي أن الظروف لو توافرت في هذا الزمن واسـتأهل جمع من المؤمنين لتوجُّه الإمام لشملتهم عنايته[2] ولتكاملت عقولهم بألطافه الخاصة أكثر من سائر الناس.
وعلى أيّ حال فإنّ التصوّر بأن الظهور سيكون خارجاً عن السنن الإلهية، مسألة تصدى الأئمة (ع) بشدة لردّها ومواجهتها:
«عَنْ بَشِيرٍ النَّبَّالِ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ انْتَهَيْتُ إِلَى مَنْزِلِ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ (ع)، فَإِذَا أَنَا بِبَغْلَتِهِ مُسْرَجَةً بِالْبَابِ فَجَلَسْتُ حِيَالَ الدَّارِ. فَخَرَجَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ. فَنَزَلَ عَنِ الْبَغْلَةِ وَأَقْبَلَ نَحْوِي. فَقَالَ: مِمَّنِ الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ. قَالَ: مِنْ أَيِّهَا؟ قُلْتُ: مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ؟ فَقَالَ: مَنْ صَحِبَكَ فِي هَذَا الطَّرِيقِ؟ قُلْتُ: قَوْمٌ مِنَ الْمُحْدِثَةِ. فَقَالَ: وَمَا الْمُحْدِثَةُ؟ قُلْتُ: الْمُرْجِئَةُ[3]. فَقَالَ: وَيْحَ هَذِهِ الْمُرْجِئَةِ، إِلَى مَنْ يَلْجَئُونَ غَداً إِذَا قَامَ قَائِمُنَا؟ قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَوْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ كُنَّا وَأَنْتُمْ فِي الْعَدْلِ سَوَاءٌ. فَقَالَ: مَنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَمَنْ أَسَرَّ نِفَاقاً فَلَا يُبَعِّدُ اللَّهُ غَيْرَهُ وَمَنْ أَظْهَرَ شَيْئاً أَهْرَقَ اللَّهُ دَمَهُ. ثُمَّ قَالَ: يَذْبَحُهُمْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ كَمَا يَذْبَحُ الْقَصَّابُ شَاتَهُ وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى حَلْقِهِ. قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ الْمَهْدِيَّ لَوْ قَامَ لَاسْتَقَامَتْ لَهُ الْأُمُورُ عَفْواً[4] وَلَا يُهَرِيقُ مِحْجَمَةَ دَمٍ. فَقَالَ: كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوِ اسْتَقَامَتْ لِأَحَدٍ عَفْواً لَاسْتَقَامَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ (ص) حِينَ أُدْمِيَتْ رَبَاعِيَتُهُ وَشُجَّ فِي وَجْهِهِ. كَلَّا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى نَمْسَحَ نَحْنُ وَأَنْتُمُ الْعَرَقَ وَالْعَلَقَ[5] ثُمَّ مَسَحَ جَبْهَتَهُ»[6]
وقد تصدى الإمام الخميني (ره) في وصيته الإلهية السياسية لردّ هذا النظرة العامية بصراحة، منوّهاً بدور عمل المؤمنين وجهودهم لئلا يتخلّ أحد عن وظائف الانتظار بذريعة هذه الرؤية العامية:
«وأنتم أيها السادة إن كنتم تتوقعون تحوّل كل الأمور وفقاً للإسلام وأحكام الله تعالى بين عشية وضحاها فذلك تفكير خاطئ، إذ لم تحدث مثل تلك المعجزة على مرّ تاريخ البشرية، ولن تحدث في المستقبل. وفي ذلك اليوم الذي يظهر فيه المصلح العام إن شاء الله تعالى، لا تظنون أن معجزة ستحدث، وأن العالم سيصلح في يوم واحد. بل بالجهد والتضحيات سيقمع الظالمون ويدفعون إلى الانزواء.»[7]

يتبع إن شاء الله ...

[1]الإمام الباقر(ع)، کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص675.
[2]راجع توقیع الإمام (عج) إلى الشیخ المفید المذكور في هامش الصفحة 49.
[3]المرجئة من الفرق المنحرفة في الإسلام. يقول آية الله الشيخ مكارم الشيرازي في هذا الشأن: «المرجئة» من مادّة «إرجاء» بمعنى تأخير الشي‏ء، وهذا اصطلاح يستعمل للجبريين، لأنّهم لم يلاحظوا الأوامر الإلهيّة وارتكبوا المعاصي لظنّهم أنّهم مجبورون، أو لاعتقادهم أنّ مصير مرتكبي الذنوب الكبيرة غير معلوم لتصوّرهم أنّ البتّ فيها مؤجّل إلى يوم القيامة. (التفسير الأمثل، ج‏17، ص353).
[4]أَدْرَكَ الأَمْرَ عَفْواً صَفْواً أَي في سُهُولة وسَراح. (لسان العرب، ج15، ص75).
[5]العلق: الدم الجامد (مفردات الراغب، ج1، ص579).
[6]الغیبة للنعماني، ص283 و284، وكذلك الکافي، ج8، ص80، ح37، عن راوٍ آخر، مع اختلاف يسير في العبارة.
[7]صحیفة الإمام، ج21، ص447.






الكلمة الطيبة 25-09-2013 11:16 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 5
 
ب) حكومة تقوم على أساس السيف

والبعض أيضاً يحمل هذه النظرة العامية بأن الإمام (عج) إذا ظهر، سيحلّ المسائل كلها بسيفه! وبالطبع فإنّ السيف (السلاح) سيستخدم خلال نهضة الإمام لا محالة، بيد أنه يتطلّب الكثير من المقدمات ويقترن بالكثير من المستلزمات. ففي ذلك اليوم الذي قادوا علي بن أبي طالب (ع) مكبّل اليدين، كان السيف موجوداً ولكنه لم يُستعمل لفقدان تلك المقدمات والمستلزمات. والسيف هذا هو نفس ذلك السيف الذي سيتوفّر له مجال الخروج من الغمد ليس إلا.
ومن هذا المنطلق، يمكن أن يُستوحى عبر نظرة عامية أن نهج المنقذ الموعود وسلوكه، سيكون خارجاً عن الشريعة ونظام التكاليف الإلهية؛ تلك التكاليف التي حدّدت الولاة في استخدام القوة القهرية. وكأن الله سيقول للإمام – والعياذ بالله -: «لقد طفح كيلي، ولم تستقم الأمور رغم كل صبري ومداراتي، فاذهب من الآن وأقم الأمور بالسيف!»

إتمام الحجة وتنوير أفكار الناس، من شرایط استخدام السيف

ولذا فإن هذا التصور بأن الإمام المهدي (عج) لا يقوم بإنقاذ العالم إلا بالسيف، تصوّر سطحي. نعم، للسيف دور كما كان من البداية، ولكن الشرائط لم تكن متوافرة في ذلك الزمن، وستتوافر في زمن الظهور. ومن هذه الشرائط «إتمام الحجة» و«تنوير» أفكار الناس، التي ستتوفر في ذلك الزمن، وسيرفع الإمام موانع السعادة عن طريق الناس بالسيف دون تريّث[1]. فلو أدركنا معنى استخدام السيف بشرائطه ومستلزماته الخاصة، ستزول النظرة العامية إلى موضوع الانتظار ويحلّ محلّها السعي والجهد لتهيئة تلك الشرائط.

نتایج الحديث عن سيف الإمام من دون النظر إلى قواعده

لو بيّنا استخدام السيف من دون النظر إلى قواعده، سنصادق على الصورة التي يرسمها الأعداء من الإمام (عج) للعالم من أجل إخافة الناس منه؛ صورة سلطان جائر غير حكيم إذا ظهر سيقوم بحل جميع المشاكل بالاتّكاء على السيف لا غير.
قبل هذا الإقبال الأخير في المجتمع بالنسبة إلى موضوع الانتظار والإمام المهدي (عج) وازدهار مجالس دعاء الندبة، كانت الصورة المرسومة في ذهن البعض عن الإمام (عج) صورة مقرونة بالسيف. وحتى أنّ الكثير منهم كانوا يشعرون بقلق إزاء ظهور الإمام (عج)، قلقون من أنّ الإمام إذا ظهر، فسوف يضع حدّ السيف على رقابنا نحن المذنبين! وكان هذا التصوّر عامّ نسبياً.

الإمام المهدي (عج) لا يأتي لقتل المذنبين

وشيئاً فشيئاً بدأت الصورة تتّضح للناس بأنّ «الإمام المهدي (عج) لا يأتي لقتل المؤمنين والعوامّ من غير المؤمنين؛ وحتى أنه لا يأتي لقتل المذنبين. بل إن الكثير من المذنبين بمجيئه سيصبحون من الصالحين. فإنّ للقتل قاعدة. ولا يُقتل كلُّ من أذنب. بل وليس من المقرّر أن يُقتل بعض المذنبين الذين لم يصلحوا بمجيء الإمام ولم يرتدعوا عن اقتراف ذنوبهم.» فلمّا ذُكرت هذه الأمور للناس وبُيّنت قواعدها، عند ذلك توجه الكثير إلى رأفة الإمام (عج) وعطفه وتدفّقت محبته في قلوبهم.
إنّ هذه التصوّرات العامية قد أفسدت رؤية المؤمنين أنفسهم في الإمام، فما بالك بالذين يريدون متابعة البحوث المهدوية من خارج إطار المجتمع الديني، وما هي الصورة التي سترتسم في أذناهم عن الإمام المهدي (عج)؟

لماذا لا يمكن حذف السيف من قيام المنقذ؟

وبالطبع لا ينبغي ترك إخافة الخواص السيّئين من سيف الإمام بدليل جلب العوام إلى المنقذ، وحذف موضوع السيف من عمليات المنقذ الإصلاحية كليّاً. نعم، سيكون للسيف دور هامّ جداً في إحقاق الحق وإقامة الدين؛ لأن «المستكبرين» لا يفهمون سوى لسان القوة ولا يطأطؤون رؤوسهم أمام أوامر الله إلا بالإخضاع والإركاع.
وتعتبر إخافة المستكبرين من سيف العدالة أصلاً أساسياً في سبيل إحلال الأمن في المجتمع. وفي هذه الصورة سيسود المجتمع الهدوء والاستقرار؛ وليس هذا بالأمر الذي يحتاج إلى كتمان. بل لابد من بيان كل ما يرتبط بمسألة الظهور بكل وضوح وجلاء ليقوم المستكبرون أيضاً بآخر إجراءاتهم الرذيلة للحؤول دون تحقيق الحق.

فلسفة استخدام الإمام للسيف

إن الأمر المهم في إطار نظرة ثاقبة غير عامية هو سبب استخدام السيف في قيام الإمام وحكومته وهو أمر واضح للغاية. ففي الوقت الذي تتم الحجة على الظالمين وعلى جميع الناس، ما الحاجة إذن إلى المجاراة؟ وفي الوقت الذي لا يريد الظالم الكفّ عن ظلمه وخصامه، هل يبقى مجال للصبر والمداراة؟ فمن لم يبغِ الخضوع أمام الحق؛ ويريد استغلال الفرص وتأمين مآربه مهما استطاع؛ ويقوم في هذا الطريق بسلب الآخرين ونهبهم، لماذا يُحاكَم ويُعدَم بالدليل والبيّنة؟ هنا عندنا نسمع أن الإمام يقوم بإصدار الحكم على الظالمين وتنفيذه دون تريّث ومن دون طيّ المراحل المرسومة في المحاكم[2]، نشعر بالراحة وعندها لا يبقى مفرّ للظالمين سوى التمكين والتسليم.

يتبع إن شاء الله ...

[1]راجع الأحاديث المذكورة في هامش الصفحة 172.
[2]الإمام الصادق (ع): «إِذَا قَامَ قَائِمُ آلِ مُحَمَّدٍ (ع) حَكَمَ بَيْنَ النَّاسِ بِحُكْمِ دَاوُدَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيِّنَةٍ، يُلْهِمُهُ اللَّهُ تَعَالَى فَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ.» الغیبة للنعماني، ج2، ص386، وأيضاً: الإمام الحسن العسکري (ع): «إِذَا قَامَ (القائم) قَضَى بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ (ع) لَا يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ.» الکافي، ج1، ص509.


الكلمة الطيبة 28-09-2013 10:25 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 6
 
ج) النجاة من الظلم ولا غير

على الناس بالإضافة إلى التبرّم من الظلم، الاستعداد لتقبّل العدالة أيضاً

واحدة من خصائص وشرائط الظهور، هي مسألة «ظهور العدل بعد انتشار الظلم والجور» المعروفة. فقد ورد في الروايات أن الإمام يظهر بعد أن تُملأ الأرض ظلماً وجوراً[1]، ولكن يمكننا أن نحمل بشأن هذه الحقيقة البيّنة القطعيّة رؤية عامية أيضاً. وذلك بأن نتصوّر أن مجرّد تبرّم الناس من الظلم أو وصول الجور إلى غايته، يكفي لتحقق الفرج؛ ولا حاجة بعد لاستعداد الناس لـ«تقبّل العدالة».
في حين أن الحكومة العادلة التي تتشكل بين أناس تعبوا من الظلم ولكنهم لا يحتملون العدالة، لا تبقى ولا تدوم. ولفهم الموضوع جلياً يمكننا تسليط الضوء على تاريخ صدر الإسلام وحكومة أمير المؤمنين (ع):
بعد خمس وعشرين سنة من فترة غربة أمير المؤمنين (ع)، وبعد أن وصل استياء الناس من ظلم عمّال الحكومة وجورهم إلى ذروته – حتى أنهم إثر هذا الاستياء ورغم ردع الإمام علي (ع) ومخالفته الشديدة عمدوا إلى قتل الخليفة الثالث – هجموا على دار علي (ع) يطلبون مبايعته كخليفة للمسلمين ويصرّون عليه بأن يتولّ زمام الأمور، والإمام يقول لهم: «دَعُونِي وَالْتَمِسُوا غَيْرِي‏.»[2]

هل كان الإمام يُجامل؟

لماذا كان الإمام يمتنع من تصدي الخلافة رغم كل هذا الإصرار؟ هل كان يُجامل؟ والحال أن الإمام أساساً ليس أهل مجاملة، فضلاً عن أن يُجامل في مثل هذه الأمور. إذن ما هو السبب من هذا الامتناع؟ كما أنه لم يكن موضع خوف من اتّهام الآخرين له بأنه طالب سلطة، ولا معنى أساساً لمثل هذا الخوف بشأن شخصية كأمير المؤمنين (ع). فإن كان الكلام عن «أداء التكليف»، فما معنى الاهتمام بمثل هذه الأمور؟[3].

لم يكن الناس من طلّاب العدالة

السبب الرئيس من امتناع الإمام هو أن الناس وإن سئموا الظلم، غير أنهم لم يكونوا من طلّاب العدالة. وإنهم أساساً غير فاهمين للعدالة ومسلتزماتها بل ولا يمكنهم احتمالها أيضاً. وشتّان بين هذين. فلو كان الناس يحتملون العدالة، لما عذّبوا الإمام بهذا المستوى في عهد حكومته![4]
واليوم نجد أهل العالم قد تبرّموا من ظلم إسرائيل وأمريكا، ولكن هل يكفي ذلك؟ لابد أن نرى بأنّ الناس هل يتحمّلون العدالة؟ هل يعرفون معنى العدالة؟ هل يعلمون بالتغييرات التي لابد من إنجازها لزوال هذا الظلم؟ هل يدركون مستلزماتها؟ واليوم إذا ما بُيّنت بعض مستلزمات العدالة بين المؤمنين أيضاً، يظهر هذا التخوّف والقلق بأنه «نخاف أن لا نستطيع التحملّ!»، كما ورد في الروايات بأن البعض لا يتحمّلون ذلك.[5]

معرفة الظلم بشكل صحيح ضرورية ولكن غير كافية

علماً بأن نفس معرفة الظلم أيضاً مرحلة لابد أن يصل إليها المجتمع بعد النموّ والتكامل ولا يتأتى لكل مجمتع وبسهولة أن يمتلك معرفة صحيحة بالظلم. فقد تكون ثمة مظالم متفشية في المجتمع، غير أن الناس لا يدركونها بل ولا يعتبرونها ظلماً من الأساس. كما نجد الكثير من الناس اليوم ولاسيما في المجتمعات الغربية لا يمتلكون إدراكاً صحيحاً عن الظلم حتى يكونوا طلّاباً للعدالة. ولهذا إن أدرك الناس عبر تنمية الفهم والبصيرة العامة وأحسوا بالكثير من المظالم التي كانوا جاهلين بها وشعروا بألم فقدان العدالة، فقد ارتقوا مرحلة؛ وبهذا التكامل، سنقترب خطوة إلى الظهور، ولكنه مع ذلك ليس كافياً.
بعد معرفة الظلم، لابد من تحقّق معرفة العدالة بشكل صحيح أيضاً. وإن تطبيق العدالة بكلّ ما للكلمة من معنى، يستلزم «الشمول» و«الدوام». فشمولية العدالة تستوجب العداء الكبير للانتهازيين والظالمين على «نطاق واسع»، بل وتؤدي إلى عناد الذين لا يحتملون افتقاد «القليل» من منافعهم أيضاً.

عدم دوام العدالة غير الشاملة

ولا تدوم العدالة إلاّ في حال شموليّتها. فإنّ تطبيق العدالة في جزء من الأمور، سوف سيؤول إلى معرفة عنوان طلّاب العدالة الصادقين ليس إلّا والثمرة الطبيعة لذلك هي تعرّضهم لهجمات الأعداء الشرسة؛ وهذا ما حدث في كربلاً. فإن واقعة كربلاء في الحقيقة، هي انتقام من عدل علي (ع).

يتبع إن شاء الله ...

[1]. رسول الله (ص): «لا تَقُومُ السّاعَةُ حَتّى تَمْتَلِئَ الأرْضُ ظُلْماً وَعُدْواناً، ثُمَّ يَخْرُجُ رَجُلٌ مِن عِتْرَتِي فَيَمْلَؤُها قِسْطاً وَعَدْلاً كَما مُلِئتْ ظُلْماً وَعُدْواناً.» کنز العمال، ح38691؛ میزان ‌الحکمة، ح1276، وأيضاً: الإمام الصادق (ع): «...الَّذِي یَمْلَأُهَا عَدْلًا کَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً.» الکافي، ج1، ص341.
[2]. نهج ‌البلاغة، الخطبة92؛ تاریخ الطبري، ج4، ص434؛ الکامل في التاریخ، ج3، ص193.
[3]. الإمام السجاد (ع): «المُؤمِنُ ... لَا يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الْخَيْرِ رِيَاءً وَلَا يَتْرُكُهُ حَيَاءً.» الكافي، ج2، ص231؛ وكذلك عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ: «كُنْتُ بِالْكُوفَةِ فَيَأْتِينِي إِخْوَانٌ كَثِيرَةٌ وَكَرِهْتُ الشُّهْرَةَ فَتَخَوَّفْتُ أَنْ أَشْتَهِرَ بِدِينِي. فَأَمَرْتُ غُلَامِي كُلَّمَا جَاءَنِي رَجُلٌ مِنْهُمْ يَطْلُبُنِي قَالَ: لَيْسَ هُوَ هَاهُنَا. قَالَ: فَحَجَجْتُ تِلْكَ السَّنَةَ فَلَقِيتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (ع)، فَرَأَيْتُ مِنْهُ ثِقْلًا وَتَغَيُّراً فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَهُ، قَالَ: قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا الَّذِي غَيَّرَنِي عِنْدَكَ؟ قَالَ: الَّذِي غَيَّرَكَ لِلْمُؤْمِنِين‏.» ثواب ‏الأعمال للصدوق، ص146.
[4]. قال أمیر المؤمنین (ع) مخاطباً أهل الكوفة: «قَاتَلَکُمُ اللَّهُ لَقَدْ مَلَأْتُمْ قَلْبِي قَیْحاً وَشَحَنْتُمْ صَدْرِی غَیْظاً وَجَرَّعْتُمُونِی نُغَبَ التَّهْمَامِ أَنْفَاساً» الکافي، ج5، ص4؛ نهج البلاغة، الخطبة27.
[5]. الإمام الباقر (ع): «... حَتّی یَقُولَ کَثیرٌ مِنَ النّاس: لَيْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَوْ كَانَ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ.» الغیبة للنعماني، الباب13، ح113؛ وكذلك عن الإمام الصادق (ع): «يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْماً وَجَوْراً وَيَقْتُلُ حَتَّى يَقُولَ الْجَاهِلُ لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ ذُرِّيَّةِ مُحَمَّدٍ لَرَحِمَ» الغیبة للطوسي، ص188؛ ويقول الإمام الباقر (ع): «فَبَيْنَا صَاحِبُ هَذَا الْأَمْرِ قَدْ حَكَمَ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ وَتَكَلَّمَ بِبَعْضِ السُّنَنِ إِذْ خَرَجَتْ خَارِجَةٌ مِنَ الْمَسْجِدِ يُرِيدُونَ الْخُرُوجَ عَلَيْهِ فَيَقُولُ لِأَصْحَابِهِ انْطَلِقُوا فَيَلْحَقُونَهُمْ فِي التَّمَّارِينِ فَيَأْتُونَهُ بِهِمْ أَسْرَى فَيَأْمُرُ بِهِمْ فَيُذْبَحُونَ.» تفسیر العیاشي، ج2، ص56.



الكلمة الطيبة 03-10-2013 07:50 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 7
 
نحن نعلم أن الإمام المهدي (عج) يظهر في وقت انتشار الظلم، وسأم الناس منه، وانتظارهم لمن ينقذهم من هذا الظلم، ولكن على الناس أن يستعدّوا لتقبّل العدالة ومستلزماتها أيضاً. وأن يعرفوا كذلك جذور الظلم ولو بالإجمال. ففي هذه الصورة ستظهر موجة من إقبال الناس على الإمام (عج) عند ظهوره، وسيتّبعه أهل العالم، وتستقر حكومته الحقة على وجه الأرض بسهولة.

لا يعتمد الله على الأمواج العابرة في المجتمع

لكنّ النظرة العامية هي التصوّر بأن تفشّي الظلم، سيُحدث «موجة» من الإقبال على الإمام، وسترتكز دعائم حكومته على هذا الموج ليس إلا من دون تأهب عام لتقبّل العدالة ومستلزماتها. وهذا تصوّر سطحي، فإنّ الله هل يبحث عن موجة حتى يُركب الحكومة الحقة على موجة «استياء الناس من الظلم»؟
وأساساً لا يكترث الله بالأمواج العابرة وليس ديدنه تسيير الدين على الأمواج. وإذا ما انتفع في وقت من الأمواج الاجتماعية لتسيير جانب من الدين، فإنه بنفسه سيُهيّءُ أرضية انكسار هذه الأمواج عبر الابتلاءات الشديدة. ولفهم هذا الكلام بشكل أدق، نعود ثانية ونُلقي نظرة إلى تاريخ صدر الإسلام:
في أواخر عمر النبي الشريف وإبّان اقتداره لقوة أصحابه، ظهرت موجة كبيرة من التوجه إلى الإسلام: ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ في‏ دينِ اللَّهِ أَفْواجاً، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ...﴾[1] ، فلو كان المراد من هذه الأفواج، هم الذين اعتنقوا الإسلام في أواخر فترة الرسالة، فمن الواضح أنهم لا يتصفون بإخلاص السابقين في الإسلام. ولذا يمكن القول بأن الأفواج هذه هي نفس تلك الأمواج المفيدة التي اتّجهت صوب الإسلام الأصيل ولكن لم يثبت ويستقر هذا التوجه في الكثير منهم.
فإنّ ظهور هذه الموجة وإن كانت مؤثرة في تعزيز الدين واستقرار المجتمع الديني وبداية الحضارة الإسلامية، إلّا أنّ الله بعد رحيل النبي (ص)، جعل الامتحان في عهد أمير المؤمنين (ع) كالسدّ الذي يقف بوجه هذه الموجة، فسقط الكثير من الذين لم يعتنقوا الإسلام بأصالة، وفقدوا إيمانهم.
وبعد منعطفات كثيرة، وفي أواخر خلافة أمير المؤمنين (ع)، آل المطاف بالناس إلى أن يستعدوا لمواجهة معاوية وتنفيذ أمر الإمام في محاربته - حيث تمرّد على الخليفة الذي اتفق عليه المسلمون - ولكن حان وقت شهادة الإمام.
فلو كانت رؤيتنا سطحية، لكنّا نقول لله: «إلهي! إنك دقيق في معرفة الوقت، والناس لتوّهم قد عرفوا جانباً من أحقية علي (ع) واستعدّوا للالتفاف حوله. وبعد أعوام مما ألحقوا به من أذى، عزموا الآن على اتّباعه، فليس هذا الوقت مناسباً لشهادة علي (ع).» ولعلّ الله أيضاً سيجيب قائلاً: «حسناً، وصيّه موجود وهو الإمام الحسن (ع)، والإمام إمامٌ لا فرق بينهما. فلو أدركوا حقيقة الإسلام حقاً وخضعوا للولاية، فليخضعوا لولاية وصيّه.»
ألا ترون أنّ الله لا يريد مواكبة أيّة موجة؛ ولهذا قبض علي بن أبي طالب (ع) في الوقت الحسّاس. والناس أيضاً لم يتّبعوا الإمام الحسن المجتبى (ع) وسقطوا. وهذا هو أسلوب الله حيث يقوم أحياناً في الابتلاءات بما هو معاكس للجوّ ومخالف للموجة.
وقد وعد الله في كتابه الكريم أن يبتلي المؤمنين وأن لا يعتمد على مجرد نداءاتهم ومدّعياتهم الإيمانية، بل يمحتن الأجواء الإسلامية بما يبتليهم في إيمانهم: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُترَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾[2]. وفي موضع آخر يعتبر دخول الإيمان في القلوب أمراً مطلوباً ولا يقبل الادّعاء الواهي في ذلك:﴿قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلکِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا یَدْخُلِ الْإیمانُ في‏ قُلُوبِکُمْ﴾[3].

فهل من السيّء أن يقدّر الله وعي الإنسان وعقيدته الراسخة ويقينه الصائب ولا يكترث بالموجة؟ يريد بنا أنا وأنت أن نكون من أنصار صاحب العصر (عج) وأن نشهد إقامة الحق عن وعي وعقيدة، لا بالانخراط في الأجواء.

يتبع إن شاء الله ...


[1]. سورة النصر، الآية 2.
نزلت هذه السورة بعد فتح مكة، والآية المشار إليها تبشّر بانتشار الإسلام واعتناق الناس له. لاكتساب المزيد من المعلومات راجع تفسير الميزان في ذيل هذه السورة.
[2]. سورة العنکبوت، الآیة 2 و3. وكذلك انظر: سورة بقرة، الآیة 214؛ سورة آل عمران، الآیة 142؛ سورة التوبة، الآیة 16.
[3]. سورة الحجرات، الآیة 14.



الكلمة الطيبة 09-10-2013 09:05 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 8
 
الابتعاد عن النظرة العامية

عبر نفي النظرات العامية، تتفتّح آفاق جديدة للتفكر

إذا ما نظرنا إلى موضوع المنقذ بعيداً عن بعض النظرات العامية، ستتفتّح أمامنا آفاق جديدة للتفكر. فلو قبلنا على سبيل المثال بأن آلية ظهور الإمام (عج) وحكومته طبيعية ومطابقة مع السنن الإلهية والتعاليم الدينية التي تم قبولها ومراعاتها من قبل الأولياء والأئمة المعصومين، فلابد من الطبيعي أن نقبل بأن دوام حكومته (عج) أمر طبيعيّ أيضاً وناتج من نفس تلك السنن والأحكام؛ ولكن عبر تحقق بعض الشرائط والسنن الإلهية التي لم تسنح الفرصة لتحققها.

معرفة آلية ظهور الإمام وحكومته

علماً بأنّ معرفة آلية ظهور الإمام وحكومته أيضاً تعود إلى معرفة نفس هذه الشرائط والسنن وتحليلها إنسانياً واجتماعياً وسياسياً. فعلى سبيل المثال، ما هي تلك الأحكام التي لم تسنح الفرصة لتطبيقها حتى الآن؟ لماذا وكيف تتهيأ الأرضية لتطبيق تلك الأحكام في زمن الظهور؟ بأيّ دليل وأية آلية طبيعية واجتماعية يتوافر المجال لتحقق دولة لم تتحقق منذ بدء الخلقة وحتى الآن؟ إنّ جميع معاجز الإمام وكراماته وعنايات الله يمكن تفسيرها في هذا المضمار.
فإن كانت آلية الحكومة طبيعية ومستندة إلى سلسلة من القواعد والسنن الإلهية، لابد أن يكون دوام تلك الحكومة وبقاؤها إلى يوم القيامة أيضاً مستند إلى مجموعة من القواعد والسنن الإلهية. وفي هذا المجال، تُطرح أسئلة مهمة نشير إلى جملة منها:

أسئلة تُطرح عبر نفي النظرة العامية

إن كان الناس لا يُساقون إلى الصلاح بالإجبار أو من خلال المعجزة، يمكنهم إذن سلوك الطريق السيّء باختيارهم. ولكننا نسمع أنه سيكون أكثر الناس في زمن ظهور الإمام وحكومته من الصالحين، فكيف يتحقق ذلك؟ ما هو العامل الذي يؤدي إلى صلاح أكثر الناس؟ كيف يدوم هذا الصلاح؟ لماذا تختفي سيئات السيئين ولا يكون بمقدورهم إلحاق ضرر كبير بالمجتمع؟[1] ماذا سيكون مصير الإنسان السيّء الذي لم يرتدع عن أعماله السيئة، وكيف سيعيش في المجتمع المهدوي، وكيف يُظهر سيئاته؟ كيف سيتعامل الإمام (عج) مع مسألة الفساد والنفاق؟ هل يمكننا اليوم أن نسير نحو مثل هذا المجتمع الصالح؟ وإلى أيّ مستوى؟ هل يمكننا استخدام تلك القواعد التي تؤول إلى إيجاد مثل هذا التحوّل في حياة البشر، لمعاجلة مشاكل مجتمعنا في الوقت الحاضر؟ هل يمكن أساساً الاستفادة من هذه القواعد الطبيعية من دون حضور الإمام المعصوم؟ أم أنه يمكن الاستفادة من بعضها دون البعض الآخر؟ ما هو دور حضور الإمام في المجتمع ودور حكومته في تحقق سعادة البشر بالدقة؟

نفس تدفق هذه الأسئلة له بركات مهمة

إذا تركنا النظرة العامية جانباً، تتدفّق الأسئلة واحدة تلو الأخرى وتتولّد الأفكار. وما عدا المعارف والبركات الكبيرة التي تصيبنا إثر متابعة هذه الأسئلة، فإن نفس تدفّق مثل هذه الأسئلة، يعني الاهتمام بأمر الظهور ورسوخ عقيدتنا بالفرج. كما أننا على أثر ظهور هذه الأسئلة والتقرّب إلى أجوبتها، سنتعرّف على وظائفنا في هذه الفترة تمهيداً للظهور بشكل أمثل.
لعلّ الكثير من المشاكل الموجودة في مجتمعنا الحالي، ناجمة من إهمال نفس تلك السنن الإلهية التي ستؤدي في زمن الظهور إلى معالجة مشاكل البشر وسعادتهم. ولعل ابتعاد المنتظرين عن الإنجازات العلمية، يتسبّب أساساً عدم تهيئة المجال والأرضية الاجتماعية والتمهيدية للظهور. ولعلّ جزءاً من انتظارنا أيضاً لابد وأن يتبدّل إلى إقدام علميّ. ولعلّنا إلى حدّ ما نقوم بتبرير فتورنا وجهلنا من خلال الانتظار، شأننا في ذلك شأن الذين جعلوا الانتظار ذريعة لكَسَلهم وفرارهم عن الجهاد.
الآثار السيئة للنظرة العامیة

إنّ للنظرة العامية آثار سيئة كثيرة في الأبعاد الفردية والاجتماعية. فقد مضى ذلك الزمن الذي كانت فيه النظرة العامية توجب الرضا والسرور بصفتها أقل ما هو قابل للتحمّل. وبعبارة أخرى، فإن أضرار النزعة العامية ليست بقليلة في الظروف الحالية.

1.عدم إشاعة ثقافة الانتظار الأصيلة

واحدة من تلك الآثار السيئة للنظرة العامية إلى موضوع المنقذ والمهدوية، هي عدم إشاعة ثقافة الانتظار الأصيلة في عالم البشرية. فإن كانت نظرتنا سطحية، ولم نبيّن نظرية حكومة الإمام المهدي (عج) بصورة علمية، ولم نقدّم تحليلاً علمياً عن موضوع المهدوية والمنقذ، سيتبدّل هذا الموضوع شيئاً فشيئاً إلى أمر خيالي أو خرافي وسيكون كالسد المنيع حائلاً بيننا وبين إشاعة ثقافة الانتظار الأصيلة ولاسيما بين النُخب وبين سوق الأذهان إلى هذا الموضوع بدقة.

عدم الاهتمام بموضوع المهدوية في الأوساط العلمية والنخب السياسية

وفي مثل هذه الظروف، سيرفض الكثير من الناس موضوع المنقذ والمهدوية لكونه غير عقلاني. وسيعتبر المفكّرون والمثقّفون مسألة المهدوية أمر وهمي بعيد عن التعقّل، وستتحدّد إشاعة الانتظار بالأوساط الدينية والمساجد وستبقى الفاصلة بين الدين والدنيا. واليوم أيضاً مجتمعنا يعاني من عدم الاهتمام بمسألة ظهور الإمام وحكومته في الأوساط العلمية والجامعية وبين النخب السياسية ومدراء المجتمع. في حين يمكننا عبر التدبّر الجادّ في منهجية حكومة الإمام، أن نساهم في معالجة مشاكل المجتمع وتنظيم الأمور وتحسين الأوضاع وتدبيرها.
وإنّ الحديث عن الحكومة المهدوية من قبل المفكرّين والسياسيين بداية جيّدة، ولكن إذا لم تقترن هذه البداية بالتدبّر والتعمّق في منهجية الحكومة المهدوية والتوجه إلى نتائج هذا التدبير في تنظيم الأمور، فستكون عرضة للأضرار والآفات.

2.تهيئة الأرضية لحرف موضوع المهدوية

ومن الآثار السيئة الأخرى لهذه النظرة العامية، هي توافر الأرضية للانحراف واستغلال موضوع المهدوية من قبل الأعداء. ففي ظلّ هذه «النظرة العامية إلى مفهوم المنقذ»، سيشعر الكثير من الناس أنهم ومن خلال بعض أنواع الادّعاء والتظاهر البسيط يستطيعون أن يعرّفوا أنفسهم بأنهم نفس ذلك المنقذ أو أنه تربطهم صلة به. فكم من الادّعاءات الكاذبة التي نسمعها من هنا وهناك حول الارتباط مع المنقذ.[2] وظاهرة «البهائیة» أيضاً لابد من إدخالها في عداد هذه المسألة.
وقد أشير في الروايات إلى ظهور الكثير من الرايات المنحرفة في زمن الظهور مدّعية بأنها هي «المنقذ».[3] ففي أيّ جوّ تظهر وتتبلور هذه الانحرافات؟ أليس كذلك بأن النظرة العامية لموضوع المنقذ، هي التي تهيء الجوّ لشيوع مثل هذه الانحرافات؟

يتبع إن شاء الله...


[1]واحدة من معاني ذلّة النفاق في دولة الإمام الكريمة الواردة في الروايات: «تُذِلُّ بِهَا النِّفاقَ وَآَهْلَهُ» هي أن المنافقين رغم تواجدهم لا يمكنهم إلحاق ضرر كبير بالمجتمع لذلتهم. يقول الإمام الخميني (ره): «نعم، في عصر صاحب الزمان – سلام الله عليه – تكون الحكومة واحدة ... وتتحقق العدالة الاجتماعية في جميع العالم، ولكن لا يعني ذلك أن الإنسان يتبدّل إلى إنسان آخر. فالناس كما كانوا عليه طائفة صالحة وأخرى طالحة. غير أن الطالحين لا يمكنهم عندئذ اقتراف الأعمال السيئة.» صحيفة الإمام، ج20، ص340.
[2]إن أساس الارتباط بالإمام المهدي (عج) ولقاء الصالحين به في فترة الغيبة الكبرى، تعتبر من الأمور البيّنة التي لا ينكر، وقد أيّدها الكثير من الأعلام والمراجع العظام كالإمام الخامنئي وسماحة آية الله الشيخ البهجة (ره)، غير أنّ إيجابية زوال النظرة العامية عن موضوع المنقذ هي ظهور ملاكات ومعايير يمكننا من خلالها الفرز بين الصحيح والكاذب من هذه القصص إلى حدّ ما، بل سيؤدي ذلك أساساً إلى سدّ باب استغلال هذه القصص والادّعاءات المزيفة.
يقول الإمام الخامنئي: «إنّ الكثير من أعلامنا قد زاروا في فترة الغيبة هذه، ذلك العزيز وحبيب قلوب العاشقين والشائقين عن قريب. والكثير بايعوه عن قريب. والكثير سمعوا منه كلاماً يبعث على الأمل. والكثير شملتهم عنايته، والكثير غمرتهم ألطافه وعناياته ومحبته دون أن يعرفوه.» (كلمته في الاحتفال الكبير لمنتظري الظهور؛ 24/ 11/ 1999) وقال في موضع آخر: «قد ينال عيون أو فؤاد إنسان سعيد إمكانية الاكتحال بأنوار ذلك الجمال المبارك، لكن هؤلاء لا يطلقون ادعاءات وأقوالاً ولا يفتحون لأنفسهم دكاكين. الذين يفتحون لأنفسهم دكاكين بهذه الطريقة يمكن للمرء أن يقطع ويتيقّن بأنهم كاذبون مفترون. ينبغي إبعاد هذه العقيدة الواضحة الساطعة عن هذه الآفة.» (كلمته بمناسبة يوم النصف من شعبان؛‏ 17/ 08/ 2008).
وهناك نماذج أخرى كثيرة من آراء الأعلام والعلماء الكبار حول إمكانية اللقاء مع الإمام (ع) أو حصوله، نشير هنا إلى جملة منها: يقول آية الله الشيخ البهجة (ره): «إن عنايات الإمام صاحب الزمان (عج) وألطافه في زمن الغيبة كثيرة بالنسبة إلى محبيه وشيعته؛ وباب اللقاء والحضور لم يغلق بالكامل؛ بل ولا يمكن إنكار أصل الرؤية الجسمانية أيضاً.» در محضر بهجت، ج1، الرقم389. وقال أيضاً: «واحدة من الأمور المهمة بل من أهم الأمور هي معرفة ما يجب علينا فعله لنكون كالعلماء والمتشرعة والصلحاء التابعين للعلماء الذين حصلوا على الفرج الشخصي والارتباط الخاص مع ولي العصر (عج).» در محضر بهجت، ج3، الرقم1321. وجاء في کتاب الاستفتائات لسماحته: السؤال: كيف يمكن الجمع بين العبارة الواردة في التوقيع الشريف لعلي بن محمد السمري – رحمه الله -: «وسيأتي مَن يدّعي المشاهدة... فكذّبوه»، وبين ما جاء من قصص في كتاب بحار الأنوار وغيره تحت عنوان: «في من فاز بلقاء الحجّة علیه السلام»؟ الجواب: المراد من التوقيع بقرينة المقام، هو المشاهدة على نحو النيابة الخاصة، [أي أن الرواية مختصة بالغيبة الصغرى، ولهذا فإن القصص واللقاءات الواردة في بحار الأنوار وبعض الكتب الأخرى، قد تكون صحيحة] (السؤال 1976). وقال آية الله الشيخ مكارم الشيرازي حول قصة لقاء الإمام (عج) وأمره ببناء مسجد جمكران: «قضية مسجد جمكران المقدس وقعت في اليقظة». (الاستفتاءات الجديدة، ج‏1، ص496) وجاء في استفتاء من سماحته: «السؤال 1511: هل أن شرط اللقاء بالإمام، هو العلم والتقوى أم المصلحة والزمان والمكان؟ الجواب: الشرط الأساس لأهلية اللقاء بالإمام، هو التقوى على مستوى عالٍ. ولكن قد تظهر طلعته البهية على من ليس أهلاً لذلك بل وحتى على من ليس شيعياً أو مسلماً لمصحلة إسلامية.» (الاستفتائات الجدیدة، ج3، ص542)
[3]الإمام الصادق (ع): «لا يَقُومُ الْقَائِمُ (ع) حَتَّى يَقُومَ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا كُلُّهُمْ يُجْمِعُ عَلَى قَوْلِ إِنَّهُمْ قَدْ رَأَوْهُ فَيُكَذِّبُونَهُمْ»؛ (الغیبة للنعماني، ص277). وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع): «لَا يَخْرُجُ الْقَائِمُ حَتَّى يَخْرُجَ اثْنَا عَشَرَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ كُلُّهُمْ يَدْعُو إِلَى نَفْسِهِ»؛ (الغیبة للشیخ الطوسي، ص437).



الكلمة الطيبة 20-10-2013 01:15 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 9
 
إن النظرة العامية، بالإضافة إلى أن بإمكانها تهيئة الأرضية لاستغلال الأعداء، يمكنها أن تعبّد الطريق لانحراف الأصدقاء أيضاً. فمن الانحرافات التي قد تظهر في بحث المنقذ والمهدوية هي سوق الناس إلى مجرّد الارتباط العاطفي والشخصي مع الإمام المهدي (عج). فإنّ هذا الارتباط العاطفي جيّد ولابد من تنميته، وبالطبع فإنه سينمو عبر ازدياد المعرفة والدقة في أداء التكاليف الإلهية، سوى أنّ التوجيه الصرف للارتباط العاطفي وجعل الهدف الأول والأخير للمنتظرين هو اللقاء السرّي والتشرف بالإمام، من دون النظر إلى مستلزماته وحقائقه الاجتماعية، يهيّء الأرضية للانحراف الذي قد تظهر من مكنونه الكثير من المسائل المخالفة لنهج الإمام المهدي (عج) المتمثل بالإسلام الأصيل.[1]

3. إيجاد الخمول بين المنتظرين

والأثر السلبي الثالث للنظرة العامية، هو «الخمول» الذتي توجده بين المنتظرين. وبعبارة أخرى فإن النظرة العامية تكون سبباً لترك المنتظرين وظائفهم وعدم معرفتها. كم هي حالة سيئة بأننا كمنتظرين كلما نتذكّر الإمام المهدي (عج)، نتنفّس الصعداء ونقول: «سيظهر الإمام إن شاء الله» ومن بعدها نعود إلى حياتنا المليئة بالأخطاء. وهذه آفة وضرر بأن انتظارنا لا يوجد في حياتنا أيّما تغيير. فمن الطبيعي أننا إذا ما نظرنا إلى موضوع الانتظار بنظرة سطحية، لا يمكننا أن نستخرج التكاليف المتشعبة منه لأنفسنا وأن نجد حركة في وجودنا وأن نشعر بالمسؤولية الملقاة على عاتقنا.

4. معاداة الإمام (عج) بعد الظهور

وبالتالي فإن الأثر السلبي الأكبر للنظرة العامية، هو التأثير الذي قد تتركه في نفوس المنتظرين وتسوقهم إلى سوء العاقبة. وبعبارة أخرى، قد تكون عاقبة المنتظرين الذين ينظرون إلى موضوع المنقذ والمهدوية بنظرة عامية، هي أن يدخلوا في عداد أعداء الإمام (عج) بعد الظهور. كما صرّحت بذلك الروايات أن البعض يقف أمام الإمام ويقول: «ليس هذا من آل محمد»[2]، والحال أنه كان منتظراً للإمام بنحو من الأنحاء.

كيف يعادي الإمام من كان منتظراً له في السابق؟

لماذا يعادي الإمام بعد ظهوره من كان منتظراً له في غيبته؟ لأنه كان يحمل تصوّراً خيالياً وهمياً عن الإمام (عج)، وعندما يرى وجوده الحقيقي المقدس ويجده لا ينسجم مع صورته الخيالية، ينهض لمعاداته ومخالفته. فإنّ الذي يحمل نظرة عامية وتشتدّ عقيدته بها بحيث تظهر فيه بصمات من الانحراف، لا ينفع الإمام، بل سيتسبب له الأذى والألم بعد حضوره.[3]
وإن أمثال هؤلاء يدّعون لأنفسهم شيئاً سيما وهم يحملون من قبل بعض المعلومات؛ ويقولون على سبيل المثال: «كلا، إنه ليس صاحب الزمان؛ نحن نعلم، نحن نعرف، نحن كنّا ننتظر، واليوم نحن نُشخّص هل هذا هو الإمام أم لا.»
علماً بأن البعض يخالفون الإمام بسبب عدم بناء هويتهم الإنسانية وتعارض أوامر الإمام مع منافعهم الذي قد يكون هذا التعارض بنحو من الأنحاء ناجماً من نفس ذلك التصور الخاطيء حول المنقذ.
كما حدث ذلك لليهود في المدينة أيضاً. فإنهم دوماً ما كانوا يتفاخرون على أهل المدينة قبل بعثة النبي الأكرم (ص) بأن النبي الموعود سوف يظهر وعلاماته كذا وكذا. ولكن ما إن وصلت دعوة النبي إلى المدينة وأسلم عدد من أهل المدينة، عمدوا إلى المخالفة محتجين بأن «هذا الشخص ليس هو النبيّ الموعود.»[4]
علماً بأن هذه «المخالفة بعد الموافقة»، تعود إلى نفس تلك التصوّرات الخاطئة التي كان يحملها اليهود بالنسبة إلى النبي الموعود. حيث كانوا يتصوّرون بأن النبي الموعود سيكون منهم أو قريباً منهم على أقل تقدير. ولم يتصوّرا بتاتاً بأن ظهوره سيشكّل خطراً على منافعهم. ولعلهم لو كانوا يحملون صورة صحيحة عن النبي في آخر الزمان، لأعدوا أنفسهم قبل مجيئه حتى لمواجهته وعدائه.
وفي خصوص المهدي الموعود أيضاً، بما أن نظرة البعض ممن يدّعي الانتظار نظرة خاطئة ويحملون تصوّراً باطلاً حول المنقذ، لا يمكنهم متابعة الإمام بعد ظهوره. وعندها يرون الإمام، يعرفون أنهم لم يكونوا منتظرين لمثل هذا الشخص على الإطلاق. وهذا هو ناتج عن تلك الذهنية الخاطئة، ولم تتولّد لهم هذه الذهنية سوى أنهم لم ينظروا إلى موضوع المنقذ بنظرة علمية.

النظرة العامية لمعاجز الظهور = التشكيك في كفاءة الدین

لو أردنا استقراء الآثار السلبية للنظرات العامية لطال البحث. ولكن واحدة من الآثار المهمة الأخرى الجديرة بالذكر، هي أنه لو بقيت عقيدتنا حول معاجز الظهور وإطلاق عنانها في إصلاح الأمور على مستوى النظرة العامية – التي ذُكرت خصائصها – ستصبح كفاءة الدين والمعتقدات الدينية عرضة للتشكيك والتساؤل. ويعني ذلك أن البعض سيقول: «هل رأيتم أن دين الله لا يمكن تطبيقه؟ هل رأيتم بأنه لم يستقم أمر أيّ أحد من الأنبياء؟ ولم يستطيعوا جمع الناس تحت لواء التوحيد والإيمان بالله وتشكيل حكومة شاملة ثابتة؟ وبالتالي أصلح الله الأمور كلها من خلال المعجزة.»

الظهور، تابع للقواعد والسنن الإلهية

هل سيأتي الإمام (عج) ليقول: «أيها الإنسان! نحن قد أيسنا من إصلاحك، ولهذا سنقوم عبر عناية معنوية بتغيير قلبك»؟ هل حقيقة سيكون ذلك؟ هل أن الناس الذين تحمّلوا الكثير من العناء والألم لتزكية أنفسهم، كانوا يعملون عبثاً؟ والحال – كما أشرنا إلى ذلك – أن مسألة الظهور وإقبال الناس على حكومة الإمام ودوام هذا الإقبال، لا ينبغي أن تكون ظاهرة بعيدة عن القواعد والسنن الإلهية، وهذا أمر طبيعي جداً. ولو كان المقرّر أن يتحقق هذا الإقبال واستدامته عبر تعطيل بعض القواعد والسنن الإلهية، لتبيّن أن دين الله أساساً لا يحمل قابلية التطبيق على أساس نفس هذه القواعد والسنن الطبيعية التي كانت حاكمة في العالم حتى الآن، وبالتالي سنثبت من الآن بأن أحكام الله غير عملية.

يتبع إن شاء الله ...



[1]. يقول آية الله الشيخ البهجة (ره): «لا يجب على الإنسان السعي للتشرف بخدمة ولي العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف، بل لعل ركعتين من الصلاة ثم التوسل بالأئمة عليهم السلام أفضل من التشرّف؛ لأن الإمام يرانا ويسمعنا أينما كنّا، والعبادة في زمن الغيبة أفضل من العبادة في زمن الحضور؛ وزيارة أي واحد من الأئمة الأطهار عليهم السلام كزيارة الحجة عجّل الله تعالى فرجه الشريف.» در محضر بهجت، ج1، الرقم277. وقال أيضاً: «هل من الصحيح أن نركن إلى الراحة وننظر وإخواننا وأخواتنا في الدين تحت وطأة الظالمين؟! ... هل يمكن أن يكون زعيمنا ومولانا ولي العصر عجّل الله تعالى فرجه الشريف حزيناً، ونحن مسرورون؟!» نفس المصدر، ج2، الرقم267.
[2]. الإمام الباقر (ع): «... حَتَّی یَقُولَ کَثِیرٌ مِنَ النَّاسِ لَیْسَ هَذَا مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ ...» الغیبة للنعماني، ص231. وكذلك عن الإمام الصادق (ع): «إِذَا خَرَجَ الْقَائِمُ خَرَجَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَدَخَلَ فِي سُنَّةِ عَبَدَةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.» الغیبة للنعماني، ص317. وروايات مشابهة أخرى تدل على مخالفة البعض من أهل جبهة الحق للإمام، ذكرناها في هامش الصفحة 37.
[3]. عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللهِ (ع) يَقُولُ: «إِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ، اسْتَقْبَلَ مِنْ جَهْلِ النَّاسِ أَشَدَّ مِمَّا اسْتَقْبَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ (ص) مِنْ جُهَّالِ الْجَاهِلِيَّةِ. قُلْتُ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) أَتَى النَّاسَ وَهُمْ يَعْبُدُونَ الْحِجَارَةَ وَالصُّخُورَ وَالْعِيدَانَ وَالْخُشُبَ الْمَنْحُوتَةَ، وَإِنَّ قَائِمَنَا إِذَا قَامَ، أَتَى النَّاسَ وَكُلُّهُمْ يَتَأَوَّلُ عَلَيْهِ كِتَابَ اللَّهِ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِهِ.» الغیبة للنعماني، ص296.
[4]. «وَلَمَّا جاءَهُمْ کِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَکانُوا مِنْ قَبْلُ یَسْتَفْتِحُونَ عَلَی الَّذِینَ کَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا کَفَرُوا بِه، فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَی الْکافِرینَ!» سورة البقرة، الآية 82.



الكلمة الطيبة 26-10-2013 01:10 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 10
 
علماً بأنه في ضمن تحليل علمي لمسألة الظهور، تدخل جميع القواعد الطبيعية في الحياة بنظر الاعتبار، ومن أهمها قطعاً هو عنصر «المعنوية». كما ولعنصر «المعجزة» مكانته أيضاً في جانب من تلك المنظومة. ولكلّ من عنصري «النصرة الإلهية» و«عناية الإمام المعنوية» مكانته الخاصة، فلا نريد أن نرفض ذلك. ولا نريد أن نقول بأن الإمام لا يتمتع بالعناية المعنوية والأثر الإعجازي في نظرته وكلامه. فإنّ العناية المعنوية أيضاً تدخل في عداد نفس هذه الآلية الطبيعية. ولكن يجب علينا أن نستخرج نظرياتها العلمية وأن نبيّن بشكل صحيح أنه مثلاً «كيف يقوم القائد الإلهي بإنقاذ المجتمع بواسطة نوره؟»، ونوضّح دور هذا النور في تلك المنظومة الجامعة لكل العوامل التي تؤدي إلى إنقاذ المجتمع جنباً إلى جنب. سيما ونحن لا ننسى بأنه على الرغم من حضور رسول الله (ص) الذي لا ندّ له ولا مثيل، وأمير المؤمنين (ع) والأئمة من بعده، لم تتحقق تلك الحكومة النموذجية والمنقذة ولم تستمر بشكل كامل.

المودة العامية

إلى جانب «النظرة العامية»، يمكننا التعرض لـ«المودة العامية» أيضاً. علماً بأن هناك فرق بينهما. فقد أشرنا فيما مضى إلى بعض مصاديق النظرة العامية حول الانتظار وجملة من آثارها السيئة. والمودة العامية وإن كانت تتمتع بمزيد من القيمة إلّا أنها قد تتعرض لبعض الأضرار والآفات التي لا يمكن تداركها أحياناً.
والمراد من المودة العامية، هي المحبة السطحية التي لا تستند إلى مبدأ وتكون عرضة للزوال في كل لحظة. كما ويمكننا استخدام تعبير المودة العامية في المواطن التي تستند إلى أساس نظري باطل ومعرفة غير صحيحة. وبالطبع فإن هذا الأساس الباطل وليد نفس تلك النظرة العامية.

وفي رواية لأمير المؤمنين (ع)، قام بذمّ «المودّة العامية» قائلاً: «مَودَّةُ العَوامِّ تَنْقَطِعُ کانْقِطاعِ السَّحابِ، وتَنْقَشِعُ کما یَنْقَشِعُ السَّرابُ.»[1] ، حيث أشير في هذا الكلام الشريف، إلى أهم ضرر للمودّة العامية وهي الانقطاع.
ولكن لا ينبغي قطع النظرة الإيجابية إلى مثل هذه المودة بالمرة؛ وذلك فيما لو كانت المودة العامية مقتبسة من محبة فطرية طبيعية وإن كانت ابتدائية. حيث تبدأ محبة الكثير من العوام ومعرفتهم لأولياء الله من هذه المودة. ولابد من إكبار العلائق الفطرية والابتدائية الموجودة في أعماق المجتمع. فهي ثروات ضرورية لتكامل نفس تلك العلائق والمعتقدات وعلامة على سلامة وصفاء سريرة الأشخاص. ولابد في آن واحد من الإشادة بهذه المودة العامية النقية والرائجة بين الكثير، بل وإشاعتها بين أهلها؛ ومن تعزيزها وتنميتها من خلال النظرة العلمية. فأحياناً ما تكون هذه العلائق بداية للهياج والوعي العميق ولا ينبغي أن نضعها في جانب وأن نمرّ عليها مرور الكرام.

وأحياناً ما نستهين عبر حكم خاطئ بهذه العلائق العامة، والحال أنه يوجد بين العوام أناس يحملون معرفة ثاقبة وإيماناً راسخاً يغبطهم النخب عليها. ولا ينبغي – كما هو واضح – أن نعتبر كلّ من قلّ علمه ونقصت معلوماته من العوام، وأن نُدخل علائقهم في عداد العلائق العامية المنقطعة.
ومن جانب آخر، لا يُتصوَّر أنّ التطرّق إلى أبحاث المهدوية بصورة علمية عقلائية يرد في قبال التعامل العاطفي مع هذا الموضوع. فمن الخطأ أن نضع كلاًّ من هذين الموضوعين في قبال الآخر. كما نجد البعض بما يحمله من نظرة ضيّقة، وإلى جانب التوصية بالتعرض علمياً لمسألة المهدوية، يتهجم على الموجة العاطفية للتوجه إلى صاحب الزمان (عج)، وأساساً يعتبر التوجه العاطفي للإمام أمراً لا أصالة له ولا قيمة. في الوقت الذي لا يمكن إخماد هذه الموجة العاطفية بل وليس هذا بالشيء المطلوب أساساً.
وإن التطرّق إلى موضوع المنقذ بصورية علمية وعقلية، لا يتنافى مع التوجه العاطفي للإمام المهدي (عج)، بل إذا استنارت العقول، اتّقدت العواطف. والمعرفة تؤدي إلى إرساء وتعزيز هذا الارتباط العاطفي، وإلى إخراجه من المرحلة العامية.
فلا يتصوّر أحد أن معرفة الإمام (عج) بالعقل والمنطق أسمى من البكاء. فإنّ من تكاملت معرفته بشأن الإمام (عج)، سيبكي بدل الدموع دماً. ولا يتصوّر أحدنا بأننا إن أصبحنا من العلماء، سندع البكاء؛ ونترك دعاء الندبة. كلا، بل إن أصبحنا من العلماء، سيشتدّ اهتمامنا بقراءة دعاء الندبة، وسنعرف علامَ بكاؤنا. وهذا هو الأثر العجيب للمعرفة.
وأحياناً نجد البعض يردّد عن جهل: «يكفي البكاء على صاحب الأمر. فقد حان وقت المعرفة.» غافلين عن أنّ المعرفة إذا تكاملت، سيزداد البكاء أيضاً. ولهذا فإن من كثرت معلوماته ولكن لم يشتدّ بكاؤه وحزنه وأنينه، فعليه أن يشكّ في إنسانيته. وهذا أصل هامّ بأن العلم يزيد من الخشية؛[2] ولذلك قال الله سبحانه: ﴿إِنَّما یَخْشَی اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماء﴾[3].
غير أنّ جزءً من هذا الارتباط العاطفي الذي يتولّد في البدء، ناتج عن الفطرة السليمة، وجزءً منه ناجم عن المعرفة الكلية والبدائية التي قد يكون البعض منها سطحياً. والكلام في أن هذه المعرفة الكلية والبدائية لابدّ من نموّها وتكاملها، ليدوم ذلك الارتباط العاطفي ويخرج من حدّه الأدنى.

يتبع إن شاء الله ...


[1]. غرر الحکم، ح1129.
[2]. أمیر المؤمنین (ع): «إِذَا زَادَ عِلْمُ الرَّجُلِ زَادَ أَدَبُهُ وَتَضَاعَفَتْ‏ خَشْیَتُهُ‏ لِرَبِّهِ.» غرر الحکم، ح791. وقال أيضاً: «سَبَبُ الْخَشْیَةِ الْعِلْمُ.» نفس المصدر، ح787.
[3]. سورة فاطر، الآية 28.



الكلمة الطيبة 19-11-2013 12:07 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 11
 
بل لابد من القول أن هذا المستوى المتوسط للارتباط العاطفي الموجود في المجتمع مع الإمام المهدي (عج)، ليس كما ينبغي أن يكون. والحالة الموجودة أقل بكثير من الحدّ المطلوب والمتوقّع. وإنّ هذه الموجة المنعشة التي انتشرت في بلادنا من قراءة دعاء الندبة والحمد لله، إنما هي بداية الطريق لا نهايته. ولا يُعلم كم ابتعدنا عن نقطة الصفر. أجل، فقد اجتزنا هذه النقطة ولسنا تحت الصفر، ولكنّ بيننا وبين النقطة المطلوبة بونا شاسعا.
فقد بدأت قراءة دعاء الندبة وازدهرت هذه المراسم، ولكن هناك فرق كبير بين دعاء الندبة الذي لابد أن يُقرأ للإمام (عج) والذي يحتاج إلى محبة شديدة جداً، أشير إليها في نفس الدعاء بوضوح[1]، وبين الدعاء الذي نحن نقرؤه. ولابد من إحالة شرح هذا الفرق إلى مجال آخر.
وفي الوقت ذاته، فإنّ هذا التوجه البدائي للإمام أيضاً توجه له معناه وقيمته الخاصة. ونحن نكنّ بالغ الاحترام لكلّ ما يتركه الاسم المقدّس للإمام المهدي (عج) من أثر وحلاوة في القلوب، ولكن اللوم هو أن نريد إبقاء هذا التوجّه على نفس هذا الحدّ التمهيدي والأدنى والاكتفاء بذلك. وهنا لابد أن نترقّب أضرار النزعة العامية.

لماذا يجب تنمية العواطف الدينية؟

فلو قام أحد بإبقاء عواطفه الدينية في الحد التمهيدي، والحال أن الظروف تقتضي تكاملها، فقد يؤدي هذا الجمود إلى انحرافه. ومن الممكن أن ينهض مثل هذا الشخص شيئاً فشيئاً للوقوف بوجه دينه؛ لأنه بعد مدة من ظهور تلك العواطف الدينية الأولى، سيتلمّس بدائيّتها وسطحيّتها وبالتالي سيسعى للابتعاد عن هذه السطحية. فإن لم يتّجه هذا الابتعاد إلى العمق، قد يُساق إلى الحذف والمواجهة. ولذا لابد من الغور في أعماق هذه العواطف الدينية وإرساء هذا التوجّه البدائي الحاصل للإمام (عج). ويجب الحرص على أن لا توقعنا هذه المودة العامية في الهاوية وترتحل عنا في الوقت الذي نحتاج إليها.

ومن نماذج العلائق العامية التي يمكن الإشارة إليها هو الاهتمام بلقاء الإمام، من دون التوجه إلى مسألة الظهور وفلسفة الغيبة والانتظار. فالذين يحملون مثل هذه العلائق العامية، هم الذين يتشوّقون للقاء الإمام ولكن من دون التوجّه إلى ظهور شمس الإمام من خلف السحاب ومن دون الاكتراث بالآثار والبركات الجمّة المترتبة على الظهور. فإنّ مثل هذه العلاقة وإن كان من الواجب حفظ حرمتها، ولكنّ السؤال هو أنه كيف يمكن ادّعاء العشق وتمنّي اللقاء، من دون الاعتناء بمطاليب الإمام وأهدافه؟

يقول سماحة آية الله الشيخ البهجة (ره):

«هل يمكن أن يكون زعيمنا ومولانا ولي العصر (عج) حزيناً، ونحن مسرورون؟! ويكون باكياً لما ابتلي به أولياؤه ونحن ضاحكون مبتهجون، وفي الوقت ذاته نعتبر أنفسنا من أتباعه؟!»[2]، «يريد أنصاراً يطلبون الإمام لا غير. فالمنتظر للفرج هو الذي ينتظر الإمام لله وفي سبيل الله، لا لقضاء حوائجه الشخصية!»[3] ، «إن الوصول إلى الإمام واللقاء به وحيداً ليس بالأمر المهم ... كلّ منا يفكّر في حوائجه الشخصية، ولا نفكّر بالإمام الذي يعمّ نفعه الجميع والذي هو من أهم الضروريات!»[4].
إنّ الذين يتشوّقون للقاء الإمام لا غير، والذين لا يكترثون بمصائب البشر وبرسالة الإمام، غالباً ما لا يحلّون عقدة من عُقَد الإمام. وإن كان الإمام قد ينفعهم إن كانوا صادقين.

نحن ننادي في دعاء الندبة:

«مَتی تَرانا وَنَراكَ، وَقَدْ نَشَرْتَ لِوآءَ النَّصْرِ تُری؟ أَتَرانا نَحُفُّ بِكَ وَأَنْتَ تَاُمُّ ‏الْمَلَأ، وَقَدْ مَلَأْتَ الْأَرْضَ‏ عَدْلاً؟»[5]
أي أنّي أعشق لقاءك في حال كونك إماماً وحاكماً على العالم. لا أنني أتمنى أن ألقاك في زاوية. علماً بأنه لابد من الاعتراف بأن من حلّ في قلبه شوق اللقاء بالإمام ولو بصورة فردية، ففي الأغلب سيشتاق إلى الظهور ونجاة العالم أيضاً، وهذان الأمران متلازمان. غير أنّ في مقام التبليغ للقاء الإمام (عج) بصورة فردية عثرات ومطبات لابد من اتّقائها.
وكذلك الحال في الدعاء لصاحب الزمان:
«اللَّهُمَّ کُنْ لِوَلیِّكَ الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ، صَلَواتُك عَلَیهِ وَعَلی‏ آبائِهِ، فِي هَذِهِ السَّاعَةِ وَفِي کُلِّ سَاعَةٍ، وَلِیّاً وَحَافِظاً، وَقَاعِداً وَنَاصِراً، وَدَلِیلًا وَعَیْناً، حَتَّی تُسْکِنَهُ أَرْضَكَ طَوْعاً، وَتُمَتِّعَهُ فِیهَا طَوِیلًا.»[6]
ففي هذا الدعاء المشهور، لا نطلب أساساً لقاء الإمام، بل ندعو لسلامته. ندعو أن يكون الإمام سالماً حتى يتحقق فرجه ويتمتع بحكومته. وهذه هي غاية الخلوص النابع عن العشق والمعرفة، بأن لا ينظر الإنسان إلى نفسه ولا يفكّر إلّا في محبوبه.
وفي دعاء العهد أيضاً، الذي تستحب قراءته في كل صباح، والذي كان يعتقد الإمام الخميني (ره) أن قراءته تؤثّر في مصير الإنسان، قبل أن يطلب الإنسان اللقاء منادياً:
«اَللّهُمَّ أَرِني الطَّلْعَةَ الرَّشیدَةَ.»
يدعو قائلاً:
«اَللّهُمَّ إِنْ حالَ بَیني‏ وَبَینَهُ الْمَوْتُ ... فَأَخْرِجْني‏ مِنْ قَبْري‏ مُؤْتَزِراً کفَني‏، شاهِراً سَیفي‏، مُجَرِّداً قَناتي.» [7]
أي أنّ الأمر المهم بالنسبة لي هو السير في ركاب الإمام، وحكومة الإمام، وحاكمية الحق. وهذا ما هو مشهود بوضوح في سائر مقاطع دعاء العهد وكذلك في باقي الأدعية المتعلقة بالإمام.

يتبع إن شاء الله ...


[1]. «إِلَی مَتَی أَحَارُ فِیكَ یَا مَوْلَايَ وَإِلَی مَتَی وَأَيَّ خِطَابٍ أَصِفُ فِیكَ وَأَيَّ نَجْوَی عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ أُجَابَ دُونَكَ وَأُنَاغَی عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ أَبْکِیَكَ وَیَخْذُلَكَ الْوَرَی عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ یَجْرِيَ عَلَیْكَ دُونَهُمْ مَا جَرَی هَلْ مِنْ مُعِینٍ فَأُطِیلَ مَعَهُ الْعَوِیلَ وَالْبُکَاءَ ... هَلْ قَذِیَتْ عَیْنٌ فَسَاعَدَتْهَا عَیْنِی عَلَی الْقَذَی ... مَتَی نَنْتَفِع‏ مِنْ عَذْبِ مَائِكَ فَقَدْ طَالَ الصَّدَی؟» إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص298. وكذلك: مفاتیح الجنان، دعاء الندبة.
[2]. در محضر بهجت، ج2، الرقم267.
[3]. نفس المصدر، الرقم276.
[4]. نفس المصدر، الرقم26.
[5]. إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص298. كذلك: مفاتیح الجنان، دعاء الندبة.
[6]. کافی، ج4، ص162.
[7]. مفاتیح الجنان، دعاء العهد. كذلك: المصباح للکفعمي، ص550.


الكلمة الطيبة 20-11-2013 03:28 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 12
 
المودة العشقية

«العشق» مفردة تطلق في الأغلب على الحب الشديد. وغالباً ما تصطبغ بصبغة معنوية عرفانية أكثر من الصبغة الدنيوية المادية؛ لأن العلائق المادية والدنيوية لا تحلّق عالياً وإذا حلّقت سرعان ما تهبط. ولذا حريّ بنا أن لا نستخدم هذه الكلمة في غير هذا المعنى، وأن نتجنّب استعمالها حتى في العلاقات العاطفية المتداولة أيضاً.
ومع غضّ النظر عن المعنى اللغوي لكلمة العشق، إذا لاحظنا مفهوم هذه الكلمة في الأدب العرفاني، لوجدناه مصطلحاً يطلق على الحب الشديد، وعلامته الرئيسة هي التضحية والإيثار. فإن اشتدّت المحبة بحيث أدت إلى الإصرار على التضحية من أجل المحبوب، هنا يتولّد العاشق. ومن أفضل استعمالات هذه المفردة، هو المحبّة الشديدة للإمام المهدي أرواحنا فداه.

ضرورة عشق الإمام (عج):

ومع غضّ الطرف عن أن محبة الإمام المهدي لا يمكن أن تكون «قليلة» وكلّ من تعلّق بالإمام قلبياً وعاطفياً ستشتدّ محبته إليه شيئا فشيئا، فنحن أساساً بحاجة إلى من نودّه عن عشق، وبه نهب لحياتنا الروح والحيوية. ولا يمكن أن تتعلّق هذه المحبة الشديدة إلّا بالإمام المهدي (عج)، كما ولا يمكن أن لا تتعلّق به أيضاً. أي لا يمكن أن تصل محبة غيره إلى هذا المستوى، ولا يمكن أن تقلّ محبته عن هذا المستوى. ولو لم تصل محبتنا إليه إلى هذا المستوى، فلنعلم أنّ الإشكال في نفوسنا، وإلّا فإن محبوبيته أعلى من أن توصف.
وبما أن المحبة الشديدة لا تحصل إلا من خلال المعرفة والعمل الصالح والإيمان الراسخ، فإن أفضل طريق لردع أضرار المودة العامية، هي المودة العشقية للإمام. ومن هنا فإن السبيل الوحيد للنجاة من النزعة العامية العاطفية، هي مودة الإمام (عج) النابعة عن عشق. لأن من يعتزم على أن يكون عاشقاً ويتوقع من نفسه أن تكون محبته للإمام نابعة عن عشق، لا سبيل له سوى تعزيز أسس هذا العشق والحصول على العلم والعمل الكافي لهذا الشأن.
فإنّ من أهم معالم المودة العامية، هي كونها سطحية وقليلة، وهي الثمرة الطبيعية لفقدان المعرفة والتقوى. وللابتعاد عن أضرار المحبة لابد من تعزيزها وتقويتها، حيث قال: ﴿وَالَّذینَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾.[1]
أشرنا حتى الآن إلى ضرورتين وفائدتين لمودة الإمام (عج) العشقية. إحداهما حاجتنا إلى هذه المحبة الشديدة لبثّ الروح والحيوية في حياتنا؛ والأخرى ثمرة المودة العشقية بصفتها أهم طريق لردع أضرار المودة العامية والسبيل الوحيد للنجاة من النزعة العامية فيما يرتبط بالإمام. وقبل الإشارة إلى بعض الفوائد المهمة الأخرى، حريّ بنا أن نتعرض أكثر إلى الضرورة الأولى وهي حاجتنا إلى المودة العشقية للإمام (عج).
نحن بحاجة إلى العشق في حياتنا. إلى عشق يصنع لنا محرّكاً قوياً في جميع مراحل حياتنا. في ضوئه ندرس، ونعمل، ونشكّل عائلة و... ولو لم يكن مثل هذا العشق ظهيراً للدافع إلى أعمالنا، فسرعان ما ينتابنا اليأس والقنوط، ونقع عرضة للمخاطر والأضرار المتفشية في الحياة من التعدّي على حقوق الآخرين والتمرّد عن الأوامر الإلهية، وتسوؤ أخلاقنا، ونفقد توازننا.

الدوافع السطحية تكدّر قلب الإنسان

فمن كان يدرس للحصول على شهادة دراسية، ومن كان يدرس حباً للمال، وحباً للجاه، وحباً للدنيا و...، سيُكدّر ويسودّ قلبه بدلاً من أن يتلألأ نوراً بالدراسة. وهذا هو حصيلة الكثير من الروايات وكلمات علماء الأخلاق.[2] بل لابد أن ندرس ونعيش بعشق يمكنه أن يحلّ محل هذه الدوافع الرائجة والمتداولة.
ومن جانب آخر فإننا بحاجة إلى سلوة، وبحاجة إلى أن نكون فرحين. وأفضل أنواع الفرح والتسلية، هو أن نعشق أحداً، بحيث يملأ هذا العشق كل كياننا ويُحرق قلوبنا. فمن لم تُحرق قلبه حرارة العشق والمحبة، سيحترق بالإدمان على المخدرات. ومن لم يهنأ بشراب الإيمان والمحبة، سيلجأ إلى شراب العنب. فما هو الشيء الذي يريد إحراق وجودك؟ وما هو الشيء الذي يريد تنشيط طاقتك الشبابية؟
نحن لسنا بحمقى حتى نعشق أحداً بهذا المستوى بلا سبب. ولا تنقصنا المحبة حتى نغترّ بهذه العلائق الضئيلة ونتصوّرها كبيرة. إذن لا يُكتسب العشق بسهولة، ولكن من المهم والضروري للإنسان أن يكون عاشقاً. فإنّ الناس يشاهدون أفلام الحب والغرام أملاً للوصول إلى هذه العلائق العشقية، وتراهم دوماً ما يتغنّون بأغاني الحب حسرة على العشق الذي لم يصلوا إليه.

وجود الإمام، تمهید من الله لاكتساب العشق

ومن الواضح أنّ من أهم الطرق للوصول إلى العشق، هي العثور على معشوق يأخذ بمجامع القلوب ويكون أهلاً لعشقنا. ولا يكون قادراً على حفظ هذا العشق فحسب، بل يستطيع أن يزيده حرارة لحظة بعد أخرى. وقد وضع الله طريقاً للوصول إل العشق ومهّد سبيلاً لسهولة اكتسابه، حيث جعل في كل زمان إنساناً عظيماً باسم «الإمام»، ليتأتى عشقه وحبّه؛ وهذه هي من أهم خصائص الإمام.

الإمام الخاتم، أكثر أولياء الله محبوبية

والإمام الخاتم الذي نعيش عصر غيبته أيضاً، غارق بهذه الخصيصة. فالإمام المهدي (عج) - كما يظهر من إشارات وكلمات أهل البيت (ع) أنفسهم – واحد من أكثر أولياء الله محبوبية.[3] ومن الطبيعيّ أنّ من تحلّ بقلبه محبة مثل هذا الإمام، سيترنّم بأورع نغمات الحب والعشق.

يتبع إن شاء الله ...

[1]. سورة البقرة، الآیة 165.
[2]. نشير إلى بعض النماذج: قال رسول الله (ص): «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ.» تهذیب الاحکام، ج1، ص83. وقال أيضاً: «مَنْ تَعَلَّمَ عِلْماً لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُقْبِلَ بِوُجُوهِ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ.» عیون أخبار الرضا، ج1، ص307. وفي حديث آخر: «...أَوْ يَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ لِيُعَظِّمُوهُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ.» تحف العقول، ص43. وقال أيضاً: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِلَّهِ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ بَاباً إِلَّا ازْدَادَ فِي نَفْسِهِ ذُلًّا وَفِي النَّاسِ تَوَاضُعاً وَلِلَّهِ خَوْفاً وَفِي الدِّينِ اجْتِهَاداً وَذَلِكَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْعِلْمِ فَلْيَتَعَلَّمْهُ، وَمَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِلدُّنْيَا وَالْمَنْزِلَةِ عِنْدَ النَّاسِ وَالْحُظْوَةِ عِنْدَ السُّلْطَانِ لَمْ يُصِبْ مِنْهُ بَاباً إِلَّا ازْدَادَ فِي نَفْسِهِ عَظَمَةً وَعَلَى النَّاسِ اسْتِطَالَةً وَبِاللَّهِ اغْتِرَاراً وَمِنَ الدِّينِ جَفَاءً فَذَلِكَ الَّذِي لَا يَنْتَفِعُ بِالْعِلْمِ فَلْيَكُفَّ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الْحُجَّةِ عَلَى نَفْسِهِ وَالنَّدَامَةِ وَالْخِزْيِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.» میزان الحکمة، ح1369؛ روضة الواعظین، ج1، ص11.
وقال أمير المؤمنين (ع): «خُذُوا مِنَ الْعِلْمِ مَا بَدَا لَكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تَطْلُبُوهُ لِخِصَالٍ أَرْبَعٍ: لِتُبَاهُوا بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ تُمَارُوا بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ تُرَاءُوا بِهِ فِي الْمَجَالِسِ أَوْ تَصْرِفُوا وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْكُمْ لِلتَّرَؤُّسِ» الإرشاد للمفید، ج1، ص229.
[3]. رسول الله (ص): «...فَبَعَثَ اللَّهُ رَجُلًا مِنْ عِتْرَتي أَهْلِ بَیتي یُحِبُّهُ ساکِنُ الأَرْضِ وَساکِنُ السَّمَاءِ.» معجم أحادیث الإمام المهدي، ج1، ص84؛ شرح إحقاق الحق للمرعشي النجفي، ج13، ص152.
وقال (ص) أيضاً في حديث المعراج: «...فَتَقَدَّمْتُ أَمَامِي وَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَالْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ وَ...وَالْحُجَّةُ الْقَائِمُ كَأَنَّهُ كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ فِي وَسَطِهِمْ. فَقُلْتُ: يَا رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَهَذَا الْقَائِمُ يُحِلُّ حَلَالِي وَيُحَرِّمُ حَرَامِي وَيَنْتَقِمُ مِنْ أَعْدَائِي، يَا مُحَمَّدُ أَحْبِبْهُ فَإِنِّي أُحِبُّهُ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُ.» الغیبة للنعماني، ص93.



الكلمة الطيبة 23-11-2013 09:16 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 13
 
ولو جمعتم كل رسائل وأغاني الحب في العالم، وجمعتم كلّ ما صبّه العشّاق معبّرين عن عشقهم لمعشوقهم في قالب رسالة أو أغنية، وأمعنتم النظر في مضامينها العشقية، ثم اقتطفتم منها أروعها وقارنتموها بمضامين دعاء الندبة، لوجدتم أن أعلى مضامينها أيضاً لا تقُاس إطلاقاً بكلمات الحبّ والعشق في هذا الدعاء. فهل يمكن لأحد أن يعشق شخصاً بهذا المستوى كما يمكن لأحد أن يعشق صاحب الأمر (عج)؟

من لم يعشق الإمام، عليه أن يلوم نفسه

ومن لم يحصل على مثل هذا العشق للإمام، فعليه أن يلوم نفسه. ولا يمكننا أن نكون عاشقين عبر لقلقة اللسان والادّعاء الواهي؛ بل لابد أن نصل إلى مرتبة نقول لإمام زماننا (عج) من سويداء القلب: «هجرك دون هجر الناس لا يسعني، وفقدك قد أحرقني»، فلو لم نكن صادقين في مقالنا، ستقول الملائكة في جوابنا: «إنّك غير صادق، وسواء كان الإمام حاضراً أم غائباً، فإنك ماضٍ في حياتك مُشتّت القلب، وقد صنعت لنفسك ما يُلهيك عنه بحيث لا يصل الدور إليه، فضلاً عن أن تحبس نفسك عليه.»

3. دور عشق الإمام المهدي (عج) في نشر الدين

وإنّ من أهم فوائد وضروريات هذا العشق، هي أن تقوم لنشر الدين بعد بيان بُعده المنطقي والعقلاني، بأظهار ما أوقده الدين من العشق في قبلك للآخرين، ليرى الجميع أنّ هذا الدين الذي اعتنقته كيف استطاع أن يملأ قلبك حباً له، وإلى أيّ حدّ جعلك تلتذّ بدينك، وتلتذّ بصلاتك وعبادتك وولايتك، واليوم تريد دعوة الآخرين إلى نفس هذا الدين.
والناس يسألونك دون كلام: إن كنت تعرف إمام زمانك وتحبّه، فكم استطاع مولاك أن يُسخّر وجودك؟ ما هو حدّ أثر الولاية التي تتحدث عنها فيك؟ كم استطاعت أن تميّز حياتك عن الآخرين؟ كم وهبت لك المزيد من النشاط والطاقة والطمأنينة في حياتك؟ فإن لم أكن – أنا الذي ادّعي الانتظار – أملك جواباً جديراً بهذه الأسئلة، سوف لا يسعني أن أكون مبلّغاً جيّداً للإمام، بل سيكون وجودي وادّعائي مضادّاً للتبليغ لوجوده المقدس.

4. اختيار الإمام (عج) لنا

ومن الآثار الأخرى لتوطيد علاقتنا بالإمام، بالاستناد إلى نفس تلك الرواية التي تشير إلى انقطاع مودة العوام[1]، هي أنّ الإمام (عج) يتقبّلنا ويختارنا أنصاراً له، لأنه يرى محبتنا له مضمونة ثابتة. وليس من المعلوم أن يختار لنصرته من تكون محبته متزلزلة.
إذن لا يسعنا أن نستهين بهذه المودة ولا أن نحتمل قلّتها. فإنّ المودة النابعة عن عشق، تمثل عصار المعرفة والكمال المعنوي للمنتظر. علماً بأن المنتظر وإلى جانب عشقه للإمام، يموج في قلبه حباً شديداً لـ«الفرج» أيضاً، وهذا ما لابد من التعرض له في محله. وإنّ لهذا الحب والشوق للظهور قواعد وأبعاد خاصة سنتناولها في الفصول التالية.
وكلّما كان الحضور في هذه المنزلة العامة بدائياً وإجبارياً وسهلاً، فإن الحضور في تلك المنزلة الخاصة اختيارياً وصعباً؛ ولصلحاء العالم من أجل الوصول إلى تلك المنزلة الرفيعة تضرّع وابتهال كثير.

يتيع إن شاء الله...

. الروایة المذکورة في الصفحة 72: قال أمیر المؤمنین ‌(ع): «مَودَّةُ العَوامِّ تَنْقَطِعُ کانْقِطاعِ السَّحابِ، وتَنْقَشِعُ کما یَنْقَشِعُ السَّرابُ.» غرر الحکم، ح1129


الكلمة الطيبة 02-12-2013 10:48 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 14
 
انتظار العلماء

المقدمة 1: إدراك الشعور بالانتظار

نحن وُلدنا على الإدراك والفكر، وروحنا متضمنة لما هو موسوم بـ«العقل». والشيء الذي يستنير بنور المعرفة يبدو للعيان بشكل أوضح. وإنّ معرفة الحسنات تؤدي إلى مزيد من السهولة لاكتسابها ومن الحفظ لاستدامتها. ومعرفة السيئات أيضاً تسبّب سهولة مكافحتها. وبواسطة نور العلم يمكننا معرفة ما في سرائرنا وإنماؤه بشكل أمثل.

بالتفكر يمكننا إدراك الشعور بالانتظار

وإن واحدة من أساليب اكتساب العلم، هو التفكر وله طرق مختلفة. فالتفكرّ بإمكانه أن يقوم بتنظير التجارب وتبديل الشعور الذي نشاهده في داخلنا إلى إدراك جديد. كما أن أيّ إدراك بإمكانه أن يؤول إلى ولادة شعور جديد في نفوسنا. وبعبارة أخرى؛ يتسنى عبر التفكر الإلمام بشعور ما، ويتأتى لهذا الإلمام أيضاً أن يوجد فينا شعوراً جديداً. وعلى أيّ حال، علينا السعي لإدراك الشعور بالانتظار في أنفسنا وإنماء إدراكنا بهذا الشعور أيضاً.
وإنّ من أساليب إدراك المفاهيم الإنسانية وفهمها بشكل أمثل، هو تحليلها للوصول إلى العناصر الرئيسة المكوّنة لها. نظير ما يتم إنجازه في الكيمياء لمعرفة المواد. وإنّ العناصر الرئيسة لمفهوم ما، تمثّل عوامل تكوينه أيضاً، وأحياناً وبفقدان أيّ واحدة من تلك العوامل، يتعذّر تحقق ذلك المفهوم أو أنه يُصاب بنقصان فادح. وبالإمكان أن يدلّنا هذا الأسلوب على طرق تحقق أو زوال المفهوم. ومن هنا فلو حدّدنا العناصر المكوّنة لظاهرة ما في النفس الإنسانية، فقد حصلنا على تعريف دقيق نسبياً حيالها.
وإنّ الشعور بـ«الانتظار» أيضاً، يعدّ من تلك المفاهيم الإنسانية التي يمكن تجربتها في نفوس جميع الناس، وإدراكه ليس بالأمر العسير. ويتأطر بحالات ودرجات مختلفة بحسب ما يُضاف إليه، وأننا ما الذي نريد انتظاره. والشعور بالانتظار بنفسه منتظِرٌ لنُدركه بشكل أمثل، ونتعرّف على المزيد من قِيَمه وآثاره ونقوم بإكمال هذه المعرفة.
ومن أجل إدراك مفهوم الانتظار بشكل أمثل، يمكن معرفة عناصره المكوّنة له واكتساب تعريف أدق منه عبر هذا المنهج. وكلّ منتظر يمكنه من خلال التدبّر في انتظاره أن يعرف ما هي العوامل التي أوجدت فيه حالة الانتظار؛ أو ما هي الحالات والخصائص المكوّنة لانتظاره. تلك الخصائص التي أينما اجتمعت جنباً إلى جنب، ستولّد الشعور بالانتظار في الإنسان.
وإن حلّ انتظار ذلك الموعود الذي سيغيّر العالم في قلب أحد، فسيقلبه لا محالة وسيعرض فيه قوة الانتظار التي ليس لها مثيل. فإنّ انتظار الفرج يهب للمنتظر طاقة فائقة ويغيّر رؤيته الكونية. علماً بأن رؤية الإنسان الكونية في بعض الأحيان لابد أن تتغير في بادئ الأمر ليحصل ذلك الانتظار.


لا يمكن إهمال مفهوم الانتظار

وعلى أيّ حال، لا ينبغي أن نمرّ على مفهوم الانتظار ومصداقه المهم وهو انتظار الموعود، مرور الكرام. ولا يمكننا عدم الاكتراث بفقدان الشعور بالانتظار في نفوسنا وفي أفراد المجتمع. لأن فقدان انتظار الموعود يؤدي إلى ركود الروح وخمودها. حتى أن رؤية الفرج بعيداً تسبب قساوة القلب كما ورد في كلام المعصوم.[1]
وبالتأكيد فإن الانتظار الذي اعتبره رسول الله «أفضل أعمال أمته»[2]، لا يمكن أن يكون مسألة فرعية تافهة قليلة الأهمية، أو أن يكون له أثر ضئيل في تكاملنا روحياً ومعنوياً. وإن لآثار الانتظار النفيسة أهمية بالغة بحيث تزيد من قيمة تعريف مفهوم الانتظار وضرورة اكتشاف عناصره.

المقدمة 2: أنواع الانتظار

قبل تحليل الانتظار إلى العناصر المكوّنة له، حريّ بنا أن نلقي نظرة عابرة لأنواع الانتظار؛ حتى يتضح بأننا نريد التعرض لأيّ نوع من أنواع الانتظار. فإنّ الانتظار بإمكانه أن يكون لأيّ حادث في المستقبل. غير أنّ انتظار «الفرج» يعدّ واحداً من أهم أنواع الانتظار وفي الوقت ذاته من أكثرها شيوعاً. ويعتبر انتظار «الموعود» أيضاً من المصاديق البارزة لانتظار الفرج. وإنّ الكثير من أنوع الانتظار يدخل في عداد انتظار الفرج؛ فإنّ انتظار حلول وقت لقاء أو عمل مهم، أو انتظار سماع جواب مطلوب أو رؤية شخص محبوب، كلّها تتأطّر بإطار انتظار حلّ عقدة من العقد وتعدّ من الفرج وتنضوي تحت منظومة انتظار الفرج.
وإنّ كلّ من يلتمس الدعاء لحل المشاكل ويترقّب إزالة العقبات والأزمات ويأمل بالمستقبل، يدخل في عداد المنتظرين للفرج. وإن كان هناك فرق كبير بين أنواع الانتظار هذه: فبين منتظرٍ لفرج العالم بأسره ومنتظرٍ لفرجه الشخصي؛ وبين منتظرٍ لحلّ المشاكل بأجمعها ومؤمّلٍ لحل عدد منها.
وفي بعض الأحيان أيضاً قد نترقّب مجيء وضع مرفوض غير مطلوب، وفي هذه الحالة نكون «قلقين» أكثر من كوننا «منتظرين». وكلمة الانتظار وإن كان بالإمكان استعمالها في مثل هذه الحالة، ولكنه أمر غير مستحسن؛ لأنّ الشعور بالانتظار لابد وأن يواكبه نوع من الشوق أيضاً.
وعلى أيّ حال فإنّ الانتظار الذي نريد أن نتحدّث فيه هنا، هو انتظار «فرج الموعود» الذي وُعدت به الأمم؛ ومرادنا من أيّ انتظار نتعرض إليه هو انتظار «تحقّق ذلك الوضع الموعود» على يد المهديّ الموعود (عج). علماً بأنّ لهذا الانتظار نطاقا واسعا وينضوي تحته الكثير من أنواع الانتظار.

يتبع إن شاء الله...

[1]. عن علي بن يقطين، عن الإمام الكاظم (ع): «الشِّيعَةُ تُرَبَّى بِالْأَمَانِيِّ مُنْذُ مِائَتَيْ سَنَة.» أي أنّ الشيعة تتمنى في كل لحظة رؤية مولاها وتقضي عمرها بالتمني. وفي تتمة الرواية يقول يقطين لابنه علي: «مَا بَالُنَا قِيلَ لَنَا فَكَانَ وَقِيلَ لَكُمْ فَلَمْ يَكُن‏؟» أي كيف أن وعد النبي (ص) قد تحقق في وصول بني العباس إلى الحكم، ولم يتحقق في فرج آل محمد؟ فأجابه علي بن يقطين: «... وإِنَّ أَمْرَنَا لَمْ يَحْضُرْ فَعُلِّلْنَا بِالْأَمَانِيِّ، وَلَوْ قِيلَ لَنَا إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ لَا يَكُونُ إِلَى مِائَتَيْ سَنَةٍ أَوْ ثَلَاثِمِائَةِ سَنَةٍ لَقَسَتِ الْقُلُوبُ وَلَرَجَعَتْ عَامَّةُ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ، وَلَكِنْ قَالُوا مَا أَسْرَعَهُ وَمَا أَقْرَبَهُ تَأَلُّفاً لِقُلُوبِ النَّاسِ وَتَقْرِيباً لِلْفَرَجِ.» الکافي، ج1، ص369؛ الغیبة للنعماني، ص295. وشبيه بذلك ما روي عن علي بن يقطين عن الإمام الكاظم (ع) أيضاً. علل ‌الشرائع للصدوق، ج2، ص581.
[2]. عن الإمام الکاظم (ع) عن آبائه عن النبي (ص): «أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الْفَرَجِ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.» کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص644. وفي رواية أخرى عن النبي (ص): «أَفْضَلُ الْعِبَادَةِ انْتِظَارُ الْفَرَجِ» کمال الدین وتمام النعمة، ج1، ص287.
وفي كتاب للإمام الحسن العسكري (ع) إلى علي بن الحسين بن بابويه القمي: «عَلَيْكَ بِالصَّبْرِ وَانْتِظَارِ الْفَرَجِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ (ص) قَالَ: أَفْضَلُ أَعْمَالِ أُمَّتِي انْتِظَارُ الْفَرَجِ. وَلَا تَزَالُ شِيعَتُنَا فِي حُزْنٍ حَتَّى يَظْهَرَ وَلَدِيَ الَّذِي بَشَّرَ بِهِ النَّبِيُّ (ص) يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطاً وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْراً وَظُلْماً فَاصْبِرْ ... وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ وَعَلَى جَمِيعِ شِيعَتِنَا وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ.» المناقب لابن شهرآشوب، ج4، ص425.
وقال أمير المؤمنين (ع): «انْتَظَرُوا الْفَرَجَ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ فَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ انْتِظَارُ الْفَرَجِ» الخصال للشیخ الصدوق، ج2، ص616.


الكلمة الطيبة 03-12-2013 01:06 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 15
 
اکتشاف عناصر الانتظار

يتأتى لجميع الناس أن يجرّبوا في أنفسهم «الشعور بالانتظار» بسهولة. فإنّ إدراك هذا الشعور ليس بالأمر العسير. غير أنّ الشعور بالانتظار هذا تختلف حالاته ودرجاته بالنظر إلى الشيء الذي ننتظره.
ومن أجل إدراك مفهوم الانتظار بشكل أمثل، يمكن معرفة عناصره المكوّنة له واكتساب تعريف أدق منه عبر هذا المنهج. وكلّ منتظر يمكنه من خلال التدبّر في انتظاره أن يعرف ما هي العوامل التي اجتمعت جنباً إلى جنب وولدّت فيه حالة الانتظار. وفي تتمة هذا الفصل سوف نتصدّى لتحليل مفهوم الانتظار ومعرفة عناصره، ليتسنى لنا في ضوء نتائج هذه الدراسة، الوصول إلى تعريف دقيق وعلمي من الانتظار.

1.الاعتراض على الوضع الموجود

إنّ الاعتراض على الوضع الموجود يعتبر مقدمة لظهور الشعور بانتظار الفرج. فمن كان راضياً بالوضع الموجود، لا يمكنه انتظار وضع آخر أفضل منه. وهذا الاعتراض وإن كان قد يعدّ من مقدمات الانتظار الخارجية لا الداخلية، ولكننا أدرجناه في باكورة عناصر الانتظار بسبب دوره الهام والحيويّ في نشوء حالة الانتظار.
فعلى الإنسان أن يعترض على الوضع الموجود، وإلّا فلا يمكنه أن يكون منتظراً. بل وحتى الذي لم يعترض على الوضع الموجود لتحسّنه إثر تغيير قليل، لا يستطيع أن يصل إلى درجة الانتظار وأن ينتظر الوضع المنشود. والاعتراض هذا بما فيه من مراحل مختلفة من النفور مما هو موجود، إلى الولع الشديد بما ليس بموجود ولابد أن يكون، يمثل العنصر الأول للانتظار.
وعدم القناعة بما نملك، يبعث فينا الحرص للوصول إلى ما لا نملك؛ والحرص والجهد هذا لـ«الامتلاك» الذي غالباً ما يقترن بالأمل لـ«الحصول»، يعني بداية ظهور الانتظار في روح الإنسان الجموحة.
قد يقال بأن الاعتراض على الوضع الموجود لا يتيّسر إلّا عبر مشاهدة «الوضع المنشود» ثم مقارنته بالوضع الموجود. هذا كلام صحيح، ولكن قد يتسنى الاعتراض على الوضع السيّء الموجود أيضاً من دون مشاهدة أو تصوّر الوضع المنشود. لأن روح الإنسان في حال اتّزانها تستطيع إدراك سوء الأوضاع والاستياء منها حتى من دون مقارنة.

علاقة شدة الاعتراض بشدة الانتظار

ودرجات الاعتراض أيضاً متفاوتة، وبطبيعة الحال كلّما قلّت شدّة الاعتراض، كلّما ضعفت قوة الانتظار في الإنسان. لأن الانتظار يُطلق على حالة مقرونة بالشدّة والحدّة. وبالإمكان أن يشتدّ الاعتراض بحدّ يؤول إلى طلب الإصلاح والتغيير، أو أن يضعف بحدّ لا يؤدي إلّا إلى طلب التغييرات الجزئية. ومن الطبيعي أنّ أيّاً من هاتين الصورتين، تبعث على حالة خاصة من الانتظار. ولو كان الإشكال في أساس الوضع الموجود، وكان أكبر وأعمق من أن يرتفع بواسطة الإصلاحات السطحية والمختصرة، سيكون «الاعتراض» أيضاً أشد، وسيضفي مزيداً من الشدة على «الانتظار» أيضاً.
ومن جانب آخر، كلّما كان مبنى هذا الاعتراض أكثر منطقية عند الإنسان، كان انتظاره أيضاً أكثر استدامة. فإنّ الاعتراضات الناشئة عن المصالح السريعة الزوال أو الناجمة عن الأهواء النفسانية، لا تدوم وتتحطّم عبر الاصطدام بأدنى مانع. ودوماً ما يمكن التساوم مع أمثال هؤلاء المعترضين. والمعترض الذي لم يستند اعتراضه إلى العقل، فهو في حالة شك وتردّد على الدوام، لا يسعى في سبيل اعتراضه ولا يقاوم من أجله.
والاعتراض لا يظهر عند الجميع بصورة واحدة. فالبعض يمتلك نفساً قانعة وأساساً ليس من أهل الاعتراض. دعنا عن أنّ روح القناعة هذه لا تعتبر فضيلة على الدوام[1]، ولكن على أيّ حال فإن روح الاعتراض عند أمثال هؤلاء أضعف من غيرهم. وفي هذه الصورة بالإمكان أن تبدأ ظاهرة الانتظار فيهم من الميل إلى الوضع الأمثل. وإن قَوِيَ هذا الميل، فسيؤول بشكل طبيعي إلى الاعتراض. كما أنّ عدم الوصال أيضاً، يولّد حالة الاعتراض في نفس كل عاشق قانع. وقد يشتدّ الاعتراض، لا لتدهور الوضع الموجود، بل لازدياد الشوق إلى الوضع المنشود. وفي هذا الخضم يزداد لهيب الانتظار اتّقاداً في روح الإنسان، والولعُ للصول إلى الوضع المنشود، يزرع في قلبه النفرة من الوضع الموجود.
والإنسان الذي ليس معترضاً ولا يخالف الوضع الموجود، إنما هو محافظ أكثر من كونه منتظراً؛ ولربّما تجده يرحّب بعدم تغيير أوضاع العالم. فإنّ الاعتراض وعدم الرضا بالوضع الموجود هو الذي ينشّط فكر الإنسان للوصول إلى الوضع المنشود؛ ويزرع في قلبه بذرة الشعور بالانتظار. ولهذا الاعتراض أثر بالغ في حركة الإنسان وحياته، وفقدانه يستجلب له الركود والجمود.
وإنّ لأصل وجود الاعتراض على المزلّات والانحرافات أهمية بالغة، ولا فرق بين أن يكون هذا الاعتراض متوجّهاً إلى شخص معيّن أم أنه منصباً على وضع سيّء ليس إلّا. فالمهم أن يكون الإنسان معترضاً، سواء وجد لاعتراضه هذا مقصّراً، أم كان ذلك متفرعاً من حالة طبيعية.

يتبع إن شاء الله...

[1]. كما أنّ البعض يتصفون من الناحية الجينية والوراثية بالهدوء أو الانطواء، أو أنّ البعض يسكتون ولا يتكلّمون لخوفهم. فإنّ هدوءهم هذا ليس ناجماً من الصبر والتحمّل، أو الحزم وبعد النظر، حتى يعدّ فضيلة. ولذا فقد يلجأ مثل هذا الشخص إلى الصمت وعدم الاعتراض حتى في المواطن التي تحتاج إلى الاعتراض وعدم الاستقرار، كالظلم بحق طفل بريء.


الكلمة الطيبة 06-05-2014 11:14 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 16
 
وقبل أن يكون الاعتراض حقاً طبيعياً للإنسان، فهو طبيعة سرت بحقٍّ في فطرة الإنسان. وإنّ الحزن الجميل الناتج عن الاعتراض المقدّس الذي أعطى الله حقه للإنسان، منشأ لعروج الروح إلى المبدأ الأعلى.
إنّ الاعتراض وليد روح الإنسان الطالبة للكمال في هذه الدنيا. فلا يمكن أن تودع أمنية القرب في فطرة الإنسان، وفي الوقت ذاته لا يشعر هذا الإنسان في قرارة نفسه بالجزع والرغبة عن النقائص والعيوب أو حتى الفرار والنفور منها. فإنّ الانتظار علامة العقلانية. وفي هذا الخضم تُطرح الأبعاد العرفانية للانتظار شيئاً فشيئاً وسنخوض هذا البحث في فصل مستقل.
وبإمكان الاعتراض أن يشمل حقاً مسلوباً، أو محبوباً مستوراً. فحيثما يُسلب حقٌ من الإنسان، يستطيع أن يصرخ وينحب؛ وحيثما يُحجب محبوب عنه، يستطيع أن يُجري دموعه ويحترق بهدوء كالشمع حتى الزوال والاضمحلال. فالاعتراض النابع عن عشق على الهجران، سيرة عرفانية لجميع المنتظرين للوصال.

خصائص الاعتراض في انتظار الموعود

إذا ما أمعنّا النظر حول عنصر الاعتراض فيما يخصّ انتظار فرج المهدي الموعود (عج)، لوصلنا إلى نقاط جديدة. والنقطة المهمة في ذلك هو جواز هذا الاعتراض. أي على الرغم من أنّ الغيبة تقدير إلهي، ولكن يمكننا الاعتراض عليها. ولهذا الدليل علّمونا في دعاء الافتتاح وكذا في الدعاء الوارد في زمن الغيبة أن نشكو إلى الله غيبة وليّنا ونعترض على ذلك: «اللَّهُمَّ إِنَّا نَشْکُو إِلَیْكَ فَقْدَ نَبِیِّنَا وَغَیْبَةَ وَلِیِّنَا»، وقرنوا هذا الاعتراض باعتراض آخر: «وَکَثْرَةَ عَدُوِّنَا وَقِلَّةَ عَدَدِنَا»[1] للتصعيد من شدّته.
وقد تكون واحدة من حِكَم هذه الغيبة، هي تبلور هذا الاعتراض المقدّس ليتأهلّ الناس ولاسيما المسلمون والشيعة لإدراك حضوره وظهوره. كما أنّ من حقّنا الحياة في ظلّ نور إمام معصوم؛ الحقّ الذي سُلب عنّا بسبب ظلم الظالمين عبر التاريخ. ومن الفضل أن نرغب في الحضور إلى جانبه والاعتراض على غيبته. وتارة ما نجد أئمتنا، رغم أنهم كانوا أئمة ولم يكونوا مضطرّين كما هو حالنا، يندبون ويبكون على غيبة الوصيّ الخاتم بحزن وحرقة قلب، مما يثير دهشة الحاضرين وحيرتهم.
فعلى سبيل المثال، يقول الإمام الصادق (ع) في مناجاة له مع الإمام المهدي (عج) وهو لم يولد بعد، بحزن واكتئاب: «سَیِّدِي غَیْبَتُكَ‏ نَفَتْ‏ رُقَادِي»[2].
وهذا أخو رسول الله (ص) وأمير المؤمنين، علي بن أبي طالب (ع) يتأوّه شوقاً لرؤية المهدي (عج)، وذلك عندما سأله رجل عنه، فبيّن له صفاته، ثم أومأ بيده إلى صدره الشريف قائلاً: «هَاهْ، شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِ»[3].
والاعتراض على الغيبة، يتبعه انتظار الظهور؛ وكلّما كان هذا الاعتراض أكثر عمقاً، كان ذلك الانتظار أكثر دقّة، وقلب المنتظر أكثر رقّة. ودعاء الندبة زاخر بالاعتراض على الأوضاع السيئة التي نعيشها. حتى أنه يشير إلى قتل الأنبياء وأولاد الأنبياء ويصرّح بقتل أبي عبد الله الحسين (ع) في كربلاء. وفي اعتراضه على شهادة الإمام الحسين (ع) أيضاً لم يستخدم كلمة «الشهادة» التي تشير إلى الجانب الإيجابي من واقعة كربلاء، وإنما استخدم كلمة «المقتول» منادياً الطالب بدمه: «أَیْنَ الطَّالِبُ بِدَمِ الْمَقْتُولِ بِکَرْبَلاءَ؟»[4]
ولابد من الرجوع إلى فهرس اعتراضات دعاء الندبة وزرعها في القلب بأسرها. ولابد من غرس مغرس من الاعتراض على أنواع آثار غيبة الإمام في القلوب وسقيها بدموع العين، ليتأتى جني ثمار الانتظار قدر المستطاع. وإذا ما نظرنا إلى اعتراضات فاطمة الزهراء (س) بين بكائها على فراق النبي الأعظم (ص)، لتساءلنا بحيرة مِمَّ شكواها؟ من انقطاع الوحي قائلة بلسان حالها «أبتاه! لقد انقطع برحيلك الوحي وامتنعت الآيات القرآنية عن النزول» أو من فقدان معلّم الوحي الكبير «أين معلّم كتاب الله ومبيّن وحيه؟»[5]
وكم له من الأهمية والقيمة أن يصل الإنسان إلى هذا المقام بأن يعترض حالياً على غيبة مفسّر القرآن ومحيي معالم الدين، ليكون لانتظاره معنى ويدخل في زمرة المنتظرين الحقيقيين. فعندما نقول في دعاء الندبة: «أَیْنَ مُحْیِي مَعَالِمِ الدِّینِ وَأَهْلِه؟»[6] لابد من القول: «أين من هو أهل لمثل هذا التمني؟» ولا نقول: كيف يمكننا أن نكون «منتظرين» حقيقيين؟ بل لنقل: كيف يمكننا أن نكون «معترضين» حقيقيين؟
فلابد من إحياء الاعتراض في القلب من أجل إيجاد انتظار الفرج؛ ولابد أيضاً من البحث عن مزيد من الأدلة لتعزيز هذا الاعتراض. فالراضين بالوضع الموجود الذي يعيشونه من دون حضور الإمام أو الذين لم يتجاوز اعتراضهم عن متطلباتهم الشخصية الضئيلة، لا يُعتَبرون من المنتظرين للموعود بلا ريب. ولا يقتصر عدم اعتراض هؤلاء على أنّ الناس لا يعرفون الله أو أنهم رازحون تحت وطأة الطواغيت، بل إنهم لا يعترضون حتى على حرمانهم من مواهب العالم اللامتناهية.
ولو فُقِد الاعتراض، لا يتبلور انتظار الفرج أيضاً؛ وعلى أساس أنّ للخلائق ما هو لائق، وكذا بالاستناد إلى بعض القوانين المسنونة والمستورة في العالم، لابد أن نقلق على تدهور الأوضاع أيضاً؛ لأن الرضا بالداني والقليل، يوجب سقوط الإنسان إلى أدنى مراتب عالم الوجود. فإن حركة الإنسان في هذه الدنيا إما صعودية أو سقوطية، وهذه من الخصائص الذاتية لحياة الإنسان في هذا العالم. إما حيّ متكامل، أو ميّت متسافل، ولا سبيل بينهما.

يتبع إن شاء الله...


[1]. الدعاء الوارد في زمن الغيبة عن الإمام الحجة (ع) نقلاً عن سفيره الأول؛ کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص514. وكذلك مقطع من دعاء الافتتاح: مفاتیح الجنان، أعمال شهر رمضان المبارك، وتهذیب الاحکام، ج3، ص110. وأيضاً في الدعاء الوارد في قنوت الركعة الأخيرة من صلاة الليل (صلاة الوتر): الأمالي للشیخ الطوسي، ص432.
[2]. کمال الدین وتمام النعمة، ج‏2، ص353: «عَنْ سَدِیرٍ الصَّیْرَفِيِّ قَالَ:‏ دَخَلْتُ أَنَا وَالْمُفَضَّلُ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو بَصِیرٍ وَأَبَانُ بْنُ تَغْلِبَ عَلَی مَوْلَانَا أَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ (ع). فَرَأَیْنَاهُ جَالِساً عَلَی التُّرَابِ وَعَلَیْهِ مِسْحٌ خَیْبَرِیٌّ مُطَوَّقٌ بِلَا جَیْبٍ، مُقَصَّرُ الْکُمَّیْنِ، وَهُوَ یَبْکِي بُکَاءَ الْوَالِهِ الثَّکْلَی، ذَاتَ الْکَبِدِ الْحَرَّی، قَدْ نَالَ الْحُزْنُ مِنْ وَجْنَتَیْهِ،
وَشَاعَ التَّغَیُّرُ فِي عَارِضَیْهِ وَأَبْلَی الدُّمُوعُ مَحْجِرَیْهِ وَهُوَ یَقُولُ: «سَیِّدِي غَیْبَتُكَ نَفَتْ رُقَادِي وَضَیَّقَتْ عَلَيَّ مِهَادِي وَأَسَرَتْ مِنِّي رَاحَةَ فُؤَادِي، سَیِّدِي غَیْبَتُكَ أَوْصَلَتْ مُصَابِي بِفَجَائِعِ الْأَبَدِ وَفَقْدُ الْوَاحِدِ بَعْدَ الْوَاحِدِ یُفْنِي الْجَمْعَ وَالْعَدَدَ....»
[3]. «...ثُمَّ رَجَعَ إِلَى صِفَةِ الْمَهْدِيِّ (ع) فَقَالَ: أَوْسَعُكُمْ كَهْفاً وَأَكْثَرُكُمْ عِلْماً وَأَوْصَلُكُمْ رَحِماً ... هَاهْ - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى صَدْرِهِ - شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِ.» الغیبة للنعماني، ص212.
[4]. مفاتیح الجنان، دعاء الندبة. وأيضاً: إقبال الأعمال للسید ابن طاووس، ص297.
[5]. قال النبي (ص) في ابنته فاطمة (س): «فَلَا تَزَالُ بَعْدِي مَحْزُونَةً مَكْرُوبَةً بَاكِيَةً؛ تَتَذَكَّرُ انْقِطَاعَ الْوَحْيِ عَنْ بَيْتِهَا مَرَّةً، وَتَتَذَكَّرُ فِرَاقِي أُخْرَى» الأمالي للصدوق، ص112.
[6]. مفاتیح الجنان، دعاء الندبة. وكذلك إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص297.


الكلمة الطيبة 10-05-2014 09:44 PM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 17
 
ولربّما يجب أن تتدهور الأوضاع بحدّ لا يبقى سبيل سوى الاعتراض. وفي هذه الصورة الوحيدة التي ينهض حتى الكَسول والخامل أيضاً للاعتراض. ولعلّ فلسفة ازدياد الظلم وكثرة الفساد في آخر الزمان، هو سوقنا للاعتراض على المزلّات والانحرافات التي لم نكن نراها؛ لأن جهدنا كان قد انصبّ على تنمية حياتنا الحيوانية. فإننا في غفلة عن النقائص والعيوب ولم نلتفت إليها إلّا إذا عشنا في أوساط ظلم فادح وفساد شامل.

ولو طبّق صوت اعتراض البشرية في الخافقين على أثر المعرفة بالسقوط الذي سوف يهدّد المجتمع البشري قبل أن يصل الفساد في العالم إلى ذروته، سيؤول ذلك إلى التسهيل والتعجيل في أمر الفرج.
ولو اقتصر اعتراضنا على أنّ حياتنا لِمَ لا تتحسّن قليلاً وبحسب الظاهر فقط كالغربيّين المرفّهين، فمن حقّنا أن نتّجه نحو الانحطاط والزوال، وأن نفقد ما نملك ونصل إلى التُعس والشقاء وهذا هو مصيرنا المحتّم. لأنّ حدّ اعتراضنا لا يشمل سعادة الدنيا أيضاً، فضلاً عن سعادة الآخرة.
فالذين لا تتجاز دائرة اعتراضهم عن هذا الحدّ، يُعبّر عنهم في قاموس الانتظار بالمغتربين. وهم في الحقيقة يدمّرون بالكامل كيانهم ومجتمعنا الصالح. وهم عبيد لدنيا غيرهم الحقيرة من دون أن يتمتّعون بالدنيا، وأرقاء للدنيا التي لا يمتلكونها.

ولو رأيت أشباه الرجال السافلين يستهزؤون بالمنتظرين، فاعلم أن ذلك ناجم عن حقد على الأحرار والعظماء في عالم الوجود وهم في الحقيقية ينحبون على حقارتهم ودناءتهم. ولِما يجدون في أنفسهم من ذلة يستهزؤون بالمنتظرين المتسمين بالعزة.
إنّ المنتظر لا يغترّ ببعض الظواهر المزيّنة في عصر الغيبة أيضاً؛ ولا يرضى بها ولا يترك الاعتراض. كما ويعلم جذور الوضع السيّء الحاصل جيداً ويعترض عليه. فهو يعرف أنّ أساس الظلم هو «الكفر» وأساس العدل هو «الولاية». ولا يثأر كالعوامّ على الظلم فقط، بل لا يحتمل أيّ ضرب من ضروب الكفر ويعتبره منشأً للظلم. كما أنه يقف بوجه كلّ من يتنصّل عن الولاية لأنه يعرف أن «أتباع الولاية، هم أصحاب العدالة لا غير.»

من الاعتراض إلى العداء

في مسألة الاعتراض، يتبلور الاعتراض أولاً بالنسبة للأوضاع الموجودة. ثم يظهر شيئاً فشيئاً أناس يمكننا أن نوجّه اعتراضنا مباشرة عليهم ونصرخ بوجههم. فهم في الحقيقة أولئك الذين تسبّبوا في إيجاد الوضع الموجود أو وقفوا حجر عثرة أمام إصلاح الوضع الموجود بنحو من الأنحاء. وفي دعاء الندبة كثيراً ما نشاهد مثل هذه العبارات: «أَیْنَ قَاصِمُ شَوْکَةِ الْمُعْتَدِینَ؟ أَیْنَ هَادِمُ أَبْنِیَةِ الشِّرْكِ وَالنِّفَاق؟»[1]، ومن المعلوم أنّ لهذا الاعتراض مخاطبون.
فالمنتظر في هذا العنصر الأول وهو الاعتراض، يصبح من أهل الحبّ والبغض؛ ويصل تعامله مع البعض إلى العداء. وهو لا ينظر للجميع على السواء ولا يغمر الكلّ بمحبته. فإنه وإن كان يحبّ أهل العالم بأجمعهم؛ وأساساً عندما يبكي على الفرج، فهو يبكي على فرج جميع الناس، غير أنّ له عداء مع البعض. ويعترض على المتسبّبين للأوضاع السيئة في العالم. ففي الوقت الذي يعترض على الظلم، يعادي الظالم أيضاً. فلا يتأتى لأحد أن يطلب فرج من ينشر الرحمة ويبسط العدالة ولا يعادي الظالمين المتغطرسين.
فإن البعض يكرهون «الظلم» ولكن لا يملكون الشهامة لمعاداة «الظالم»؛ أو أنهم ينسون عداءهم طمعاً للوصول إلى الأمن من خلال تطبيع العلاقات معه.
علماً بأن المنتظر لا يعادي كلّ فاسد أو كلّ إنسان سيّء، بل يريد نجاتهم وهدايتهم ويسعى لتحقيق ذلك، ولكنه لا يقف إلى جانب المفسدين والممهّدين للفساد. وفي الحقيقة فإن المنتظر لا يعادي إلّا الذين يمهّدون الأرضية لانحراف الناس وفساد أوضاع العالم. وحينما تصل قضية الانتظار إلى معاداة المفسدين ويتضح أن الانتظار لا ينسجم مع طلب الراحة، يخرج الكثير ممن كان يعدّ نفسه من المنتظرين من هذه الدائرة.
وعلى هذا الأساس، فإنّ الذين يرغبون أن يحترمهم كلّ الناس حتى المفسدون، أو أنهم لا يقفون بوجه المفسدين على أقل تقدير، لا يمكنهم أن يدخلوا في زمرة المنتظرين. وأساساً فإن الرغبة في مساومة الظالمين والمفسدين، إنما هو ميل خبيث إذا نفذ إلى روح المؤمن، أفسد إيمانه. وبإمكان هذا الميل الخبيث أن يسوق المؤمنين إلى أن يكونوا مستعدين طلباً لرضا الأعداء أو للراحة والدعة أن يحزّوا رؤوس أولاد النبي الأكرم (ص)؛ وكلّ ذلك ناتج عن معاداة الله لأمثال هؤلاء الناس الذين يحسبون حساب «رضا الظالمين وغضبهم» أكثر من «الرضا والغضب الإلهي»، وطلباً لعافيتهم وراحتهم لا يرتدعون عن تهيئة الأرضية لتعزيز وتوسيع قدرة الظالمين.

يتبع إن شاء الله...

[1].مفاتیح الجنان، دعاء الندبة. وكذلك إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص297.

الكلمة الطيبة 11-05-2014 10:20 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 18
 
وفي الكثير من الأحيان، تبدأ هذه الحالة الروحية الخطيرة (الميل إلى مساومة الظالم)، من مجاملة بسيطة مع الظالمين أو طلب للراحة معقول بحسب الظاهر. إنّ الله سبحانه وتعالى وبكل سهولة يُعرض عن المؤمنين الذين يميلون إلى المفسدين ويستبدلهم بطائفة أخرى. وقد صرّح بذلك في الآية 54 من سورة المائدة، مبيّناً سبب الإعراض عن الطائفة الأولى من خلال الصفات التي وصف بها الطائفة المستبدلة؛ وهي ليست سوى التسليم لأعداء الله والخوف من لوم اللائمين:
﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرينَ يُجاهِدُونَ في‏ سَبيلِ اللَّهِ وَلا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَليمٌ.﴾[1] فالمؤمنون الذين يعرض الله عنهم ويستبدلهم بجماعة شجاعة أخرى، هم الذين ينزعون إلى أعداء الله ويتشبّثون بشتى الوسائل والذرائع للتخلّي عن معاداة أعداء البشرية تحقيقاً لمآربهم.

قتل الطفل الرضيع، عاقبة الميل إلى الظالم

ولو أردنا متابعة هذا البحث بمزيد من الدقة، لوصلنا إلى نقاط تمثل أفجع لحظات تاريخ الإسلام. وإنّ الكثير من مراثي ومصائب أهل البيت (ع) تذكّر بهذه النقاط الأليمة. فقد كان عمر بن سعد يقول إلى قبل أيام من عاشوراء: أخشى أن يورّطني ابن زياد بقتل الحسين (ع).[2] ولما أفسد شمر ما أراده عمر بن سعد من ابن زياد عبر مراسلته إياه من إصلاح الأمور، قال له عمر: «مَا لَكَ وَيْلَكَ لَا قَرَّبَ اللَّهُ دَارَكَ وَقَبَّحَ اللَّهُ مَا قَدِمْتَ بِهِ عَلَيَّ، وَاللَّهِ إِنِّي لَأَظُنُّكَ نَهَيْتَهُ عَمَّا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْهِ وَأَفْسَدْتَ عَلَيْنَا أَمْراً قَدْ كُنَّا رَجَوْنَا أَنْ يَصْلُح.‏»[3] ولكنه لم يمض وقتاً طويلاً حتى رمى أول سهم نحو الحسين (ع) وأصحابه وقال: «اشْهَدُوا لِي عِنْدَ الْأَمِيرِ أَنِّي أَوَّلُ مَنْ رَمَى» ثم أقبلت السهام من القوم كالمطر.[4] وأخيراً آل به المطاف إلى أن يأمر مباشرة ومن دون طلب أسياده الأشقياء بقتل طفل أبي عبد الله الحسين (ع) الرضيع.

المنتظر مظلوم وليس منظلماً

«الانتظار» لا ينسجم مع المساومة. ولا ينتهي بالكُره ولا حتى العداء، بل قد يصل إلى إظهار العداء أيضاً. فإنّ المنتظر وإن كان مظلوماً ولكنه ليس بمنظلم.[5] وفي قاموس الانتظار إذا ما نُصبت خيمة المنتقم، لا يتأتى للمنتظر أن ينضوي تحت خيمة الظالمين ولو للحظة واحدة. المنتظر ليس منفعلاً ويقف دوماً بوجه أعداء العدالة. وعلى هذا لا يستطيع أن يكون منتظراً إلّا من كان مستعداً لدفع تكاليف الاعتراض.
والبعض حتى لا يرى من البأس أن يكون حاكماً أو وسيطاً بين الله وبين أعدائه. ويفرّط في التعاقل بذريعة التفكير في المصالح واتباع أوامر العقل بحيث يختار طريق الاعتدال بين الحق والباطل؛ وعند ذلك يصل إلى الاستقرار الناتج عن فقدان الغيرة. ويلجأ تبريراً لنزوعه إلى الراحة والدعة إلى حجج واهية كـ«إمكان الهداية» و«الإنسانية». غافلاً عن أنّ الله سبحانه قد أشار فيما سبق إلى أنّ الظالمين لا يهتدون ولا يُجدي السعي لذلك.[6] وأقترح على أصدقائي الأعزاء بعد الآيات والروايت والأدعية كدعاء الندبة، مراجعة أقوال الإمام الخميني (ره) لتعلّم آداب معاداة العدوّ وعدم نسيان السعي والجهد لمقارعة الظالمين.[7]

كيفية التعبير عن الاعتراض

أما كيفية تعبير المنتظر عن اعتراضه فهي متفاوتة باختلاف الظروف. فتارة يكون المنتظر للتعبير عن هذا الاعتراض في مقام البيان والتبيين، وأخرى في مقام الأنين والصراخ. وتارة يعمد إلى ذكر الأدلة العقلية وأخرى يندب بقلبه بزفرات عشقية. وهنا تتجلى أروع مشاهد الحب والعشق للمنتظر المعترض وأجمل الزفرات والأنّات:
«عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ أَرَی الْخَلْقَ وَلاَ تُرَی وَلاَ أَسْمَعُ لَكَ حَسِیساً وَلاَ نَجْوَی عَزِیزٌ عَلَيَّ أَنْ تُحِیطَ بِكَ دُونِیَ الْبَلْوَی وَلاَ یَنَالُكَ مِنِّی ضَجِیجٌ وَلاَ شَکْوَی‏...»[8] فكيف يمكن تفسير هذه الاعتراضات العشقية؟
يجب أن يرقّ قلبك بحدّ تتلمّس غيبته بكل كيانك، وخلايا وجودك تصرخ حزناً وألماً على فراقه. وهذا الصراخ هو ذروة لطافة الروح رقة القلب التي لا تتولّد إلّا في قلوب المنتظرين المعترضين. ولعلّ الذين يشكون غيبته اليوم، هم الذين سيشكرون حضوره غداً.
علماً بأنّ اعتراض المنتظر لا يقتصر على الصراخ؛ بل سيبذل قصارى جهده لاستئصال شأفة موانع ظهوره وأعداء حضوره. ويمكن مشاهدة هذا الاعتراض في النزعة السياسية والجهد البليغ للمنتظر الحقيقي. ومن هنا يتّصف المنتظر بالنشاط والحيوية. لأن من يكون له عدوّ وهو معتقد بوجوده، يكون حَرِكاً نشيطاً. وأما من لا يعادي أعداءه فمن المتوقّع أن يكون ذليلاً حقيراً منفعلاً.

يتبع إن شاء الله...

[1]. سورة المائدة، الآیة 54.
[2]. بعد أوّل حوار دار بين الإمام الحسين (ع) وعمر بن سعد عبر الرسول، كتب الأخير رسالة إلى ابن زياد، فأجابه ابن زياد فيها: «اعْرِضْ عَلَى الْحُسَيْنِ أَنْ يُبَايِعَ لِيَزِيدَ هُوَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ فَإِذَا فَعَلَ هُوَ ذَلِكَ رَأَيْنَا رَأْيَنَا وَالسَّلَامُ.» فَلَمَّا وَرَدَ الْجَوَابُ عَلَى عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: «قَدْ خَشِيتُ أَنْ لَا يَقْبَلَ ابْنُ زِيَادٍ الْعَافِيَة.» الإرشاد للمفید، ج2، ص86.
[3]. الإرشاد للمفید، ج2، ص89.
[4]. اللهوف على قتلى الطفوف‏، ص100. الإرشاد للمفید، ج2، ص101.
[5]. المنظلم هو المنفعل الذي يرضخ للظلم طلباً للوصول إلى بعض المنافع الدنيوية الحقيرة أو خوفاً من فقدانها. أما المظلوم فهو الذي يتعرض للظلم اضطراراً ومن دون امتلاك قدرة على الردع. وقد اعتبر العلامة الحلي الظلم والانظلام كليهما رذيلة وقال في الانظلام: «الانظلام وهو الاستجابة في المقتنيات بمن لا ينبغي وكما لا ينبغي.» (الألفین في إمامة أمیر المؤمنین، ص162) وقال الإمام الصادق (ع) في هذا الشأن: «العامِلُ بِالظُّلمِ والمُعينُ لَهُ والرَّاضِي بهِ شُرَكاءُ ثَلاثَتُهُم.» الکافي، ج2، ص333.
[6]. على سبيل المثال: «إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمينَ.» سورة المائدة، الآیة 51.
[7]. نماذج من أقوال الإمام الخمیني (ره):
«نحن أعلنّا هذه الحقيقة كراراً في سياستنا الإسلامية الخارجية والدولية بأن بغيتنا كانت ولا تزال هي تنمية نفوذ الإسلام في العالم والحدّ من هيمنة ناهبي العالم. ولا ضير لو أطلق أذناب أمريكا على ذلك بالتوسعية والتفكير من أجل إقامة إمبراطورية عظمى بل ونرحّب بذلك. نحن بصدد اقتلاع الجذور الفاسدة للصهيونية والرأسمالية والشيوعية في العالم. نحن اعتزمنا بلطف الله وعنايته على الإطاحة بالأنظمة المبتنية على هذه القواعد الثلاث وترويج النظام الإسلامي لرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – في عالم الاستكبار. وستشهد الشعوب المضطهدة ذلك عاجلاً أم آجلاً. نحن بكلّ كياننا سنقف بوجه الابتزاز وحصانة الرعايا الأمريكان، حتى لو كلّفنا ذلك حرباً ضروساً.» (صحيفة الإمام، ج‏21، ص81).
«بالنسبة لي لا يهمني المكان. بل المهم هو مقارعة الظلم. وأينما تتحقق هذه المقارعة بشكل أمثل، سأكون هناك.» (صحيفة الإمام، ج‏5، ص301).
«قوموا بتحصيل العلوم واكتساب المعارف والاستفادة من المواهب الإلهية بجد؛ ولا تضعوا سلاح مقارعة الظلم والاستكبار والاستضعاف قطّ؛ واجعلوا شعاركم تولّي أولياء الله والبراءة من أعدائه.» (صحیفة الإمام، ج20، ص38).
«إنني أعلن بحزم لكل العالم أنّه لو أراد ناهبو العالم أن يقفوا بوجه ديننا، فإنّنا سنقف بوجه كلّ دنياهم ولن ننثني حتى القضاء عليهم، فإما أن نتحرّر بأجمعنا أو أن نصل إلى حرية أكبر وهي الشهادة ... احفظوا الحقد والضغينة الثورية في صدوركم؛ وانظروا أعداءكم بغيظ وغضب؛ واعلموا أنكم أنتم المنتصرون.» (صحیفة الإمام، ج20، ص325).
[8]. مفاتیح الجنان، دعاء الندبة. وأيضاً إقبال الأعمال للسید بن طاووس، ص297.


الكلمة الطيبة 18-05-2014 11:07 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 19
 
آفات الاعتراض
وبالطبع فقد يقترن الاعتراض على الوضع الموجود مع كل إيجابياته، ببعض الآفات كأيّ أمر آخر. وبالإمكان أن تكون هذه الآفات خطيرة للغاية سيما في المجتمعات الممهّدة للظهور.

1.الغلو والمبالغة في الاعتراض

واحدة من آفات الاعتراض، الغلوّ والمبالغة في الاعتراض. وهذا يعني التفريط في تقدير سوء الأوضاع، وعدم رؤية الوجوه الإيجابية، حتى الوصول إلى اليأس والقنوط الذي بإمكانه أن يُعدّ آفة مستقلة للاعتراض. إنّ المبالغة في الاعتراض بالإضافة إلى أنها تزرع في الإنسان الروح السلبية والحِدّة في الأخلاق وتُشوّه الصورة الجميلة لـ«الاعتراض في مسار الانتظار»، بإمكانها أن تتسبّب التسرّع في العمل وهدم الوجوه المطلوبة الموجودة. فلابد من اتّقاء هذه الآفات.

الشباب أكثر من غيرهم عرضة لهذه الآفة

والشباب أكثر من غيرهم عرضة لهذه الآفة. ففي الأغلب عندما يدور الحديث عن الاعتراض على الوضع الموجود، سرعان ما تتورّط الروح المثاليّة والمتسارعة للشباب بآفة «الغلو». يقول الإمام الصادق (ع): «احْذَرُوا عَلَی شَبَابِکُمُ الْغُلَاةَ لَا یُفْسِدُوهُمْ.»[1] لماذا يجب الحذر من إيجاد العلاقة بين الشباب والغلاة؟ لأن الشابّ بصورة طبيعية يميل إلى الغلو، والحضور في جمع الغلاة ينمّي هذا الميل بسرعة ويسوقه إلى الفساد. وفي بعض الأحيان إذا أراد الشابّ أن يبالغ في مشاهدة النقاط السلبية للوضع الموجود ويسعى مفرّطاً للاعتراض عليه، قد يقوم بإجراءات تعسفية أو يُصاب بالإحباط.

2. اليأس من الوصول إلى الوضع المنشود

الآفة الأخرى للاعتراض على الوضع الموجود، هي اليأس من الوصول إلى الوضع المنشود الناتج عن عدم مشاهدة الأرضيات والاستعدادات المتوفرة في الوضع الموجود. وقد تحلّ المصائب والنوائب بالإنسان بحدٍّ تغلق بوجهه جميع المنافذ وتسوقه إلى وادي اليأس والقنوط. ولكن لنعلم أنّ الله سبحانه قد وفّر في أسوء الحالات أيضاً فرصاً للخروج من المآزق والأزمات، فلابد من البحث عنها واغتنامها.


3. السلبية المطلقة والعبثية

والآفة الأخرى للاعتراض على الوضع الموجود، هي السلبية المطلقة التي تؤول إلى العبثية. فلا ينبغي أن نعتبر الوضع الموجود سيئاً على الإطلاق مهما كانت الظروف. ولا ينبغي أن نعتبر جميع الناس أشقياء بالكامل؛ أو نزعم أن جميع الأشقياء غير قابلين للهداية. فإن أسهل وفي نفس الوقت أبعد رؤية عن العقل، هو الإطلاق في النظرة السلبية للمجتمع والوضع الموجود، حيث لا تحتاج إلى أية دقة وعقلانية، وهي علامة على غلبة بعض الأحاسيس السطحية. فإن المتثاقل في ميدان التحليل ومن خلال تلخيص كلّ شيء في النظرة المطلقة، يرى كل شيء فاسداً.

أهمیة منشأ وأساس الاعتراض

إن آفات وأضرار الاعتراض في كثير من الأوقات ناجمة عن منشأ باطل. فلو لم يستند الاعتراض على أساس صحيح، لا يصل الانتظار أيضاً إلى نهاية جيدة وقد يزول في وسط الطريق؛ أو أنه يستمر خطأً بعد الوصول إلى الوضع المنشود أيضاً، وهذه أسوء من الصورتين السابقتين. كما أنّ بعض المنتظرين المعترضين على الوضع الموجود، يستمرون على اعتراضاتهم الوهمية حتى بعد ظهور الإمام أيضاً ويتسببون له الأذى.
إن أساس الاعتراض عند البعض، هو الروح السلبية فيهم لا التعقّل والنزوع إلى الحق. وأمثال هؤلاء، وإن يلتحقون بجمع المعترضين والمنتظرين الحقيقيين بسهولة، ولكنّهم يخرجون من صفوفهم بأدنى ما يواجهونه من امتحان وتعقيد، وأكثر ما يظهر منهم إلى العيان هو الأخلاق السيئة لا العقيدة الراسخة.

عدم رؤية الوجوه الإيجابية في الثورة، نموذج من آفات الاعتراض

ومن المصاديق المهمة لآفات الاعتراض، هي أنّ البعض في هذا النظام المقدس والثورة المباركة، عبر نكران هذه النعمة العظيمة المتاحة، وبذريعة الاعتراض على الوضع الموجود وانتظار الفرج، يتغافلون عن الوجوه الإيجابية السارية في مجتمعنا الإسلامي ولا يكترثون بمسألة التمهيد للفرج. فهم لا يفرّقون بين الاعتراض على النقائص والعيوب وبين الاعتراض على الانحرافات والمُضلّات، وعلى أثر شدّة سوء الفهم يقعون في أحضان الظالمين وناهبي العالم.

إزالة الآفات: المنتظر المعترض يغتنم كل فرصة

المسألة المهمة في إزالة الآفات عن الاعتراض هي أن يستطيع المعترض مشاهدة الطريق الموصل إلى الوضع المنشود واغتنام كل فرصة تؤدي إلى المحبوب؛ لا أن يُعرض عن هذه الفرصة العظمية التي أُتيحت عبر دماء الشهداء المنتظرين ويصرخ بصرخة الاعتراض المطلق في مجرى الانتظار. فإنّ المنتظر المعترض يعتبر خدمة نظام الجمهورية الإسلامية المقدس رغم كلّ بُعده عن الحكومة المهدوية، واجبة كالخدمة تحت راية الإمام، ويرى الثورة الإسلامية طريقاً للوصول إلى ساحل النجاة.

الثورة الإسلامية في إيران، طريق إلى الفرج

كما صرّحت بذلك الرواية الواردة عن رسول الله (ص): «یَخرُجُ ناسٌ مِن المَشرِقِ فَیُوطِّئُونَ للمَهدِيِّ سُلْطانَهُ.»[2] وقد أشار الإمام الخميني (ره) والإمام الخامنئي في أقوالهم مراراً إلى هذا المعنى. فعلى سبيل المثال، يقول الإمام الخميني (ره) في النصف من شعبان الأخير من عمره الشريف: «ليعلم مسؤولونا بأن ثورتنا غير محدودة بإيران. ثورة الشعب الإيراني مبدأ لانطلاق ثورة كبرى في العالم الإسلامي تحت لواء الإمام الحجة – أوراحنا فداه – ونسأل الله أن يمنّ على المسلمين وكلّ أهل العالم وأن يجعل ظهوره وفرجه في العصر الحاضر.»[3] فكيف سيعشق المعترض والمنتظر الحقيقي مثل هذه الثورة ويحتضنها؟

يتبع إن شاء الله ...

[1]. الأمالي للشیخ الطوسی، ص650.
[2]. میزان الحکمة، باب «الثَّورَةُ الإسلامِيَّةُ فِي الشَّرقِ»، ح2366، نقلاً عن کنز العمال، ح38567. وأيضاً کشف الغمة ج2، ص477 مع اختلاف قليل في النص: «یَخْرُجُ أُنَاسٌ مِنَ الْمَشْرِقِ فَیُوطِئُونَ لِلْمَهْدِيِّ یَعْنِي سُلْطَانَهُ»، ويقول المحدث الإربلي (693 هـ) صاحب کشف الغمة في نهاية هذا الحديث: «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ رَوَتْهُ الثِّقَاتُ وَالْأَثْبَاتُ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَةَ الْقَزْوِينِيُّ فِي سُنَنِهِ».
[3]. صحیفة الإمام، ج21، ص327.


الكلمة الطيبة 26-05-2014 07:34 AM

انتظار العوام، انتظار العلماء، انتظار العرفاء 20
 
الاعتراض المطلق والذي لم يُقيّد بأيّ قيد هو مثل أن يكون النبي يعقوب (ع) غير مكترث بقميص يوسف (ع)، وبذريعة أنه كان منتظراً للقاء يوسف نفسه، لم يعتدّ بما له من آثار وبركات؛ أو عندما يأتونه بالقميص، وبدلاً من أن ينهل جرعة من منهل الوصال ويمسح القميص الذي يفوح منه عطر الحبيب على عينيه (الذي أدى إلى أن يرتدّ بصيراً)، يعترض قائلاً: «زمن طويل وأنا أنتظر يوسف، والآن تأتونني بقميص؟!» ويرمي بالقميص إلى جانب. إنّ أيّ نسيم يهبّ من جانب الحبيب، يهب الحياة للمنتظر المهجور، وعند ذلك يكون اعتراضه النابع عشق على هجر الحبيب حقيقياً.

2. معرفة الوضع المنشود

العنصر الثاني للانتظار، هو معرفة الوضع المنشود. يعني العلم بالوضع الذي يمكننا أن نعيشه واليوم لا نتمتع به؛ العلم بالخيرات اللامتناهية التي يمكننا ولابد لنا من تلقيّها ولكننا مُبعدين عنها ولا نهتمّ بها لعدم علمنا بها.

أهمية معرفة الوضع المنشود

العنصر الثاني للانتظار، هو معرفة الوضع المنشود؛ الوضع المنشود والمثاليّ الذي أدّى عدم علمنا به إلى أن لا نمتلك دركاً وتحليلاً صحيحاً عن الوضع الموجود. لأنّ جزءاً من إدركنا عن أوضاع وأحوال عصرنا ومعرفة سلبيات الوضع الموجود، منوط باطلاعنا على الوضع المنشود. ولكن كيف يمكننا تقييم وضعنا الموجود من دون ملاحظة أنموذج لفهم ذلك الوضع المنشود؟ هل نعلّق آمالنا على النماذج الشرقية والغربية المندرسة التي نتعلّمها في المدارس والجامعات، ونقيّم أنفسنا بالمعايير الناقصة واللاإنسانية في بلاد الكفر؛ الأمر المرفوض الذي يتداوله بعض النخب المغتربة في بلادنا.

الاعتراض، ثمرة معرفة الوضع المنشود

وأحياناً من لا يحمل معرفة وصورة دقيقة عن الوضع المنشود، لا يمكنه حتى الاعتراض على الوضع الموجود. ولا يتأتى التألّم من حالة الغيبة (الوضع الموجود) والتولّع للظهور إلّا عبر معرفة خصائص المجتمع المهدوي، وإلّا فمن اعتاد على الحياة في ظلّ هذه الظروف المرّة وغفل عن إمكانية التمتع بحياة سامية، لا يمكنه أن يكون منتظراً للوضع الأمثل. فهو يتقبّل جميع نقائص حياته الفردية والاجتماعية ويعتبرها أمراً لا مفرّ منه.
يجب على المنتظر إلى جانب «الاعتراض على الوضع الموجود» أن يحمل صورة عن «الوضع المنشود» أيضاً. وهما أمران يكمّل أحدهما الآخر ويولّدان حالة الانتظار بمعية سائر العناصر المرتبط معظمها بالوضع المنشود والتي سنتعرض لها في تتمة البحث. وإنّ للشعور بالانتظار أساساً صلة وثيقة بهذا الإدراك والمعرفة بالنسبة إلى الوضع المنشود؛ بحدّ يمكن القول بأن تنمية هذه المعرفة تمثل واحدة من طرق تعزيز روح الانتظار.
الانتظار، شعورٌ مختصّ بالمستقبل وبوضع أمثل. ومن هنا فكلّما كانت صورتنا عن الوضع المنشود أوضح، كلّما اشتدّ انتظارنا. ولكن ما هو الوضع الذي ينتظره الجاهل بالوضع المنشود؟ وكما ذكرنا في بحث «النظرة العامية»، فإن من تبرّم من الظلم ولكنه لا يحمل صورة واضحة عن العدالة، لا يُعلم أنه أساساً كم سيرغب في العدالة ويتقبّلها؛ وكم هو مستعدّ لأن يعيش في ظل مجتمع تسوده العدالة.
إنّ لنفس معرفة الوضع المنشود والعلم بماهيته وكيفيته، فوائد جمة، حتى لو لم تؤدّ إلى الانتظار. فمن فوائده المهمة، تهيئة أرضية مناسبة لتحليل صائب عن الماضي والعثور على جواب الكثير من الأسئلة الأساسية في حياة البشر. مثل أنه: لماذا كان أنبياء وأولياء الله على مرّ التاريخ مظلومين في الأغلب؟ لماذا كل هذا التأخير وكل هذه الصعوبة في إقامة الحق؟ لماذا نجد غلبة الأشقياء على الأولياء مستمرة وبشتى الأنحاء؟ والكثير من الأسئلة التي يُجاب عليها.

خبر منقذ

إنّ معرفة الوضع المنشود والإخبار عمّا سيتحقق في المستقبل، يعمل كانفجار النور الذي بإمكانه أن يزيل ظلمات الجهالة، وأن ينشر ضياءاً يمكن من خلاله مشاهدة جانب من الوضع المأساوي الذي تعيشه البشرية. وهذه المعرفة ترفع حالة التوقّع والانتظار؛ وتهيء أرضية الاعتراض الشامل على النظام الموجود في العالم.
الإخبار عن إمكانية ظهور حياة أمثل، في الفضاء الملكوتي لحكومة ولي الله الأعظم (أرواحنا له الفداء)، يكشف عن بطلان جميع النظريات والأفكار الباطلة الموضوعة لحياة البشر ويميط اللثام عن الجهل الكامن في الكثير من العلوم.
وإنّ معرفة الناس بخصائص المجتمع والحكومة المهدوية وبركاتها وإمكانية تحققها، ستؤول إلى التحوّل. وحتى لو لم يكن الناس معتقدين بالعقائد الدينية المساندة للظهور ومصير العالم، فإنّ الحد الأدنى لثمرة هذه المعرفة هو ظهور الشك والتردّد حيال الحلول المطروحة حتى الآن للنجاة من المشاكل؛ والتي قد تبلورت في العلوم المختلفة.
الاطلاع على المجتمع المهدوي، يعبّد طرق التفكير للمفكرين ويفتح آفاقاً جديدة لتدبّر الإنسان حول الحياة. ولو شُبّه الوجود الأقدس للإمام في عصر الغيبة في أحاديثنا بالشمس المغيّبة خلف السحاب[1]، فلعلّ جزءاً من هذه البركات ناظرة إلى نفس تلك المعرفة بالحكومة المهدوية. ولو كنّا نعيش في عصر حاكميّة الإمام، لكانت الحقائق جليّة لنا كالشمس في رابعة النهار. واليوم حيث نعيش عصر الغيبة، يمكننا عبر الوقوف على تلك الفترة والتدبّر في خصائصها، أن نضيء طريقنا كالنور الساطع من الشمس التي جلّلها السحاب.

يتبع إن شاء الله ...

[1]. «قَالَ جَابِرٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَهَلْ يَنْتَفِعُ الشِّيعَةُ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ؟ فَقَالَ (ص): إِي وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالنُّبُوَّةِ إِنَّهُمْ لَيَنْتَفِعُونَ بِهِ. يَسْتَضِيئُونَ بِنُورِ وَلَايَتِهِ فِي غَيْبَتِهِ كَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِالشَّمْسِ وَإِنْ جَلَّلَهَا السَّحَابُ.» کمال الدین وتمام النعمة، ج‏1، ص253.
وكذلك مما جاء في التوقيع الصادر عن الناحية المقدسة للسفير الثاني: «وَأَمَّا وَجْهُ الِانْتِفَاعِ بِي فِي غَيْبَتِي فَكَالِانْتِفَاعِ بِالشَّمْسِ إِذَا غَيَّبَهَا عَنِ الْأَبْصَارِ السَّحَابُ وَإِنِّي لَأَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا أَنَّ النُّجُومَ أَمَانٌ لِأَهْلِ السَّمَاء.» کمال الدین وتمام النعمة، ج2، ص483.


الساعة الآن 09:46 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir

ما ينشر في منتديات الطرف لا يمثل الرأي الرسمي للمنتدى ومالكها المادي
بل هي آراء للأعضاء ويتحملون آرائهم وتقع عليهم وحدهم مسؤولية الدفاع عن أفكارهم وكلماتهم
رحم الله من قرأ الفاتحة إلى روح أبي جواد